Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تؤثر الإعلانات في تشكيل ذهنية الطفل؟

12 مليار دولار في العام تنفقها الشركات لإغراء الناشئة وإذا تعرض الطفل لـ 40 ألف إعلان تلفزيوني خلال سنة واحدة، يعني ذلك أنه يتعرض لـ 800 ألف إعلان خلال 20 سنة من حياته

الشركات تستغل رغبة الطفل بمواصلة لعبة معينة لإظهار إعلانات يجب عليه مشاهدتها (اندبندنت عربية)

تنفق الشركات مبالغ طائلة سنوياً على الإعلانات الموجهة للناشئة، فأطفال اليوم هم مستخدمو تلك المنتجات غداً، فضلاً عن عرض كثير من الإعلانات الخيالية التي يصعب على الأطفال من خلالها التمييز بشكل كاف بين الوهمي والحقيقي، إلا أن لهذه الفئة القدرة على التأثير في قرارات الأُسرة في عملية الشراء، وهناك قنوات خاصة تعنى بالأطفال وتقدم لهم إعلانات تحاكي اهتماماتهم من الأجهزة الذكية أو لعب غالية الثمن بهدف إغرائهم.

وكشفت دراسة أميركية أن شركات الإعلان تنفق 12 مليار دولار في السنة على الإعلانات الموجهة للأطفال، وأنه إذا تعرض الطفل لـ 40 ألف إعلان تلفزيوني خلال سنة واحدة، يعني ذلك أنه يتعرض لـ 800 ألف إعلان خلال 20 سنة من حياته، وإذا تكررت مشاهدته لإعلانات منتجات معينة طوال هذه السنوات فهو بالتأكيد سيكبر محباً ومخلصاً لها، وبالتالي سيكون مستهلكاً لمنتجاتها طوال حياته.

حماية من البرامج

تقول فرح الدبوني (45 سنة) المقيمة في الولايات المتحدة، "من خبرتي ينجذب الأطفال من السنة الأولى حتى السادسة لإعلانات الألعاب وليس السوشيال ميديا، ومن السنة السابعة فما فوق تجذبهم إعلانات السلع وأشياء أخرى مثل البرامج الثقافية والفنية والرياضية، ويعتمد تأثير المادة الإعلانية على المنتج والوقت الذي تقدم فيه المادة الإعلانية، وشخصية البطل في الإعلان المقدم".

وعن دور الأسرة تقول الدبوني، "تستطيع الأسرة منع الطفل من فتح بعض المواقع على الموبايل أو الآيباد، وهناك برامج تحدد عمر الطفل أو من هم في سن المراهقة، من خلال خيار في الجهاز يسمىrestrictive filter   يسمح لـ’غوغل‘ بإزالة جميع الفيديوهات الإباحية السيئة التي تظهر للأطفال وتكون غير مناسبة لهم، أو من خلال تحميل برنامج adblocker  الذي يحمي الأطفال مشاهدي الـUTube  من الإعلانات المقترحة وبعض المقاطع الخارجة، أو إنشاء قوائم Play List  يوضع فيها ما يفضله الطفل فقط لا غير، أو تحميل برنامجChild Control  لحماية الأطفال ومنع المواقع الإباحية على الكمبيوتر، فضلاً عن دور الحكومة في تقييد التعرض لبعض الإعلانات بدور العرض السينمائية للأفلام مثل PG13 أو PG15 أو PG18  وكل عمر من هذه الفئات يشاهد إعلانات تناسب مرحلته العمرية.

مرحلة الخطر

ويقول مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية البروفيسور قاسم حسين صالح، "الإنترنت وشيوع مواقع التواصل الاجتماعي مرحلة خطرة على الأطفال، والإعلانات هي الوسيلة الأكثر خطراً بعد غزوها بوسائلها المبهرة لكل بيوتنا، في مفارقة تتلخص في أن الإنترنت حقق للأطفال فوائد معرفية وسلوكية لم تحصل في تاريخ الطفولة، وتتباين التأثيرات على الأطفال بحسب المراحل العمرية المحددة وأفضل ما تحققه الإعلانات هو الفضول المعرفي إلى الدرجة التي يتعب الطفل فيها والديه من كثرة أسئلته في كل ما يراه غامضاً، وتلك أهم نقطة إيجابية تحققها الإعلانات. 

