أعادت أغنية "للي" للفنان المصري محمد منير جدلاً يطفو إلى السطح مع كل اتهام بالسرقة الفنية حول التراث الفني أو الفولكلور، وهل يصبح الاقتباس منه سطواً ممجوجاً أم استلهاماً مشروعاً، فبعد إذاعة الأغنية بساعات واجه مؤلفها وملحنها أكرم حسني هجوماً، إذ اتهمه أحد الشعراء بالسطو على أبيات من قصيدة سابقة له، ثم وجّه له ملحن شاب تهمة سرقة لحن إحدى أغنياته واستخدامه بالكامل في أغنية منير، مما دفع إدارة "يوتيوب" لحذف الأغنية بسبب حقوق الملكية الفكرية.
وبدأت الأزمة عندما وجه الشاعر عادل صابر اتهامات لحسني مؤلف "للي" بسرقة بعض مقاطعها من ديوان شعر أصدره عام 2011، بخاصة شطر يقول "اللي فتح باب الخراب واجب عليه رده"، وتحويلها لـ"اللي فتح باب الوجع واجب عليه رده"، وزعم الشاعر استحالة توارد الأفكار بينه وبين حسني، قائلاً عبر صفحته بـ"فيسبوك": "من يكتب أغنية اسمها (ستو أنا) لن يكتب هذا الشطر".
وتابع: "هذا الشطر يعد اقتباساً صريحاً ومباشراً من قصيدتي، هذا فضلاً عن اقتباس روح الموال وقافيته وموسيقاه وسياقه بطريقة بها مراوغة والتفاف إلى حد ما"، مشيراً إلى أنه أوكل محامياً ليتولى الأمر برمته، وأنه واثق من إثبات ملكيته للكلمات والحصول على حقوقه المالية والأدبية، منوهاً بأن خلافه الأول والأخير مع الفنان أكرم حسني وليس مع محمد منير.
ولد الهلالية
وما هي إلا ساعات حتى خرج ملحن ومطرب شاب يدعى محمود المنسي ليتهم بدوره الفنان حسني بسرقة لحن الأغنية أيضاً، وقال إن ألحان "للي" تتطابق بشكل كبير مع ألحان أغنيته "ولد الهلالية"، وأنه لا يتهم أحداً بعينه، لكنه لا يقتنع بوجود توارد أفكار أو ألحان، معترفاً بأنه اقتبس اللحن بالفعل من الفولكلور الشعبي ثم طوره بالكامل، بخلاف حسني الذي أخذ اللحن بالكامل دون تغيير، على حد قوله.
وقدم المنسي شكوى لإدارة موقع الفيديوهات الشهير "يوتيوب" ضد حسني واتهمه بالسطو على حقوق الملكية الفكرية للحن الأغنية فحذف الموقع الأغنية، وعلق المنسي بأنه يشعر بالارتياح بعد سرعة الحذف باعتباره "قراراً سليماً ويضمن حقه الأدبي".
وأمام سيل الاتهامات رد أكرم حسني عبر صفحاته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، ونفى الاتهامات، وأشار إلى أن تشابه جملة من الأغنية التي تتكون من 12 بيتاً مع جملة للشاعر لا يعني السرقة، وإنما توارد الأفكار أمر طبيعي. وأوضح أن الأغنية كانت 20 بيتاً اختار منها منير 12 فقط، وبالطبع من كتب 20 بيتاً لن يكون عاجزاً حتى يسرق شطراً واحداً.
وتابع أنه يملك تاريخاً في تأليف الأغاني، فهو يكتب منذ 8 سنوات وله أغنيات بارزة منذ أيام برنامج "أبو حفيظة"، ولم يستخدم أي لحن أو كلمات إلا بعد الرجوع لجمعية المؤلفين والملحنين، ويسدد الرسوم حفاظاً على حقوق أصحاب الملكية الفكرية، منوهاً بأن من يكون حريصاً على تلك الإجراءات لا يمكن أن يسرق أو يستولي على حقوق أحد، أو يضع نفسه في موقف حرج من الأساس، مستدركاً "لست ساذجاً حتى أسرق أغنية يشدو بها محمد منير وسيسمعها الملايين".
وعن اتهامه بسرقة اللحن، قال حسني إن ألحانها موجودة منذ عقود، في عمل حمل اسم "ملاعيب شيحة" لخضرة محمد خضر، فليس من حق أحد أن يدعي ملكيته له من الأساس، لأنه اقتبسه من مصدرين أساسيين من الفولكلور الذي هو ملك للجميع ولا يحتاج لإذن لأنه ورث للشعب، ولأنه قبل أن يقدم على الخطوة استشار محاميه الخاص.
وعن موقف محمد منير من الأزمة، قال أكرم إنه تواصل معه بعد المشكلة، وأكد أن منير ليس منزعجاً على الإطلاق من الأمر، وطالبه بالتركيز في عمله وعدم الالتفات إلى تلك الاتهامات.
