Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صدمة اسطنبول: امتحان ديمقراطي لسلطوية أردوغان وما فعله بتركيا

انفرد بالحزب والسلطة عبر الانتقال من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي

الخسارة متعددة الوجوه ومرشحة لبدء العد التنازلي لسلطة أردوغان وسيطرة حزبه (أ. ف. ب.)

"الديمقراطية تشبه القطار، حين تصل إلى محطتك تنزل منه"، هكذا تكلم رجل الميكروفون، الغاضب الدائم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو نزل من القطار في المحطة التي أرادها، لتطبيق "أجندته الخفية" على مراحل، وكان الهدف أمامه واضحاً ومغلفاً بشيء من الغموض: توظيف الوصول إلى السلطة بانتخاب ديمقراطي في عملية تدمير الديمقراطية وإقامة نظام سلطوي وسط الحفاظ على الطقوس الانتخابية.

المرحلة الأولى هي اختصار الشعب بحزبه والقول عام 2014 "نحن الشعب" وسؤال الآخرين "من أنتم؟".

المرحلة الثانية هي دمج البلد بالحزب والقول عام 2017 "مصير تركيا وحزب العدالة والتنمية صار واحداً".

المرحلة الثالثة هي اختصار الحزب بنفسه ودفع رفاقه إلى خارج الحزب الذي أسهموا في تأسيسه من أمثال الرئيس السابق عبد الله غول ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو والوزراء والبرلمانيين السابقين علي باباجان وبولنت أرينتش وسواهم.

وهكذا انفرد بالحزب وانفرد بالسلطة عبر الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وصار كل شيء في يده: السياسة، والإعلام، والأمن، والقضاء، والإدارة، والمال الذي جعل صهره يحمل صندوقه.

وكان لا بد، بقوة الأشياء، من صدمة لأردوغان وجنون العظمة، وهي جاءت في مارس (آذار) الماضي عبر الانتخابات البلدية حين فازت المعارضة العلمانية ببلديات المدن الكبرى وبينها أنقرة العاصمة واسطنبول، إذ فاز أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية اسطنبول ضد بن علي يلدريم مرشح أردوغان. لكن أردوغان الذي قال "إن من يربح اسطنبول يربح تركيا"، واجه الهزيمة بالمكابرة، وأرغم اللجنة العليا للانتخابات على إعادتها وإبطال رئاسة إمام أوغلو بعد أيام من تسلمه وثيقة الفوز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وكان رهانه خارج أي منطق، فالمعادلة واضحة: إذا ربح، فإن الربح سيكون مزيفاً وبالتزوير، وإذا خسر فسيفقد الكثير من الشرعية، وكانت الصدمة الثانية أقوى: الفارق الذي كان 13 ألف صوت لمصلحة إمام اوغلو في مارس، صار أكثر من ثلاثة أرباع المليون في يونيو (حزيران).

والخسارة متعددة الوجوه ومرشحة لبدء العد التنازلي لسلطة أردوغان وسيطرة حزبه وحده منذ بداية الألفية الثانية، فهي أولاً شخصية لأردوغان الذي بدأ مساره السياسي برئاسة بلدية اسطنبول قبل 25 عاماً.

وهي ثانياً سياسية ورمزية لكون اسطنبول عاصمة السلطنة العثمانية التي يتصرف أردوغان كأنه وريثها والراغب في إحيائها تحت عنوان "العثمانية الجديدة" والمفاخر بالقول: "نحن أحفاد السلاجقة

والعثمانيين"، وهي ثالثاً مالية واقتصادية، لكون اسطنبول العاصمة الاقتصادية لتركيا والتي تدرّ حوالى نصف الدخل القومي التركي وتعطي السلطة فرصة الشراكات مع رجال الأعمال، فضلاً عن أن ميزانية بلديتها تبلغ 7،3 مليار دولار.

وبحسب التحقيق الذي أجرته المحققة الصحافية التركية سيغوم توكر ونشرته الـ"نيويورك تايمز"، فإن البلدية قدمت عام 2018 مبلغ 74 مليون ليرة تركية لصندوق الشباب الذي يرأس مجلس إدارته بلال نجل أردوغان و16 مليون ليرة لصندوق ارتشر، وبلال أيضاً في مجلس إدارته، و51 مليون ليرة لصندوق تعليم الشباب، وابنة أردوغان إسراء البيراق، زوجة وزير المال في مجلس إدارته، وكلها ضمن مبلغ إجمالي أنفقته البلدية على الأوقاف التابعة للعدالة والتنمية في حدود 847 مليون ليرة.

وقال سليم تورو، المحلل في مؤسسة للبحث في الاقتصاد السياسي إن تاريخ الجمهورية التركية هو صراع بين قوتين: السياسيون والأوليغاركية البيروقراطية المكونة من الجنرالات والقضاة وكبار الموظفين الإداريين، والبيروقراطية ترسم الحدود المقبولة في السياسة وعلى السياسيين البقاء ضمنها، وأي خرق لها يقود إلى إضعاف الأحزاب الحاكمة وحتى إلى انقلاب عسكري.

لكن أردوغان عمد إلى "تسييس الدولة" عبر الإمساك بالجيش وإلغاء وكلاء الوزارات وإعطاء المراكز الأساسية في الإدارة لجماعته بدل البيروقراطيين الكبار كممثلين للدولة، ولا أحد يجهل ما الذي فعله بالعسكر والقضاة وأساتذة الجامعات بحجة "التطهير" بعد المحاولة الانقلابية الأخيرة المنسوبة إلى جماعة حليفه وداعمه السابق فتح الله غولن الذي يعيش في أميركا.

وفي بيان طويل صدر أخيراً، قال أحمد داود أوغلو إن "توجهات حزب العدالة والتنمية تحت قيادة أردوغان تغيرت من حزب مركزي يحتضن جميع أطياف الشعب إلى حزب يتحالف مع القوميين ويمارس الاستعلاء والغطرسة والإقصاء حتى لقياداته التي خاضت إلى جانب أردوغان مرحلة كفاح شاق للوصول إلى ما وصل إليه في السنوات السابقة".

وهكذا، فإن أردوغان الذي نزل من القطار الديمقراطي، واختصر الحزب والدولة في شخصه، بدأ سلسلة من الألعاب الخطيرة على الصعيد الخارجي بين أميركا وروسيا ثم في دعم التيارات المتطرفة والدخول العسكري المباشر في حرب سوريا وشنّ غارات في شمال العراق.

والأخطر هو نقل تركيا من نموذج إلى آخر، من نموذج راهن عليه العرب والغرب، هو إدارة حزب إسلامي للسلطة في نظام علماني إلى نموذج مخيف للعرب والغرب، هو قيادة مشروع الإخوان المسلمين لتحكّم الإسلام السياسي بالمنطقة.

وليس حلم أردوغان بدور "السلطان الجديد" سوى كابوس لتركيا والمنطقة، فوق كونه مهمة مستحيلة، وما بعد صدمة اسطنبول هو سلسلة متغيرات وتطورات دراماتيكية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء