Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سيتفاجأ أحفادنا عندما نخبرهم أننا عملنا يوما ما من المكاتب؟

أداء الوظيفة من بعد ليس مفهوماً جديداً ولا ترتبط نشأته بالعصر الرقمي

معظم الذين يتحولون إلى العمل من بعد لا ينظرون إلى الوراء أبدا  (Unsplash)

تتزايد شعبية العمل من بعد بشكل مطرد هذه الأيام نظراً إلى التطور التكنولوجي الذي وفر مزيداً من التقنيات والأدوات المتنقلة، إضافة إلى التطبيقات والبرامج التي تسمح للعاملين بالبقاء على اتصال مع مكاتبهم طيلة الوقت بغض النظر عن مكان وجودهم الفعلي، ويطلق على العمل من بعد تسميات عدة منه work from home (WFH)، work from anywhere، remote job، mobile work، distance work، وكلها تشير إلى الاتفاق على نظام عمل مرن يؤدي بموجبه الموظف واجبات ومسؤوليات منصبه وأياً من الأنشطة الأخرى المفوضة إليه، من موقع عمل متفق عليه، بخلاف الموقع المتعارف عليه كمكان عمل مركزي مثل مبنى المكتب أو المستودع أو المتجر، حيث يؤدي الموظفون أعمالهم بانتظام خارج بيئة العمل التقليدية، لكن السؤال، هل العمل من بعد وليد الإنترنت وتطور تطبيقات التواصل والمراسلة؟ وكيف كانت نشأته الأولى؟ وما الدور الذي لعبته التكنولوجيا في تأجيج رواجه في الآونة الأخيرة؟

من المنزل إلى المصنع

الحقيقة أن العمل من بعد ليس مفهوماً جديداً، ولا ترتبط نشأته بالعصر الرقمي وتطبيقاته فقط، فهو موجود قبل شروق شمس الإنترنت، وأول من طمس الحد الفاصل بين الحياة العملية والمنزلية هم البشر الأوائل، إذ كانت أماكن معيشتهم هي بيئة عملهم حيث يقومون بفرز ما يجمعونه خلال اليوم، ثم في العصور الوسطى ومع ظهور بعض الأدوات اليدوية المساعدة كتقنيات حديثة، بدأ البعض مثل صانعي الأحذية والنساجين والنجارين وغيرهم، يطلقون متاجرهم الخاصة من أماكن معيشتهم، إذ كانوا يجدون في امتلاكهم مكان عمل متشابكاً مع مكان معيشتهم أمراً يجعل الحياة أسهل.

وبقي الوضع هكذا إلى ما بعد الثورة الصناعية، ومن هنا بدأ تحول ملحوظ وعميق في طريقة عمل الناس، عبر انتقالهم إلى العمل في المصانع والبدء بتوفير عناصر بشكل أسرع وأقل سعراً، حيث تطلبت الآلات الكبيرة كوادر بشرية لتشغيلها ومتابعتها وصيانتها ضمن المصانع، وبذلك، أنشأت الثورة الصناعية نموذج العمل خارج المنزل الذي لا يزال عديد من أصحاب العمل يتبعونه حتى اليوم، ويلازم هذا النموذج جدول زمني محدد في بيئة وأدوات ومعدات يوفرها صاحب العمل، لكن، مع ذلك، واصل بعض الناس، معظمهم من النساء، العمل من المنزل في وظائف مثل صنع وإصلاح الملابس وبيع المواد الغذائية لعمال المصانع وغيرها.

إلى المنزل مجدداً

ووضع جاك نيلز، مهندس في وكالة "ناسا" الأساس الحديث للعمل من بعد، عندما صاغ مصطلح "telecommuting" عام 1973، والصحيح أن سياسات العمل من بعد "الحديثة" صيغت واعتمدت بشكل رسمي من قبل الشركات بعد عام 1999، على الرغم من أنها سبقت وجود الحواسيب الشخصية، ومع تطور التكنولوجيا وتناقص وظائف التصنيع تحول العمل مرة أخرى إلى نموذج العمل من بعد، إذ مهدت أجهزة الكمبيوتر والإنترنت الطريق لهذا التحول في العصر الحديث.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي أواخر التسعينيات بدأ مزيد من الناس شراء أجهزة الكمبيوتر الشخصية وتوصيل منازلهم بالإنترنت، وفي أوائل العقد الأول من القرن الـ21، سمحت بعض الشركات الأميركية لموظفيها بالعمل من المنزل، بسبب نتائجه اللافتة في جعل الموظفين أكثر إنتاجية مع نوعية حياة أفضل وتخفيض للنفقات ووقت التنقل.

العمل من أي مكان

ووفقاً لمؤسسة "غالوب" يعمل 125 مليون موظف بدوام كامل في الولايات المتحدة، ونحو 56 في المئة منهم يعتقدون أن بإمكانهم أداء وظائفهم المكتبية من بعد، أي نحو 70 مليون عامل أميركي يستطيعون العمل من المنزل، كما تشير الإحصاءات إلى أن معظم الذين يتحولون إلى العمل من بعد لا ينظرون إلى الوراء أبداً، إذ تعتزم الغالبية العظمى من العاملين من بعد الاستمرار في هذا النمط من العمل لبقية حياتهم المهنية، ويصرح العاملون خارج إطار المكتب التقليدي بأن العمل من بعد كان منتجاً بالقدر نفسه أو حتى أكثر، إذ تختلف ظروف العمل اليوم عما كانت عليه قبل بضع مئات من السنين بوجود أدوات اتصال وتقنيات أفضل سهلت إنجاز العمل، فكثير من المهام يمكن أداؤها من جهاز محمول في المنزل أو السيارة، نظراً إلى تطور التطبيقات وأداء الأجهزة وتوفر شبكات الإنترنت اللا سلكية التي ساعدت في الوصول إلى أنظمة العمل الأساسية والبقاء على اتصال بزملاء العمل من أي مكان في العالم.

كما أن الفوائد التي تعود على العاملين أكبر، بوجود وقت أطول في المنزل وأقل في زحمة المرور وحرية أكبر في وضع وإدارة الجدول الزمني، والأهم إمكانية التنقل إلى مكان في أي وقت، وبالنسبة إلى أصحاب العمل، أنتج نموذج العمل هذا قوى عاملة أكثر سعادة ورضا ومعدلات احتفاظ أعلى بالموظفين وخفض نفقات العقارات، ولكن بقي الجانب الإيجابي الأكبر هو القدرة على جذب موظفين أكفاء من أماكن بعيدة، الأمر الذي منحهم ميزة تنافسية كبيرة.

وتبعاً لما ورد يبدو أن التاريخ يعيد نفسه لكن بثبات ووضوح أكبر هذه المرة، ومع أدوات ستسهم في تطوير التجربة ودعمها وتصاعدها بدلاً من استبدالها كما حدث أول مرة، وبالنظر إلى الوضع الراهن للعمل من بعد، لا يظهر أي علامات لتراجع هذا النموذج من العمل، إذ إن الإيجابيات ما زالت تفوق العيوب بأضعاف، وعملية الجمع بين مساحتي العمل والمعيشة تبدو سهلة بوجود التكنولوجيا والتسهيلات الحالية.

المزيد من تقارير