Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

منصورة عز الدين: الكتابة ليست مخبأ بل فضاء للمواجهة

تعتبر أن بعض الروائيين يكتبون أدباً نسوياً ومن المستحيل غياب الترجمة

الروائية المصرية منصورة عزالدين: المواجهة في الكتابة (صفحة الكاتبة - فيسبوك)

لفتت الكاتبة منصورة عز الدين (1976) الأنظار منذ صدور عملها الأدبي الأول، وكما تشي ست روايات، وثلاث مجموعات قصصية وكتاب في أدب الرحلة؛ نجد أنها حريصة على ألا تشبه إلا نفسها، بتمهيد طريق خاص في الكتابة الأدبية، وقد استهلته بمجموعتها القصصية "ضوء مهتز"، التي صدرت عام 2001. ثم تلتها أعمال تنوعت بين الرواية والقصة، تُرجِم بعضها إلى الإنجليزية والإيطالية والألمانية. وضمت اسمها قائمة "بيروت 39"، التي حوت 39 كاتباً عربياً من بين الأبرز تحت سن الأربعين عام 2009. فاز كتابها "خطوات في شنغهاي: في معنى المسافة بين مصر والصين"، بجائزة ابن بطوطة  لأدب الرحلة عام 2020. وشاركت في تأليف كتاب "العربية على محك شبكات التواصل" الصادر عن الجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية في بيروت عام 2016.

وحصلت على جائزة أفضل رواية عربية في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2014 عن روايتها "جبل الزمرد"، وجائزة أفضل مجموعة قصصية من معرض القاهرة الدولي للكتاب في العام نفسه، عن عملها "نحو الجنون". ووصلت روايات لها إلى قوائم قصيرة وطويلة في جوائز عربية عدة مثل البوكر وجائزة الشيخ زايد وسواهما.عملت عقب تخرجها في جامعة القاهرة، محررة في جريدة "أخبار الأدب"، وتشغل حالياً منصب نائب رئيس تحرير الجريدة نفسها والتي أسسها الكاتب الراحل جمال الغيطاني.

في مسارها الأدبي، نجحت في أن تصنع عبر ربع قرن من الكتابة منجزاً، تذوب فيه المسافات بين النقائض، ويحمل خصائص جمالية متفردة على مستوى لغة السرد وبنيته. في حوارنا معها ترسم  منصورة عزالدين صورة لكاتبة تفردت في محيط ملتبس، وواقع ثقافي تلفه القضايا الشائكة.

الهجرة وعكسها

 

نشأت منصورة عز الدين في محافظة الغربية، في قلب دلتا النيل، ثم نزحت إلى القاهرة، ما يطرح سؤالاً عن أثر ذلك، على حضور ثنائية الفرع والمركز وتناقضاتها في أعمالها، لكنها تصر على أن حضور هذه الثنائية في  بعض أعمالها كان هامشياً، وتقول: "في معظم الروايات التي تطرح هذه الثنائية، يتم التركيز على الانتقال من الريف إلى المدينة. لكن هذه "التيمة" ليست مطروحة عندي بالطريقة المعتادة، بل ربما المطروح هو العكس، أي عودة الشخصية من المدينة إلى الريف". وتضيف: "في رواية "متاهة مريم" نجد أن المتاهة نفسية وزمانية في المقام الأول، وليست بالضرورة متاهة مكانية كما قد يتبدى في الظاهر. وبالتالي فالقاهرة موجودة وسرايا التاجي كذلك، لكنهما موظفتان لعكس حالة التيه هذه. أما في "بساتين البصرة" و"أطلس الخفاء" فحضور الريف خافت، باعتباره المكان الذي جاءت منه شخصيتا ليلى ومراد بالترتيب، وهو موجود بقدر ما يتطلبه رسم ملامح كل شخصية فنية منهما".

وتواصل: "حين أكتب عن أي مكان، أحب أن أنقل كل ما يخصه من طوبوغرافيا، وأصوات، وروائح ونباتات، ومناخات. أنشغل أيضاً بتأثيره على الشخصيات التي تعيش فيه وتفاعلها معه. يحدث هذا حين أكتب عن بيئة ريفية أو مدينية أو عن مدينة مثل براغ في "أخيلة الظل"، أو شنغهاي في "خطوات في شنغهاي"، أو حتى عن جغرافيا متخيلة كما في "جبل الزمرد" و"مأوى الغياب" وسواهما".

