مع زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط ولقاءاته مع قادة المنطقة خلال زيارته إلى السعودية، يظل برنامج إيران النووي هو أحد الموضوعات الرئيسة المطروحة للنقاش والتي تعهد بايدن بأن واشنطن لن تسمح لطهران بإنتاج سلاح نووي، لكن إيران كما هو معروف تنتج يورانيوم من الدرجة التي يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية وهو الجزء الأكثر تحدياً، فما الذي يعنيه تخصيب اليورانيوم، وأين تقف إيران الآن؟ وكيف ستتصرف مع قدرتها التقنية حالياً لتخصيب اليورانيوم لمستويات أعلى، وما الرد الأميركي المتوقع إن تجرأت على ذلك؟
حقيقة ساطعة
مع وصول الرئيس بايدن إلى جدة، تواجه إدارته حقيقة بسيطة ساطعة، وهي أن الولايات المتحدة لا تستطيع ضمان أمنها الاقتصادي والوطني بالنجاح نفسه من دون وقوف السعودية حليفاً رئيساً لها، وبحسب جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة "سكوكروفت" لأمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي في واشنطن، ستبقى السعودية في مركز مجموعة متنوعة من المصالح الحيوية للولايات المتحدة، بما في ذلك الأمن البحري في البحر الأحمر والخليج العربي، ومكافحة الإرهاب، والتصدي لتهديدات إيران ووكلائها الإقليميين.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تعتمد على نفط الشرق الأوسط، فمن شبه المؤكد أن بعض حلفائها الأوروبيين وفي شرق آسيا، سيعتمدون على السعودية أكثر عندما يبتعدون عن روسيا في السنوات المقبلة، ولهذا السبب، فإن إعادة تأسيس علاقة عمل فعالة بين الرياض وواشنطن هي أولوية قصوى لبايدن، بخاصة أن الملف النووي الإيراني وعلاقة إيران مع الصين التي تعد المنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة، يتشابكان مع أهداف بايدن في رحلته التي يراهن كثيراً على نجاحها.
مواجهة إيران
ووفقاً لبانيكوف الذي شغل أيضاً منصباً بارزاً في الاستخبارات الوطنية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، تدرك الرياض أنه بينما تعد الصين أكبر مستورد للنفط السعودي فهي أيضاً أكبر مستورد للنفط من إيران، وطالما أن السعودية تعتبر إيران تهديداً، وتعلم أن الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عنها بطريقة لم تثبت الصين أنها ستفعلها، تأمل واشنطن في تعديل ملامح علاقتها مع الرياض وإعادة بنائها بطريقة أكثر استقراراً بما يساعد على تحقيق مصالح البلدين الحليفين، ويحقق أهداف الولايات المتحدة وهي تواجه كلاً من إيران والصين.
ويتطلب ذلك، حسب بانيكوف، أن يقدم بايدن للسعودية ضمانات أمنية جديدة في حال مواجهة السعودية هجوماً من إيران أو وكلائها في المنطقة، وأن يتعهد بعدم إزالة أي بطاريات صواريخ باتريوت خلال السنوات الثلاث المقبلة في الأقل، كما ينبغي على بايدن النظر في إدراج الحوثيين في اليمن منظمة إرهابية أجنبية إذا هاجموا السعودية، مرة أخرى.
أكبر تحدٍّ
وعلى الرغم من أن الرياض لم تشعر بالارتياح من إصرار إدارة بايدن على إعادة التفاوض مع إيران بهدف استعادة اتفاق 2015 النووي، يبدو تعليق المفاوضات وتعنت إيران باستمرار تخصيب اليورانيوم هما أكبر تحديين يواجههما بايدن خلال زيارته الحالية، ويتمثل الجزء الأكثر تحدياً لإنتاج أسلحة نووية في تصنيع المواد التي تغذيها، إذ من المعروف أن إيران أنتجت يورانيوم من الدرجة التي يمكن استخدامها في صنع أسلحة نووية، وزادت مستويات تخصيبه، خلال الأشهر الماضية، ما يجعلها على مسافة أسابيع من "حد الاختراق" الذي يجعلها قادرة على تخصيب يورانيوم يكفي لإنتاج سلاح نووي، حسب ما يقول غاري سامور، الأستاذ في جامعة "برانديز"، الذي عمل في مجال الحد من الأسلحة النووية ومنع انتشارها في الحكومة الأميركية لأكثر من 20 عاماً.
