Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اتفاق تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا لا يكفي لوقف تفاقم أزمة الغذاء

برنامج الأغذية العالمي يتوقع أن ترمي تداعيات الحرب نحو 47 مليون شخص في براثن الجوع

تتخطى كارثة الغذاء العالمية تلك العشرين مليون طن من الحبوب العالقة في أوكرانيا  (رويترز)

صُوّر الاتفاق على أنه الحلّ الخارق لأزمة الجوع العالمية الوشيكة، والنزاعات أو حتى الهجرة الجماعية التي يُخشى أن تنتج منها. ولكن بعد أقل من 24 ساعة من التوقيع على الاتفاق الذي أبرم بوساطة تركية من أجل فتح الموانئ الأوكرانية المحاصرة على البحر الأسود، قالت أوكرانيا إن روسيا أغارت على  أوديسا مجدداً.

يُعدّ مرفأ البحر الأسود أكبر وأهم موانئ البلاد، وكان محط تركيز الاتفاق من أجل إعادة تنشيط صادرات الحبوب العالقة في أوكرانيا، في خطوة من شأنها المساهمة في كبح جماح أسعار السلع الغذائية التي ترتفع بوتيرة جنونية حول العالم. وتنصّ بنود الاتفاق على إنشاء مركز للتنسيق المشترك يعمل فيه موظفون من كافة الأطراف المعنية، ويراقب السفن التي تعبر البحر الأسود نحو مضيق بوسفور التركي باتجاه الأسواق العالمية. وافقت كافة الأطراف المعنية يوم الجمعة على عدم شنّ هجمات على هذه المنشآت.

بالتالي، يطرح قصف أوديسا بعد ذلك بيوم واحد أسئلة استفهام كبيرة على الاتفاق برمته ويمحي أدنى أثر للثقة من الجانب الأوكراني.

قالت كييف إن الصواريخ انطلقت من السفن الحربية الروسية التي ترسو على مقربة من شبه جزيرة القرم وإنها "صفعة على وجه" الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس التركي اللذين أسهما في التوصل إلى اتفاق. أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فاعتبر الحركة "همجية" صرفاً.

دانت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا الهجمات. فيما قال وزير الدفاع التركي إن مسؤولين روساً أخبروا أنقرة بأن موسكو "ليس لها يد" في الهجمات. إلى الآن، يلتزم الكرملين الصمت علناً بشأن القصف. ولكن هذا يظهر بشكل لا لبس فيه أنّه لا يمكن حلّ هذه القضية بمجرد اتفاق حول التصدير.

لا شكّ في أن عدم قدرة أوكرانيا على تصدير الحبوب - والمشكلات المحيطة بالتصدير من روسيا في ظل العقوبات - شكّلت ضربة قوية للعالم. قبل الحرب التي شنّها بوتين، كانت أوكرانيا تصدّر ما يصل إلى ست ملايين طن من الحبوب والزيوت النباتية شهرياً باعتبارها أحد أهم الموردين العالميين للغرب.

وفي الواقع، يؤمّن هذا البلد القوت لنحو 400 مليون نسمة حول العالم. ولكن منذ فبراير (شباط)، لم يسعه تصدير إلّا ما مجموعه 3 ملايين طن. 

كما تعدّ روسيا وأوكرانيا مورّدين عالميين رئيسيين للقمح، وقد أحكمت الحرب الخناق على سلاسل الإمداد، فأسهمت في رفع أسعار سلع مثل القمح بنسبة 60 في المئة. وبحسب توقعات برنامج الأغذية العالمي، سوف يرمي الوضع الحالي نحو 47 مليون شخص في براثن "الجوع الشديد". وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن الحرب في أوكرانيا تهدد بخلق "موجة غير مسبوقة من الجوع والعوز، تترك وراءها فوضى اجتماعية واقتصادية".

نظراً لأن إهراءات الحبوب إما تعرضت للقصف أو أصبحت على الخطوط القتالية الأمامية أو ضمن الأراضي المحتلة، لم يكن لدى أوكرانيا القدرة على الاستمرار بتخزين عشرات ملايين الأطنان من الحبوب العالقة في البلاد. لم يكن بإمكانها بيع حصاد العام الماضي أو نقله، ولا تخزين حصاد هذا العام، مما يسفر عن أزمة اقتصادية تعني بأنه لا يمكن حتى غرس البذار لحصاد العام المقبل. بالتالي، سيسمح الاتفاق تقنياً بالتصدير، فيخفف الأزمة. 

