بعد أكثر من عام من المفاوضات المتعثرة في شأن العودة للاتفاق النووي، وبينما تحدثت تقارير عدة منذ مطلع العام الحالي عن قرب الانتهاء من إتمام التوصل إلى اتفاق جديد، فاجأت طهران مفاوضيها الدوليين مطلع الشهر الحالي بطلبات جديدة لم يفصح عنها لوسائل الإعلام، مما يعني استمرار المماطلة التي اتخذتها إيران نهجاً لها طوال نحو 14 شهراً من المحادثات غير المباشرة التي استضافتها العاصمة النمسوية فيينا، بوساطة الأطراف الدولية الموقعة على الاتفاق النووي في يوليو (تموز) 2015.
ويسود الغموض المطالب الإيرانية الجديدة، غير أن نيكولاس دي ريفييرا مبعوث فرنسا لدى الأمم المتحدة، قال خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في شأن خطة العمل الشاملة المشتركة مطلع الشهر "نحن نتفهم أن إيران لم تقبل العرض المطروح على الطاولة وحسب، بل إنها أضافت أيضاً مزيد من القضايا التي تقع خارج خطة العمل الشاملة المشتركة، مع مطالب متطرفة وغير واقعية".
تكتم حول المطالب الجديدة
وفي اتصال لـ "اندبندنت عربية" مع الخارجية الأميركية في واشنطن، رفض المكتب الصحافي تقديم تفاصيل في شأن الطلبات الإيرانية، مكتفياً بإرسال تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيك برايس خلال إفادة صحافية في الخامس من يوليو الحالي، قائلاً إنه في الأسابيع الأخيرة الماضية وبدلاً من الالتزام السياسي بالعودة للامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، قدمت إيران باستمرار مطالب تقع خارج نطاق المفاوضات أو قضايا تتجاوز حدود الاتفاق النووي، الذي يدور حول شيء واحد وهو برنامج إيران النووي.
وأضاف أن "تقديم أي شيء يتجاوز الحدود الضيقة لخطة العمل الشاملة المشتركة يشير إلى الافتقار إلى الجدية والالتزام".
وبينما كانت الأطراف المشاركة في المفاوضات على وشك إتمام اتفاق نووي في مارس (آذار) الماضي، تعثرت المحادثات جزئياً بسبب إصرار إيراني على حذف "الحرس الثوري الإسلامي" من قائمة المنظمات الإرهابية لدى الخارجية الأميركية، وهو المطلب الذي يتفق الديمقراطيون والجمهوريون في الولايات المتحدة على رفضه.
وليس خفياً أن إيران سعت خلال العام الماضي إلى تسريع تطوير برنامجها النووي، واستطاعت خلال العام الماضي اكتساب معرفة نووية أكبر واتخاذ مزيد من الخطوات التي تنتهك اتفاق عام 2015 بشكل واسع، فأعلنت أنها بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة أي أعلى بكثير من عتبة 3.67 في المئة المنصوص عليها في الاتفاق الدولي مقتربة من نسبة 90 في المئة الضرورية لصنع قنبلة ذرية، على الرغم من نفيها أن تكون لديها نية بذلك، ومن ثم فإن طرح مطالب جديدة "ليست ذي صلة بالبرنامج النووي" على طاولة المفاوضات يعني أنها ترغب فقط في استغلال مزيد من الوقت لفرض "الأمر الواقع".
وفي مقابلة نشرت الجمعة، الـ 22 من يوليو، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي لصحيفة "إلباييس" الإسبانية، إن برنامج إيران النووي يتقدم بسرعة، وإن رصد الوكالة لما يجري هناك محدود للغاية.
المنشقون والأنشطة الإقليمية
تظل المطالب غامضة وإن بدت النيات الإيرانية واضحة، وما يزيدها غموضاً هو ذلك التكتم الغربي وحتى الإيراني في شأن نوع هذه المطالب الجديدة.
"اندبندنت عربية" تحدثت مع عدد من الباحثين المتخصصين في الشأن الإيراني الذين اتفقوا على أن طهران تجد فائدة أكبر في تلك المماطلة من توقيع اتفاق يلزمها بشروط محددة، ويقول الباحث المتخصص في الشأن الإيراني لدى جامعة مونتريال في كندا وحيد يوجسوي، إن هناك كثيراً من التكهنات حول طبيعة المطالب الجديدة التي قدمتها إيران وقيل إن لا علاقة لها بالاتفاق النووي، وأسهمت في عرقلة التوصل إلى اتفاق جديد، إذ يمكن أن تتراوح من مغامرات (أنشطة) إيران الإقليمية إلى إجراءات تستهدف المنشقين الذين يعيشون في الخارج. ويضيف أنها إذا كانت مرتبطة بالمسألة النووية فيمكن أن تهدف إلى منح إيران قدرة تخصيب مستقلة أكثر مما نصت عليه سابقاً خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 كأمر واقع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تجارة النفط
ومن منطلق سياسة الأمر الواقع قال مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى روبرت ساتلوف، إنه من المؤكد أن إيران ليست على عجلة من أمرها لإبرام اتفاق، وهو ما يبدو أنه يصب في مصلحتها، مما يعني أن لديها منافعاً خفية في الوضع الحالي تفوق المنافع الظاهرة التي ستتحصل عليها من توقيع اتفاق، واحد من تلك المنافع هو التقدم في البرنامج النووي الذي حققه الإيرانيون ويواصلون العمل عليه.
ويشير ساتلوف إلى منفعة خاصة لـ "الحرس الثوري الإيراني" من الوضع الحالي، إذ يستفيد مالياً وبشكل مباشر من التجارة السرية للنفط، والتي سيخسرها إذا أصبحت مبيعات النفط الإيراني مشروعة وتحت سيطرة الدولة العلنية، بموجب الاتفاق النووي الجديد، ويضيف أن إيران لا تريد أو تحتاج إلى اتفاق جديد.
وبسبب التوقعات الاقتصادية القاتمة الحالية في إيران والتي أسهمت فيها العقوبات، فإن قادة إيران يريدون بالتأكيد إنهاء هذا الجمود، لا سيما أن البلاد كانت مسرحاً للعديد من التظاهرات المناهضة للنظام، والتي كانت سوء الأوضاع الاقتصادية جزءاً أساساً منها.
ومع ذلك يريد قادة إيران أيضاً ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تترك الاتفاق من جانب واحد، وتفرض عقوبات قاسية عليها مجدداً مثلما فعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي انسحب من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، وفرض ما يسمى بحملة العقوبات القصوى ضد طهران، وهو ما يستخدمه القادة الإيرانيون كذريعة لخرق بنود الاتفاق الدولي الذي شاركت فيه خمس قوى دولية جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة. والأسبوع الماضي قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إن طهران تطالب بالحصول على ضمانات اقتصادية من الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي لئلا "تلدغ من جحر واحد مرتين".
الصراع الروسي - الغربي
بيد أن الأمر يرتبط بشكل وثيق بالصراع الروسي - الغربي، فكل من روسيا وإيران تجدان مصلحة مشتركة في الضغط على الغرب وإغراقه في قضايا عدة، والأسبوع الماضي زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طهران لتعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري والتجاري، وهي الزيارة التي جاءت بعد نحو أسبوع من إعلان البيت الأبيض أن الإيرانيين يستعدون لبيع مسيّرات عسكرية لموسكو لاستخدامها في أوكرانيا.
وتاريخياً يقول يوجسوي إن الحكومة الدينية في إيران سعت إلى الاستثمار في بقائها، وللقيام بذلك كانت بارعة في الاستفادة من الفرص الناشئة، وإحدى هذه الفرص هي الصراع بين روسيا وأوكرانيا، إذ تدرك طهران أن احتياطات النفط الإيرانية إلى جانب احتياطات فنزويلا لا غنى عنها الآن للمساعدة في خفض الانفجار الحالي في أسعار الطاقة. ويضيف، "إنها تريد ضرب عصفورين بحجر واحد، إلزام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بقبول شروطها وزيادة عائداتها النفطية بشكل كبير، بمجرد توقيع الاتفاق النووي".