ويضيف صالح، "تشير الدراسات إلى أن الأطفال دون سبع سنوات هم الأكثر عرضة للآثار السلبية للإعلانات بسبب ضعف قدرتهم على التحكم بمشاعرهم، ولصعوبة تفريقهم بين الواقع والخيال، ولأن الإعلانات تنمي لدى بعضهم نمطاً خاطئاً من التفكير، فهي قد تسبب لهم مشكلات مستقبلية تخص التكيف مع الظروف الحياتية المختلفة".

الشعور بالرضا والإحساس بالرفاهية

ويقول المخرج والمنتج الإعلاني إحسان حسن، "تقنياً لا يوجد فارق في عملية ترويج الإعلانات على المنصات المختلفة، والعملية ترتبط بجملة من الاشتراطات، أبرزها تحديد المكان المستهدف والفئة العمرية، كما تحدد الشريحة المستهدفة من الإعلان رجال أو نساء أو أطفال، وكل ذلك يرتبط بحجم القيمة المالية المرصودة للترويج لهذه الحملة، وتخضع الإعلانات لقوانين علم النفس المتعلقة بالتلقي والمستندة إلى تحفيز شعور الخوف لدى المستهلك إزاء قضية ما من جهة، وإثارة رغبات الجمهور المستهدف في الحصول على الأشياء أو الخدمات من جهة أخرى لخلق حال من الشعور بالرضا أو الإحساس بالرفاهية لدى الحصول على السلعة".

ويحذر حسن "من الخطورة الكامنة في الرسائل المشفرة التي تحتويها بعض الإعلانات، بخاصة تلك الموجهة إلى الأطفال، وتستهدف خلق ثغرات في المنظومة القيمية والأخلاقية وزحزحة الثوابت التربوية في مجتمع معين أو بيئة معينة، وتتخذ طريقاً ممنهجاً في عملية الغرس في الطفل نفسه، وتزداد خطورة هذه الإعلانات في حال كونها بعيدة من رقابة الأهل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف، "يمكن أن تمرر الإعلانات عبر جوال الطفل أثناء ممارسته لألعاب معينة لا يشاركه في مشاهدتها أي فرد من العائلة، وهكذا سيكون عرضة لعملية الغرس التدريجي من دون وعي منه ومن دون علم ذويه، وتزداد الخطورة في حال استغلال الشركات رغبة الطفل في مواصلة لعبة معينة أو استمراره في تخطي مراحل معينة منها، وهنا تظهر إعلانات يجب عليه مشاهدتها وهي غير قابلة للتخطي، وهي الأعلى كلفة لشركات الإعلان على هذه المنصات".

اختلاف الثقافات

ويقول صالح إن "الإعلانات الأخطر على الأطفال هي التي تبثها دول الغرب بسبب اختلاف قيم الثقافة الغربية عن القيم في مجتمعاتنا العربية، وأخطرها تلك التي تتضمن إيحاءات جنسية صريحة أو مشفرة، بخاصة على الفتيات المراهقات، فهذه الثقافة تسببت في عودة عوائل عربية كانت تقيم في أميركا وأوروبا إلى بلدانهم حين بلغت بناتهم مرحلة المراهقة".

ويعتقد صالح أن مشكلة الفتيات في هذه السن هي الإعلانات التي تظهر فيها الفتيات على قدر وافر من الجمال، مما يدفع المراهقات إلى الهوس بالمظهر الخارجي ومتابعة آخر صيحات الموضة، وبسبب عدم قدرة بعضهن على الشراء، يصبن بالإحباط والاكتئاب والتوتر والأرق وفقدان الشهية، وبالتالي ينعكس ذلك على انخفاض مستوى التحصيل الدراسي".

ويضيف رئيس الجمعية النفسية العراقية، "تتسبب بعض الإعلانات في تنمية النزعة الاستهلاكية والنهم الشرائي لدى الأطفال من خلال رغبتهم في شراء أطعمة يعجز الآباء عن ثمنها، وأخرى تسبب أضراراً صحية لأنها مشبعة بالسكريات والأصباغ الصناعية وتسبب السمنة، وثالثة تؤدي إلى التنمر بسبب الشعور بالنقص الذي يترجم بالعنف لفقر الحال لدى بعضهم، ومقارنة أنفسهم بأقرانهم المرفهين مادياً حين يرتدون أشهر الملابس ويرتادون الأماكن المميزة في الإعلانات وعلى صفحات التواصل الاجتماعي".