لكن فيما يتنفس العالم الصعداء، ليس هذا هو الحل. فالسبب الرئيسي للأزمة - أي غزو روسيا لأوكرانيا - لم يُحلّ بعد.

قضيت الأسابيع الثلاثة الماضية أذرع الأراضي الأوكرانية التي تنهشها الحرب جيئة وذهاباً، وأتحدث مع المزارعين تحت وابل القصف والصواريخ، ومع المسؤولين الزراعيين، وتجار الحبوب، والشركات الزراعية القابضة ورؤساء النقابات العمّالية في دونباس وخاركيف ودنيبرو وكييف. ورسالتهم الرئيسية التي أرادوا إيصالها هي أنه إلى حين انتهاء الحرب، وإعادة كل الموانئ الأوكرانية إلى سيطرة كييف، وتنظيفها من الألغام، وإلى حين خروج البحر الأسود من قبضة موسكو كلياً، وإعادة الأراضي إلى أصحابها، وإصلاح البنية التحتية وإزالة كل الذخائر غير المنفجرة من الحقول - لا وجود لحلّ حقيقي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حين سألته عن الاتفاق، قال ماركيان دميتراسفيتش، نائب وزير الزراعة الأوكراني، "الحل الأنجع والأوحد هو إلحاق الهزيمة بروسيا، ثم تنظيف الموانئ من الألغام. وإلى أن يتحقق هذا الأمر، هذه مشكلة عالمية".

وفي تنبّؤ صائب ومخيف نوعاً ما قبل التوقيع على الاتفاق، قال لي هريهوري نمريا، النائب السابق لرئيس الوزراء الذي يشغل الآن منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوكراني، إن الأوكرانيين يخشون "احتمال استخدام روسيا هذه المحادثات ليس للمماطلة فحسب (وإعادة تنظيم صفوفها) بل، مثلاً، لشنّ هجوم على أوديسا".

وقال لي في كييف الأسبوع الماضي "إن المخاوف كبيرة والثقة ضعيفة". وأضاف السيد نمريا إنّ مواصلة موسكو قصف مواقع مخازن الحبوب في كل أرجاء البلاد، وسرقة الحبوب وتهريبها بطريقة غير شرعية لدول ثالثة، يعني بأن مصداقية أي اتفاق بشأن البحر الأسود تقوّضت بشكل هائل.

وأضاف "يقلقني أن يكون هذا حلاً مؤقتاً ستستغلّه روسيا من أجل الحصول على أفضلية، مثل تقييد دفاع أوكرانيا عن سواحل البلاد أو تفتيش السفن لمنع تجميع الأسلحة"، لافتاً إلى أن " روسيا تستغل أزمة الغذاء والخطر الناجم عنها لصالحها".

لكن انعدام الثقة ليس المشكلة الوحيدة. فيما تشكّل صادرات الحبوب جزءاً أساسياً من مشكلة الحبوب في أوكرانيا، يعتبر القتال الدائر عاملاً كبيراً جداً فيها كذلك.

قال لي من التقيتهم من مزارعين وشركات زراعية إنهم لا يعرفون كيف سيتمكّنون من الحصاد أو الزراعة فيما أراضيهم واقعة في الجبهة الأمامية أو داخل الأراضي المحتلة، ومعداتهم إما تعرضت للقصف أو التلغيم أو السرقة ومخازن الحبوب التي يملكونها أصيبت بصواريخ وأُحرقت، في الوقت الذي ارتفعت فيه كلفة سلع مثل السماد خمسة أضعاف في الحرب. صحيح أن سعر القمح انخفض إلى أكثر من النصف داخلياً، ولكن كلفة إنتاجه ازدادت ثلاثة أضعاف - وهذه مشكلات لن يحلّها بالكامل تسهيل التصدير.

في دونباس، قُصف الحقل المجاور لنا بينما كنا نجري مقابلة مع مزارع. وفي دنيبرو، أُسقط صاروخ فوق رؤوسنا بينما كان المزارعون يحصدون في الخلف، فبرزت فعلاً الكوابيس اللوجستية الحقيقية التي يعانون منها.

إنما على الأقلّ، كان هؤلاء المزارعون قادرين على الوصول إلى أراضيهم. في كييف، تكلمت مع رئيس شركة هارف إيست HarvEast وهي من أكبر الشركات الزراعية القابضة في أوكرانيا، الذي أخبرني بأن 70 في المئة من أراضي الشركة (90 ألف هكتار) (900 كلم مربع)، أصبحت الآن إما ضمن الأراضي المحتلّة أو على جبهة القتال. ولا تعرف الشركة مكان وجود أكثر من ألف موظف لديها - إذ تعيش غالبيتهم الآن في مناطق محتلة مثل ماريوبول. ولا يعرفون أبداً كيف يستعيدون أراضيهم أو معداتهم أو بذارهم أو مخازن حبوبهم. ولذلك فإن فتح مرفأ أوديسا أمام حركة التصدير أمر لا معنى له بالنسبة إليهم.

وفي الواقع، أخبرني السيد دميتراسيفيتش أنّ ربع الأراضي الزراعية الأوكرانية إما لم يعد بالإمكان الوصول إليها الآن أو لم يعد بالإمكان استخدامها لأنها واقعة تحت احتلال القوات المدعومة من روسيا أو ملغّمة أو واقعة قرب الخطوط الأمامية العديدة.

وقال إنه في هذه الأثناء، كلّفت الأضرار المباشرة التي تلقاها قطاع الزراعة - مثل دمار الآليات والإهراءات وتلغيم الحقول - البلاد مبلغ 4.5 مليار دولار (3.8 مليار جنيه استرليني). أما الأضرار غير المباشرة، مثل تراجع الإنتاج، وتعطيل اللوجستيات وانخفاض أسعار التصدير، فقد تصل كلفتها إلى 20 مليار دولار (16.9 مليار جنيه).  

ربما تخفف القدرة على نقل الحبوب عبر أوديسا بعض هذه الأعباء، ولكنها لن تغطي في النهاية كل الأضرار التي تكبدها قطاع الزراعة، ولن تعيد الأراضي الأوكرانية إلى أصحابها، ولن تصلح المعدات. 

ولهذا السبب، حذّرت المنظمة الإنسانية ميرسي كوربس (فيلق الرحمة) من أنه فيما يُرحب بإنهاء الحصار "فهذا لن ينهي أو يغيّر بشكل فعلي مسار التدهور في أزمة الغذاء العالمية". كما أنّ المشكلة تتخطى حدود أوكرانيا وروسيا. ولذا قالت الرئيسة التنفيذية لميرسي كوربس، تيادا دوين ماكينا، يوم الجمعة "لن يعكس رفع الحصار عن موانئ أوكرانيا مسار الضرر الذي ألحقته الحرب بالمحاصيل والأراضي الزراعية وطرق العبور الزراعية في البلاد".  

وأضافت "ولن يغيّر بشكل كبير سعر أو توافر الوقود أو الأسمدة وغيرها من السلع الأساسية التي أصبحت بعيدة من متناول كثيرين ولا سيما من مواطني الدول ذات الدخل المنخفض؛ ولا شكّ في أنه لن يساعد الغالبية العظمى من الـ50 مليون نسمة التي توشك على الوقوع في براثن المجاعة حول العالم، على درء خطر الجوع".

وتكلمت ماكينا على هذا النحو لأن كارثة الغذاء العالمية تتخطى بكثير العشرين مليون طن من الحبوب العالقة في أوكرانيا. وقد أشارت إلى ارتفاع أسعار الوقود (التي تسببت بها الحرب جزئياً) وما ينتج منها من ارتفاع في كلفة السلع الأساسية في كل دولة من الدول التي تعمل فيها ميرسي كوربس تقريباً.

في بعض مناطق الصومال، حيث وصل مئات آلاف الأشخاص إلى حافة المجاعة، قالت إن المنظمة الدولية شهدت ارتفاع أسعار زيت الطهي والحبوب والأرز والسكر والطحين إلى الضعف تقريباً منذ بداية الصراع في أوكرانيا، فيما ازدادت أسعار الأسمدة بنسبة 75 في المئة. وفي شمال غربي سوريا، ارتفعت أسعار السلع الغذائية بنحو 70 في المئة. ومن ناحية أخرى، تعاني أنظمة الغذاء العالمية بسبب التدهور الاقتصادي الذي حصل بعد كوفيد وبسبب آثار أزمة المناخ. 

باختصار، يجب القيام بتحرّك أكبر من اتفاق تصدير حبوب تقوّضه روسيا عبر مواصلتها قصف موانئ أوكرانيا ومنشآتها الزراعية، واستمرارها باحتلال ربع الأراضي الزراعية الأوكرانية وعبر استمرارها - وفق تقارير متعددة - بسرقة وبيع الحبوب الأوكرانية.

يشكّل ضمان القدرة على تصدير الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البلاد الخطوة الأولى ضمن خطة يحتاجها العالم بشكل طارئ لإيقاف تدهور وضع الجوع العالمي- ولكنه ليس الحل.

نُشر في "اندبندنت" بتاريخ 24 يوليو 2022

© The Independent

المزيد من آراء