ماذا يعني تخصيب اليورانيوم؟
وفقاً لخبراء الحد من التسلح ومنهم سامور، يحتوي اليورانيوم الطبيعي على نظيرين تتساوى ذراتهما في عدد البروتونات نفسها، لكنها تشمل أعداداً مختلفة من النيوترونات التي تشكل في اليورانيوم-238 نحو 99.3 في المئة، في حين تشكل 0.7 في المئة فقط في اليورانيوم 235 الذي يستخدم في توليد الطاقة النووية للأغراض السلمية، أو في التفجيرات النووية للأغراض العسكرية.
ولهذا، فإن المقصود بالتخصيب هو عملية فصل وزيادة تركيز اليورانيوم-235 إلى مستويات أعلى من اليورانيوم الطبيعي، حيث تُستخدم المستويات المنخفضة من اليورانيوم-235 المخصب بنسبة خمسة في المئة في وقود المفاعلات النووية، بينما تُستخدم المستويات الأعلى من التخصيب، التي تصل إلى 90 في المئة من اليورانيوم-235، في إنتاج الأسلحة النووية.
لماذا تعتبر مستويات التخصيب الأعلى مهمة؟
كلما ارتفع مستوى التخصيب قلت كمية المواد النووية اللازمة لإنتاج سلاح نووي، وتحدد الوكالة الدولية للطاقة الذرية 25 كيلوغراماً (55 رطلاً) من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة على أنها "كمية كبيرة" تكفي لصنع سلاح نووي بسيط، ولكن يمكن أيضاً استخدام كميات أكبر من اليورانيوم المنخفض التخصيب لتحقيق الهدف نفسه وهو إنتاج سلاح نووي، فعلى سبيل المثال، استخدمت القنبلة الذرية "ليتل بوي" التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما باليابان عام 1945 نحو 64 كيلوغراماً من اليورانيوم (141 رطلاً) مخصباً بمعدل 80 في المئة من اليورانيوم-235.
وفي تصميم الأسلحة النووية فإن الكميات الأصغر من المواد النووية عالية التخصيب تصبح مرغوبة أكثر، لأن ذلك يقلل من حجم ووزن السلاح النووي ويجعل توصيله أسهل، ونتيجة لذلك، فإن الأسلحة النووية الحديثة القائمة على اليورانيوم تستخدم عادة اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة إلى 93 في المئة من اليورانيوم-235.
ما الذي حققته إيران قبل الاتفاق النووي لعام 2015؟
وضع الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والولايات المتحدة والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا وألمانيا بعض القيود على برنامج إيران النووي، مقابل تخفيف عدد من العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران، فعندما تم تبني الصفقة، كانت إيران قد أتقنت التكنولوجيا الأساسية لتخصيب اليورانيوم بأجهزة الطرد المركزي الغازية، وهي أسطوانات تدور اليورانيوم في شكل غاز بسرعات عالية جداً لفصل نظير اليورانيوم-238 الأثقل عن نظير اليورانيوم-235 الأخف.
في ذلك الوقت، كانت إيران تشغل في منشأتي التخصيب الرئيستين، نطنز وفوردو، نحو 18000 جهاز طرد مركزي من الجيل الأول (آي آر 1) ونحو 1000 جهاز طرد مركزي من الجيل الثاني (آي آر 2)، كما تراكم لديها مخزون يقارب 7000 كيلوغرام (نحو 15430 رطلاً) من اليورانيوم منخفض التخصيب (أقل من خمسة في المئة)، ونحو 200 كيلوغرام (440 رطلاً) من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبناء على هذه القدرات، قُدر أن "وقت الاختراق" الإيراني كان شهراً أو شهرين لإنتاج نحو 25 كيلوغراماً (55 رطلاً) من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة، وهو ما يكفي لسلاح نووي واحد.
قيود الاتفاق النووي
كما وضع الاتفاق النووي لعام 2015 قيوداً مادية على برنامج التخصيب الإيراني تتراوح مدتها بين 10 و15 عاماً، بما في ذلك عدد وأنواع أجهزة الطرد المركزي التي يمكن لإيران تشغيلها، وحجم مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب ومستوى التخصيب الأقصى، وحدد الاتفاق عدم تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو لمدة 15 عاماً، وأن يقتصر مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب على 300 كيلوغرام (660 رطلاً) بحد أقصى للتخصيب يبلغ 3.67 في المئة، وحدد الاتفاق أنه لمدة 10 سنوات، لا يزيد عدد أجهزة الطرد المركزي على 6000 جهاز من الجيل الأول (آي آر 1) في نطنز.
ومن أجل تلبية هذه الحدود، شحنت إيران إلى روسيا معظم مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، ومخزونها بالكامل من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، كما تم تفكيك معظم أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول (آي آر 1) للتخزين داخل إيران، وجميع أجهزة الطرد المركزي من الجيل الثاني (آي آر 2) الأكثر تقدماً، ونتيجة لهذه القيود، تم تمديد "وقت الاختراق" الإيراني من شهر أو شهرين قبل الاتفاق إلى نحو عام بعد الاتفاق.
أخطاء الاتفاق
ومع ذلك، نص الاتفاق على أنه بعد العام العاشر، يسمح لإيران بالبدء في استبدال أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول (آي آر 1) في نطنز بنماذج أكثر تقدماً، من أجل مواصلة البحث والتطوير خلال العقد الأول من الصفقة، ونظراً إلى أن تركيب أجهزة الطرد المركزي الأكثر قوة، كان من المحتمل أن تقلص وقت الاختراق الإيراني، إلى نحو بضعة أشهر بحلول العام الـ15 من الصفقة، وكجزء من الاتفاق، وافقت إيران على تعزيز عمليات التفتيش والمراقبة الدولية لمنشآتها النووية.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، تجاوزت إيران تدريجاً حدود الاتفاقية، وزادت مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة خمسة في المئة، كما استأنفت التخصيب بنسبة 20 في المئة من اليورانيوم، كما بدأت في التخصيب بنسبة 60 في المئة من اليورانيوم، واستأنفت التخصيب في فوردو، وتصنيع وتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة في كل من المنشأتين النوويتين، فضلاً عن تقييد المراقبة الدولية لمنشآتها النووية.
واعتباراً من مايو (أيار) 2022، قدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لديها نحو 1000 كيلوغرام (2200 رطل) من اليورانيوم المخصب بنسبة خمسة في المئة، ونحو 240 كيلوغراماً (530 رطلاً) من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة و40 كيلوغراماً (88 رطلاً) من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة.
التحدي ورد الفعل
ونتيجة لهذا المخزون المتزايد من اليورانيوم المخصب واستخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، تم تقليل وقت الاختراق المقدر لإيران إلى بضعة أسابيع، لكن إيران لم تقرر حتى الآن البدء في إنتاج اليورانيوم المخصب المستخدم في صنع الأسلحة أي بنسبة 90 في المئة، على الرغم من أنها قادرة تقنياً على ذلك.
ويرجح خبراء الحد من التسلح أن تتصرف إيران بحذر لأن قادتها قلقون من أن إنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة من شأنه أن يؤدي إلى رد فعل دولي قوي، قد يتدرج من عقوبات اقتصادية إضافية أكثر صرامة إلى هجوم عسكري.
ولم تخفِ الولايات المتحدة مراراً عزمها على منع إيران من امتلاك سلاح نووي، كما أعلن الرئيس بايدن خلال زيارته إسرائيل أن إدارته تركت لتل أبيب حرية التصرف إذا كان هناك ما يضر بأمنها.