وحول نضج التجربة الإبداعية ومحفزات الإبداع تؤكد عز الدين أن كل كاتب نتاج عملية معقدة ومتراكمة ومتعددة الطبقات - وبعضها طبقات غامضة عليه هو نفسه - من القراءات والذكريات والخيالات والتجارب. فتقول: "المسألة ليست خطية، وليست معادلة رياضية تقود مقدماتها إلى نتائج محددة سلفاً، وشبيهة بما دخل في تكوينها. بل إن التأثيرات الأعمق لا تُلاحظ بسهولة، ومن الصعب تعقبها لأنها ليست في تقنيات الكتابة، أو في تشابهات واضحة، وإنما في طريقة رؤية العالم والتفاعل معه، ومن الصعب ردها إلى شخص واحد، أو حتى إلى القراءات وحدها".

بين الصحافة والأدب

 

منذ تخرجها في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، تمارس منصورة عز الدين العمل الصحافي إلى جانب الكتابة الإبداعية، ما يطرح سؤالاً بشأن أثر الجمع بينهما، وما إذا كان أحدهما يخدم الآخر أم يعرقله، وهو الأمر الذي تفسره قائلة: "يخضع الأمر لكيفية تعامل الكاتب مع كليهما، ولتحديده أولوياته منذ البداية. هل الأولوية عنده لكونه مبدعاً والصحافة بالنسبة له وظيفة لكسب العيش، أم لكونه صحافياً والكتابة الإبداعية موجودة على هامش مهنته الأساسية".

وتستطرد: "منذ البداية، كانت الأولوية عندي، وما زالت، للكتابة الإبداعية، عوَّدتني الصحافة على أن تكون الكتابة نشاطاً يومياً، وعلى تنظيم وقتي والعمل تحت ضغط، ووفق برنامج زمني محدد. هذا بخلاف، أنها تمنح من يعمل بها خبرات وتجارب حياتية، قد يصعب توفرها في مهن أخرى. وأظن أن مشكلتها الأساسية أنها مهنة متطلبة جداً وتبتلع الوقت، لذا من المهم لمن يعمل بها أن يرتب أولوياته بدقة".

الهواية لا تناقض الاحتراف

بعد مسيرة إبداعية حافلة لا تزال عز الدين تتعامل مع الكتابة باعتبارها هواية، كما تحرص دائماً على وصفها، وتفسر ذلك قائلة: "لا أقصد بالطبع المعنى الذي قد يُفهَم من كلمة الهواية، ولهذا لا أرى أنها هنا تناقض الاحترافية. بل قصدت بهذا فقط المحافظة دوماً على روح الحماسة والولع وعدم انتظار مقابل من خارج الكتابة نفسها. أي المزج بين الاحترافية والاجتهاد والالتزام بروتين كتابة منتظم، وبين عدم تحويلها إلى مجرد فِعْل آلي أقوم به وفي ذهني الحصول منه على مكاسب معينة، إن لم أحصل عليها أُحبَط أو أشعر بالمرارة. فالكتابة في حد ذاتها هي الغاية والهدف ومصدر الإشباع".

وتكمل: "أتذكر المتعة التي وفرتها لي القراءة في صغري، وكيف كانت مرشدي ودليلي في عالم بدا لي وقتها ملغزاً وبالغ التعقيد، يعيدني فوراً إلى مغزى أن أكون كاتبة، بعيداً من أي إغراءات أو مكتسبات أخرى، قد يتوقعها البعض من الكتابة".

 

حظيت أعمال منصورة عز الدين بالترجمة إلى أكثر من 10 لغات، ما يمثل إنجازاً كبيراً يدفع للتساؤل بشأن ما تضيفه الترجمة الى الكاتب وسر رغبته في ترجمة أعماله إلى لغات أخرى. تجيب عز الدين: "من واقع خبرتي الشخصية الخاصة بترجمة أكثر من عمل لي، فهي تجربة إيجابية في المجمل من حيث اختبار النص في محيط ثقافي مغاير وفي لغة أخرى غير لغته الأصلية، ومن حيث ما قد يحمله هذا من مفاجآت واكتشافات، مثل الالتقاء بقارئ من ثقافة بعيدة عن ثقافتك؛ ليخبرك أنه وجد نفسه أو مدينته في كتابك المكتوب عن تجربة اعتقدتِ أنها مصرية صرفة على سبيل المثال".

وعن ضرورة الاهتمام بالترجمة تقول: "يكفي تخيل عالم لا ترجمة فيه ولا يقرأ المنتمون لثقافة ما سوى ما يُكتَب بلغتهم الأم"، مؤكدة أن الحرمان من قراءة ما يكتبه الفلاسفة والمفكرون والكتاب المهمون بسبب عائق اللغة؛ هو أمر يشبه لعنة توراتية.

 وترى أن من المنطقي تماماً أن تدعم الدول ترجمة أدبها، وتهتم بأن يُنشَر في دور نشر أجنبية كبرى، لا سيما وأن الكثير من الدول تفعل هذا، وتقدم منحاً لدعم الترجمة، مؤكدة أن مثل هذا الدعم غير موجود عربياً إلا في حالات قليلة. وفي بعضها يتم الاكتفاء بنشر الترجمات محلياً وتُترَك في المخازن. وفي معظم الحالات، يُترجَم الأدب العربي بمبادرات من المترجمين، الذين يتحمسون لأعمال معينة ويقترحونها على الناشرين.

الشليلية الأدبية

لا تزال العلاقة بين الأدب والنقد مثيرة لكثير من الجدل، ولا يزال النقد متهماً بالشللية والمصلحة. تعلق عز الدين على هذا الجدل قائلة: "لا يمكننا تقييم الحركة النقدية من دون أن نضع في الاعتبار طبيعة الواقع المحيط بها. النهضة عادةً ما تكون شاملة وتتسم بالتكامل بين العناصر المكونة لها. وأمام سؤال كهذا علينا النظر إلى حال أقسام اللغة العربية، والأدب المقارن في جامعاتنا، وإلى حال الصحافة الثقافية وكيف تكاد تختفي الآن، مع توقف ملاحق ثقافية عديدة كانت حاضرة بقوة من قبل".

وحول ما يُثار بخصوص الشللية تؤكد أنها لا تقتصر على فئة بعينها، وإنما تمتد إلى كل الفئات، وتكون أحياناً عابرة للفئات والحدود. لذا ترى أن من المهم الحكم انطلاقاً من الأعمال الإبداعية نفسها، بغض النظر عن أي اعتبارات خارجية، لأن هذه الاتهامات والأحكام العامة؛ تُستخدم أحياناً للتعتيم على أعمال جيدة بالفعل.

 

وتؤكد أن المشهد على أرض الواقع تجاوز كل هذه الاعتبارات، لأن قارئ اليوم لا يحتكم –في معظم الأحوال- إلى الدراسات النقدية أو مراجعات الصحف، بقدر ما يحتكم إلى موقع مثل "غوود ريدرز"، ومجموعات القراءة على الفيسبوك أو حسابات القراء المعروفين على تويتر وإنستغرام.

الأمر اللافت الذي تشير إليه عز الدين أنه كلما كان تركيز هذه الوسائل على أحكام واضحة ومديح صرف بكلمات وتعبيرات عامة، ساعد هذا على زيادة الإقبال على العناوين. فتقول: "ألاحظ على تويتر مثلاً، وجود بعض مَن ينشرون فقط اقتباسات وعبارات مديح عامة مع أغلفة الكتب، من دون جملة واحدة يُستشف منها أنهم قرأوا الكتاب بالفعل. لكن في المقابل، هناك من يقرأون بجدية ويلفتون الأنظار إلى عناوين كان من الممكن ألا يلتفت إليها القراء لولاهم".

الكتابة والنقد الأدبي

إذا كان الناقد يتوقع من الكاتب نصاً جيداً، فالكاتب يتوقع من الناقد تأويلاً يضيء النص ويكتشف خباياه، لذا تقيّم عز الدين تجربتها مع النقد قائلة: "بدأت النشر قبل ربع قرن، وهي مدة كفيلة لأن يتعرض الكاتب خلالها للكثير من أنواع النقد، منها ما ينجح في إضاءة النص والإنصات إلى المخفي في طبقاته الأعمق، ومنها ما يكتفي بالظاهر منه، أو ما يختزله في مجموعة من المقولات العامة. ولكن بشكل عام، أرى أن النقد لا غنى عنه، لكونه يضع يد الكاتب على مكامن قوته، ومواطن ضعفه".

وتضيف: "لا أتكلم هنا عن المدح أو القدح بطبيعة الحال، بل عن القدرة على قراءة المسكوت عنه، والقدرة على التفكيك والتأويل الإبداعي، بعيداً عن المعايير المدرسية المحفوظة، التي يطبقها البعض على كل النصوص، من دون محاولة قراءة النص من داخله، ووفق اقتراحاته الجمالية".

وتبرر ذلك في ما قاله بورخيس من أن شكسبير، الذي نقرأ نصوصه الآن، أثرى بما لا يُقارَن بشكسبير كما قرأه معاصروه، لأننا نقرأه في عصرنا هذا، في سياق قراءات وتأويلات عديدة تراكمت لأعماله، على مدار القرون الماضية، مؤكدة أن هذا هو الثراء الذي يقدمه النقد، وتعدد القراءات للأعمال الإبداعية.

المشهد الراهن والأدب النسوي

وحول المشهد الأدبي الراهن وما إذا كانت هناك مشتركات تجمع الكتاب، تقول عز الدين: "المشهد الآن متنوع جداً ومن الصعب حصر الإبداع الناتج عنه، في توصيفات أو سمات بعينها، خاصةً أن هناك ما يشبه تجاور الأنواع والرؤى. بل حتى في الحقب الأدبية، حيث نجد كتابة تقليدية جداً تشبه ما كان يُكتَب في منتصف القرن العشرين، إلى جانب كتابة تجريبية. وكتابة تنطلق من الذاتي بالأساس، إلى جانب كتابة غرائبية".

وتكمل: "هناك أيضاً ازدهار في أدب السيرة الغيرية والذاتية، ووفرة في الروايات البوليسية وأدب الرعب، وبدايات انتعاش للكوميكس والروايات المصورة. هذا التنوع الذي قد يصل إلى حد التنافر أحياناً؛ يحيل أي كلام عن التصنيف الجيلي إلى نوع من التعسف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأدب النسوي أحد الاصطلاحات الحاضرة بقوة وهو تصنيف آخر يجد قبولاً من البعض ورفضا لدى البعض الآخر، وربما يحيل صوت الراوي المذكر في روايتي عز الدين "بساتين البصرة"، و"أطلس الخفاء" للاعتقاد بمحاولتها الهروب من هذا التصنيف. وهذا ما تعلق عليه قائلة: "عندما نشرت رواياتي الأولى كنت أُواجَه دائمًا بسؤال: لماذا بطلات رواياتك نساء؟ ومؤخراً صرت أُسأل كثيراً عن سبب أن البطل في أعمالي الأحدث رجل. يتكرر هذا مع كاتبات أخريات، في حين أن الكُتَّاب الرجال لا يسألهم أحد هذا النوع من الأسئلة".

وتردف: "الكتابة مساحة حرية بالنسبة لي، لا أحاكم خيالي، ولا أطارده بأسئلة من قبيل لماذا هذا وليس ذاك؟ ردي المفضل على مثل هذه الأسئلة هو: لِمَ لا؟ فلنجرب. فالكتابة أيضاً فضاء للتجريب والمواجهة، وليست مخبأً أو مهرباً، فيها أواجه أشباحي ومخاوفي وأستحضرها للتمحيص والتفكيك".

وتضيف: "يمكن كتابة رواية منطلقة من رؤية نسوية بأبطال رجال، وغلبة الشخصيات النسائية في رواية ما؛ لا تجعلها بالضرورة رواية نسوية. وكذلك قد يكتب كاتب رجل رواية نسوية. والأهم أن من المجحف حصرعمل إبداعي ما، في تصنيف واحد محدد، انطلاقاً من جنس كاتبه أو أبطاله. إن قلنا أن رواية "محبوبة" لتوني موريسون، أو رواية "عازفة البيانو" لألفريدا يلينك مثلاً رواية نسوية، فهل نعني بهذا حصر كل رواية منهما في هذا التصنيف وحده؟ مؤكد لا، لكن البعض يفعل هذا ويستخدم التصنيفات، أياً كان نوعها، للاختزال والتحجيم".

 في أعمال منصورة عز الدين دائماً هناك ظلال نفسية وفلسفية، تتميز بحضور قوي داخل النص، وهذا ما تُرجعه إلى طبيعة اهتمامات الكاتب، التي تنعكس بالضرورة على أعماله، فتقول: "أنا مهتمة بالفلسفة وعلم النفس والميتافيزيقيا والأساطير والحكي الشعبي وغيرها. وتنعكس هذه الاهتمامات تلقائياً وبصور متعددة حين أكتب. يُقال إن الفن هو الأم المنسية للفلسفة، وأقول إن الفلسفة يمكنها إضافة الكثير إلى الإبداع، وكذلك علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ، بشرط أن يتم تطويعها لخدمة الإبداع ووفق شروطه ومقتضياته الخاصة وليس العكس".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة