Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من المستفيد من الأزمة على خط أنقرة - بغداد؟

"توالت على تركيا ردود فعل سلبية من مسؤولين في العراق وبخاصة الذين تربطهم علاقة وثيقة بطهران"

بعد ثلاثة أيام من حادثة القصف في دهوك، تعرضت قاعدة عسكرية تركية في شمال العراق لهجوم (أ ف ب)

ترك الرأي العام العالمي الحديث عن الحرب الروسية - الأوكرانية لمدة أسبوع ليركز على القصف المروع الذي وقع في محافظة دهوك في شمال العراق.

وسيتمخض هذا الهجوم عن مشكلات خطيرة على صعيد التوازنات الإقليمية والاستراتيجية.

فماذا حدث؟

لقي 9 أشخاص مصرعهم، بينهم طفل يبلغ من العمر عاماً واحداً، وأُصيب 23 آخرون نتيجة قصف مدفعي استهدف متنزهاً سياحياً في منطقة زاخو الواقعة في كردستان العراق.

إنه أمر فظيع من كل النواحي، ومن واجب الإنسانية أن تدين أي هجوم على المدنيين، الذين كانوا في هذه الحالة يقضون نزهة بجوار جدول مائي، بغض النظر عن الطرف الذي ارتكب هذه الجريمة الشنعاء.

أما طريقة الهجوم وتوقيته فهذه مسألة أخرى.

قبل هذا الهجوم مباشرةً، اجتمع رؤساء تركيا وإيران وروسيا، بصفتهم شركاء في عملية أستانا، لعقد قمة في طهران.

وقبل ساعات قليلة من القمة، كان الرئيس أردوغان قد غادر لتوه مكان اجتماعه مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لينتقل إلى المكان الذي ستُعقد فيه "القمة الثلاثية".

في هذه اللحظة بالذات، بدأت تصريحات تصدر من حساب خامنئي الرسمي على "تويتر" حول تركيا، واحدة تلو الأخرى.

وفي البيانات التي تم الإدلاء بها بالفارسية والتركية والإنجليزية والعربية بعد وقت قصير من الاجتماع، تم التعبير عن القضايا التي أثيرت في الاجتماع مع أردوغان بلغة شديدة النقد.

وكان من الموضوعات التي انتقدها خامنئي: قضية معبر زانجيزور على الحدود الأرمينية - الإيرانية، والعمليات التركية في سوريا، والتقارب بين إسرائيل وتركيا.

في الطريق إلى اجتماع القمة، تم عرض التصريحات على أردوغان. هذه التصريحات الأحادية الجانب، وبوتيرة لا تتناسب مع الأعراف الدبلوماسية، أزعجت ليس فقط أردوغان ولكن أيضاً الشعب التركي بأكمله.

من جانبه، أعرب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال القمة عن عدم ارتياحه للعملية التي ستُنفَذ في سوريا.

كما أن العملية التركية في سوريا، والتي لم يكن فلاديمير بوتين أيضاً متحمساً لها، كانت، إلى حد ما، من البنود الإشكالية في القمة الثلاثية، لكنها لم تبلغ حداً يؤدي إلى قطع العلاقات.
وبعد مرور أقل من 24 ساعة على انتهاء القمة وعودة أردوغان إلى تركيا، بدأت أنباء السخط الشديد تنتشر في الصحافة العراقية. حيث إنه في إقليم كردستان العراق، كانت قذائف مدفعية قد سقطت على قرية بيريج (بيركس) في ناحية زاخو بمحافظة دهوك، وأسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى.

وقبل أن يتم تداول الحادثة في تركيا، زعمت وسائل إعلام عراقية موالية لإيران وتتخذ من طهران مقراً لها، أن القوات المسلحة التركية هي التي فعلت ذلك.

وفي وقت لاحق، توالت على تركيا ردود فعل سلبية من مسؤولين في العراق، وبخاصة الذين تربطهم علاقة وثيقة بطهران.

وفي وقت قصير انتشر في العراق جو من الغضب ضد تركيا.

كانت قرية بيريج، حيث وقع الهجوم، منتجعاً لقضاء العطلات يفضله العرب الشيعة من منطقة النجف والبصرة. وهي قرية قريبة من الجبال التي تُجري تركيا فيها حالياً عمليات مسلحة ضد عناصر "حزب العمال الكردستاني"، ومع ذلك، لم تكن المنطقة التي تعرضت للقصف تضم عناصر من حزب العمال الكردستاني.

وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية التركية دانت الهجوم وأعربت عن حزنها تجاه الحادثة، إلا أنه يبدو أن هذه القضية لن تُغلق بسهولة حتى يتم توضيح جميع حيثيات هذا الهجوم.

في العادة، لن يكون من المرجح أن تقصف تركيا مناطق سياحية في العراق، لأن ذلك الوضع لن يفيد أنقرة أبداً.

لذلك، أعاد هذا الهجوم إلى الأذهان السؤال الذي يُثار بعد كل حادثة مماثلة: "مَن المستفيد من ذلك؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على الرغم من أن هناك مَن يحاول ربط الهجوم في العراق بحزب العمال الكردستاني، إلا أنه مستبعَد، خصوصاً أن القوات المسلحة التركية لديها 38 قاعدة عسكرية في هذه المنطقة الواقعة في شمال العراق. وأيضاً من غير المرجح أن يُقْدِم حزب العمال الكردستاني على مثل هذا الفعل، لأنهم يملكون صواريخ ولكن ليس لديهم مدافع.

من جانبها، قامت المجموعات التي لها علاقات وثيقة مع طهران بدعاية جادة في أعقاب هذا الهجوم.

ونظراً إلى الجانب الإنساني للحدث، لم يكن من الصعب خلق جو عاطفي ومزاج سلبي تجاه تركيا في كل أنحاء العراق.

وفي هذا السياق أود أن أتطرق إلى صراع من الماضي من دون الخوض في الكثير من نظرية المؤامرة.

لطالما كانت طهران غير مرتاحة للغاية بسبب أن تركيا لديها عدد كبير من القواعد العسكرية في تلك المنطقة. كما أن الجماعات المرتبطة بإيران كانت هي أيضاً تبحث دائماً عن فرصة لإظهار انزعاجها.

وعلى الرغم من أنه لم يتم الكشف عن ملابسات الحادث وتفاصيله في الوقت الحالي، فمن الواضح أن حكومة طهران هي المستفيد الأكبر من الهجوم.
وبالفعل يقود عناصر "الحشد الشعبي" والجماعات المرتبطة بها، دعاية مناهضة لتركيا من خلال تسليط الضوء على البعد الإنساني للحادث.

ولكن مما يثير الاستغراب أن هذه المنظمات التي أصبحت تدعو إلى الإنسانية، كانت بالأمس تقوم بمداهمات في قرى في كل من سوريا والعراق وتذبح الأبرياء.

وبعد ثلاثة أيام من حادثة القصف في دهوك، تعرضت قاعدة عسكرية تركية في شمال العراق لهجوم، تبنته جماعة عراقية مدعومة من إيران، وأعلنت أنها ستستمر في الهجوم إذا لم تنسحب تركيا من العراق.

وبطبيعة الحال، أدى القصف في دهوك إلى أزمة جديدة على خط أنقرة - بغداد.

وكانت هناك في العراق جماعات تتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا أو بالأحرى موالية لها، ولكنها لم تستطع أن تدافع عنها بسبب هذا الحادث الأخير الذي أثار الرأي العام العراقي ضدها.

أما بالنسبة إلى الجهة الفاعلة أو المدبرة، فإنني عندما أشاهد تحركات جماعات موالية لإيران ومبادراتها، فإني لا أستبعد أن يكون لهم دور مباشر أو غير مباشر في الحادث.

كما يصعب التنبؤ بمستقبل التوازن بين الدول المحيطة بالعراق وأميركا من حيث التأثير في الساحة العراقية.

وهناك ملفات أخرى كانت عالقة من حيث العلاقات التركية - العراقية، مثل الصراع على الطاقة والنفوذ على كركوك والموصل، وتم تجميدها في عهد أردوغان، ربما تطل برأسها بعد هذا الحادث.

وعلى أي حال، سواء انطلقت نيران المدفعية منهم أو من الدوائر المنفذة للعملية في تركيا، فإني أعتقد أن لهذه الصراعات تأثير في ذلك.

ثم ألقت الرئاسة العراقية ورئاسة الوزراء ووزارة الخارجية وحكومة إقليم كردستان، باللائمة علانيةً على تركيا وطالبت بإدانتها.

وعقد المجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي اجتماعاً طارئاً اتخذ فيه جملة قرارات، منها:

- استدعاء السفير التركي ومطالبة تركيا بتقديم اعتذار رسمي، وسحب قواتها العسكرية من كل الأراضي العراقية.

-  تقديم شكوى عاجلة بهذا الشأن إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.

- استقدام القائم بالأعمال العراقي من أنقرة؛ لغرض المشاورة ووقف إجراءات إرسال سفير جديد إلى تركيا.

-  توجيه قيادة العمليات المشتركة بتقديم تقرير بشأن الحالة على الحدود العراقية - التركية، واتخاذ كل الخطوات اللازمة للدفاع عن النفس.

يبدو من الصعب للغاية جلاء الحقائق في هذه المسألة من دون تحقيق تتبناه الأمم المتحدة، لأنه من المفهوم أنه لا توجد أدلة ومعلومات واضحة من الجانبَين.

في السنوات العشر الماضية، كان أردوغان هو من قام بحماية فريق من "عشاق الخميني" في كل من الحزب ومناصب الدولة ومنحهم الرتبة والهيبة، بما في ذلك الوزارات ووكالة الوزارة.

الآن دعونا لننتظر كيف سيحل هذه المشكلة التي حاكها بنفسه.

وفي ذلك يقول المثل العربي: يداك أَوْكَتا وفوك نفخ!

المزيد من تحلیل