استئذان واجب
ورد الملحن محمود المنسي على كلام أكرم قائلاً "كان من الواجب أن يستأذنني في إعادة استخدام اللحن، ولا أعلم حتى الآن إذا كنت سأتخذ إجراءات قانونية ضده أو أوافق على التفاوض معه، فذلك الأمر يعود إلى رأي المستشارين القانونيين الخاصين بي".
وفي ما يخص نقطة استخدامه اللحن من الفولكلور، وأنه لا يملكه كما قال أكرم، أقر المنسي بأن التراث ملكية للجميع، لكن إذا استخدمه الفنان وأضاف عليه بصمته وخلق منتجاً جديداً، يصبح ملكية فكرية له، مستشهداً بما فعله الموسيقار بليغ حمدي الذي طور من الفولكلور أغنية "على حسب وداد قلبي" لعبد الحليم حافظ، فأصبحت مملوكة فكرياً له على الرغم من أنها مستوحاة من التراث، وكذلك حدث مع الملحن عزيز الشافعي الذي استوحى لحن أغنية "خطوة يا صاحب الخطوة" من التراث.
الرأي القانوني
وبالنسبة لرأي القانون في أزمة الاقتباس من التراث والصراع على أغنية منير، قال حسام لطفي المختص في الملكية الفكرية، إنه ليس من حق أحد نسبة الفلكلور لنفسه، واتهام غيره بسرقة لحن أو كلمات طالما هي في الأصل مستوحاة من تراث شعبي فولكلوري، لهذا فالصراع على أغنية منير محسوم من البداية، وحتى إن حدث تطوير في لحن أو أغنية، فقانونياً لا يمكن أن يدعي أحد ملكيتها، فلا توجد أسبقية في استخدام الفولكلور، وجميع المعنيين يعرفون أنه عبارة عن مصنفات غير معروف مؤلفها ومنسوبة للشعب.
وأضاف "هناك أغان أخرى مصنوعة من الفولكلور نفسه الذي صنعت منه أغنية منير، والأمر يحدث دون مشكلات منذ عشرات السنين، وكان بليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب وغيرهما يستوحون ألحاناً من الفولكلور المصري والروسي، ولا يتدخل القانون في ذلك، فلا توجد مادة تعاقب الاقتباس منه بأي صورة".
"امسك حرامي"
من جهته، قال الناقد الصحافي والموسيقي مصطفى حمدي لـ"اندبندنت عربية" إن كلاً من أكرم حسني والملحن محمود المنسي اقتبسا اللحن، وليس من حقهما نسبته لنفسيهما، منوهاً بأن اللحن موجود منذ 200 سنة ومستوحى من تيمة "يونس خطر في السوق"، وأن حسني أخذ اللحن وكرره في كل مقاطع الأغنية، بينما استخدم المنسي التيمة الأساسية وغير في بعض المقاطع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف حمدي "كان الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي المتشبع بالسيرة الهلالية اقتبس من قبل أغنية (يونس) من التراث، لكنه كتبها بطريقته، وفعل الشيء نفسه الملحن محمد رحيم في الأغنية ذاتها، لذلك فهي هنا تنسب لهما ولإبداعهما بخلاف ما حدث مع أكرم حسني والمنسي".
وتابع "هناك تاريخ طويل من الصراع حول الملكية الفكرية والسرقات الفنية، إذ اتهم الصحافي محمد التابعي في سلسلة مقالاته الشهيرة (امسك حرامي) موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب بسرقة ألحان عالمية لبيتهوفن وآخرين. واعتبر بعضهم هذه الخطوة انحيازاً صريحاً من التابعي للموسيقار رياض السنباطي ومحمد الموجي وآخرين كانوا يرددون في جلساتهم الخاصة اتهامات لعبدالوهاب بسرقة ألحانهم وألحان عالمية قدمها في أشهر أغنياته".
ورد عبدالوهاب على اتهامه بالسرقة قائلاً للإعلامية ليلى رستم بقوله "أن تستعين بجملة موسيقية فقط يعتبر هذا نقل، ووفقاً للمعيار الذي وضعته جمعية الموسيقيين لتقدير حالات السرقة اشترطت نقل أربع موازير كاملة (المازورة هي الجملة الموسيقية)".
واعترض عبدالوهاب على هذا المعيار: "هذا خطأ، لأن العبرة بصدارة الجملة الموسيقية وبشخصيتها، فمن الممكن أن تتكون من مازورة أو اثنتين لكن شخصيتها تشعرك إنها مأخوذة كاملة"، وكشف أنه في بداياته اقتبس في بعض الأغنيات مثل "يا ورد مين يشتريك" من بيتهوفن، و"أحب عيشة الحرية" من فولكلور روسي.
ومعروف أن أحد أهم الأسباب التي أدت لعدم فوز عبدالوهاب بجائزة اليونيسكو عام 1977 ومنحها لرياض السنباطي يرجع إلى تقرير "جمعية الموسيقيين" التي رصدت تجاوزات عديدة لعبدالوهاب في الاقتباس من ألحان غربية بأكثر من ثلاث موازير وهو الحد الأدنى القانوني للاقتباس، وهو ما تكرر في أغنيات قدمها خلال حقبة الثلاثينيات تحديداً مثل "عندما يأتي المساء" و"جفنه علم الغزل" و"يا دنيا يا غرامي" و"يا مسافر وحدك"، إضافة إلى اقتباسات من ألحان فريد الأطرش ومنير مراد وبليغ حمدي. بحسب الجمعية.
الأخوان رحباني
وعلى جانب آخر، يقول حمدي إن الأخوان رحباني وفيروز وأيضاً زياد الرحباني اتهموا بالاقتباس من الألحان الغربية، واعترف زياد بالاقتباس في أغنية "لبيروت"، حيث كتب في غلاف الألبوم أن اللحن مقتبس من مقطوعة "كونشيرتو دي ارانخويز" للموسيقار الإسباني "الكفيف" خواكين رودريجو الذي قدمه عام 1940 .
وفي عام 2002 قدم زياد الرحباني مع والدته فيروز ألبوم "شو بخاف" الذي احتوى على عدد أكبر من حالات الاقتباس الصريحة، فقدم لحن "لا والله" المقتبس من فولكلور مكسيكي، و"بيذكر الخريف" من لحن للموسيقار الفرنسي جوزيف كوزما، وكذلك أغنية "شو بخاف" مقتبساً من لحن للموسيقار البرازيلي لويس بونفا.
أغنيات عمرو دياب
ويسرد حمدي قصصاً أخرى لاقتباسات أثارت الجدل وهي مع الملحن عمرو مصطفى الذي قدم أشهر أغنيات عمرو دياب، حيث ضرب رقماً قياسياً في اقتباس الألحان لدياب، وأشهر ما اقتبسه لحن أغنية "صدقني خلاص" و"قدام عنيك".
واتهم دياب أيضاً باقتباس عدد من الأغنيات الأخرى من ألحان عالمية وعربية مثل أغنية "الليلادي" المستوحاة من أغنية عالمية هي sway ولحن أغنية "قدام عنيك" من أغنية عالمية هي My love.
ونقل الملحن خالد عز مقدمة أغنية "سألوني الناس" التي لحنها زياد وعمره 17 سنة، في أغنية "انت ماقولتش" التي غناها عمرو دياب في ألبوم "علم قلبي" الصادر عام 2003.
سميرة سعيد ومايكل جاكسون
ومن أشهر اقتباسات الملحن عمرو مصطفى التي أثارت جدلاً كبيراً أيضاً لحن أغنية سميرة سعيد "كل الأوقات" المقتبس من أغنية لجيسيكا سيمبسون، وأغنية "ليالي زمان" المقتبسة من أغنية لمايكل جاكسون.
وكذلك استنسخ لحن أغنية "سهروني الليل" لراغب علامة عام 2002 من لحن أغنية "ارمي المنديل" التي قدمها مصطفى قمر عام 1994، وكان أكثر ألحان عمرو مصطفى إثارة للّغط أغنية "بشرة خير" التي غناها حسين الجسمي واعتمد عمرو مصطفى على بناء لحني كامل لأغنية هندية. بحسب مصطفى حمدي.
وطالت مشكلات الاقتباس والتحرك القضائي الفنانة كارول سماحة في أغنية "وحشاني بلادي"، إذ استخدمت المقدمة الموسيقية لأغنية "ليلة حب" لأم كلثوم التي لحنها محمد عبد الوهاب وكتبها أحمد شفيق عام 1973، وتحرك ورثة عبد الوهاب لضمان حقوقهم، واعترفت كارول باستخدام المقدمة الموسيقية قانونياً باعتبارها أحد الأعمال التي تملك حقوقها شركة "روتانا" المنتجة لألبومها، وذلك بعد أن اشترت حقوق مئات الأغنيات لعمالقة الفن الجميل، وانتهى الأمر بالإشارة في غلاف الألبوم وكليب الأغنية إلى أن اللحن للموسيقار محمد عبد الوهاب.
بنت الجيران
ومن الأغنيات الحديثة التي اتهمت بالسرقة ودخلت في مشكلات قضائية أغنية "بنت الجيران"، حيث أكد الملحن محمد مدين أن لحنها مسروق من أغنيته "حاجة مستخبية" التي غناها المطرب محمد حماقي، وحُذفت الأغنية للمرة الأولى، ثم عادت بعد اعتذار عمر كمال وشاكوش لصناع الأغنية الأصلية، لكن شاكوش أخيراً اتهم مدين بأنه سرق لحن أغنيته من عمل تركي، الأمر الذي استفز مدين فعاود حذفها من جديد.
وبعد النجاح الساحق الذي حققته أغنية "3 دقات" ليسرا وأبو، ظهرت أغنية إسبانية تتشابه إلى حد التطابق مع لحن الأغنية المصرية، وانتشرت إشاعة عن سرقة صناع الأغنية للحن الإسباني، بخاصة أن الأغنية الإسبانية قديمة.