مساوئ الإعلانات

وتشير الدراسات إلى إمكان تذكر الأطفال للمحتوى الإعلاني بعد عرضه لمرة واحدة، وقد يعبرون عن رغبتهم في الشراء مباشرة، كما يمكن أن يكون لإعلانات الكحول والتبغ تداعيات كبيرة على الأطفال والمراهقين، وغالباً ما تستهدف نقاط ضعف الشباب، وتصور له التبغ والكحول على أنه المفتاح لتحسين الصورة الذاتية والاستقلال، وبالتالي تحث الأطفال على استهلاكه، فضلاً عما يسببه الإعلان من اضطرابات الأكل، بخاصة لدى الفتيات، من خلال الصورة النمطية القائلة بأن الجسم النحيف صحي وجميل.

ووفقاً لمركز "رود للسياسة الغذائية والسمنة"، يعد الإعلان أحد العوامل المسهمة في بدانة الأطفال، إذ تنفق شركات الأغذية ما يقرب من 11 مليار دولار على الإعلانات التلفزيونية سنوياً، فضلاً عن دوره في تطوير المشاعر السلبية من خلال مقارنة منتج بآخر أفضل منه.

وتسهم الإعلانات في تنمية المشاعر المادية وتدعو إلى الشراء باندفاع، لأن الأطفال قد يعجبون بالملابس والأحذية والمنتجات الأخرى ذات العلامات التجارية الراقية.

جهد الأهل والتمسك بالموروث

استشاري في السلوك المعرفي CBT المقيم في السويد فاروق الدباغ يقول، "الطفل العربي في المهجر يفتقد القدوة أو الدليل، إذ تتقاذفه ثقافة المجتمع المضيف وسط غياب دور الأهل، ففي مجتمعاتنا العربية تعمل المدرسة تحت مسمى وزارة التربية والتعليم، أي تقدم التربية على التعليم، وفي أوروبا تسمى بوزارة التعليم لأن التربية من واجب الأب والأم، ويعيش أفراد معظم العوائل العربية كالغرباء تحت سقف واحد".

ويضيف، "كثير من الآباء يتخلصون من ضغط أطفالهم ونشاطهم في المنزل بتركهم مشغولين بالمحمول من دون قيد أو ضبط أو حتى توقيت للاستخدام، وألتقي في عملي كاستشاري في السلوك المعرفي عشرات الحالات شهرياً، والسبب الأول هو غياب دور الأهل المتعمد بسبب انشغالهم أو الجهل بطريقة التعامل أو التمسك بموروث تربوي قديم بني على لغة الخوف والعنف كأحد سبل التربية في الوقت تقدم فيه المدرسة لهم كل المعرفة والعلم بلغة الحب والتحفيز".

وينصح، "أقول للآباء أعطوا الوقت لأطفالكم وأجيبوا عن أسئلتهم في وقت معين تحددونه وفي وقت خاص بكم لا تكونون فيه مشغولين بالتلفاز أو المحمول، فيجب تدريب الطفل على لغة الحوار المتمدن بعيداً من الفوضوية والعشوائية".

خمول الدماغ وإجهاده

ويقول المخرج التلفزيوني المقيم في الولايات المتحدة نجم جدوع، "عندما يفرط الطفل في استخدام التكنولوجيا فقد تتعرض حياته للانطواء والكآبة، بخاصة عند وصوله إلى مرحلة الإدمان مما يؤدي إلى خمول الدماغ وإجهاده وضعف الذاكرة، وعندها يصبح الأطفال خاضعين لتأثير ما يبث من إعلانات ترويجية، وتكمن الخطورة في محتوى الإعلان وجودته وطريقة عرضه".

ويضيف، "تصعب حماية الطفل أو المراهق من التعرض لعالم الإعلانات المبتكرة التي تظهر في كل الوسائل تقريباً، وقد جربت وكالات الإعلان كل وسيلة من تلفزيون و’يوتيوب‘ وتطبيقات ولوحات إعلانية ومجلات وصحف وأفلام وإنترنت وألعاب إعلانية ورسائل نصية ووسائل التواصل الاجتماعي،  لذلك سيرى أطفالك حتماً الإعلانات التي صممت للتأثير في طريقة تفكيرهم وطلباتهم".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات