Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حياة سيف الإسلام القذافي قبل الاعتقال: سنوات اللهو والسياسة

رسائل بريد إلكتروني تلقي الضوء على حفلات صاخبة بين أوروغواي واليونان وصفقات سياسية في لندن ورحلة استجمام لصديقة نعومي كامبل

سيف الإسلام القذافي أثناء تقديم ترشحه لرئاسة ليبيا (أ.ف.ب)

في أواخر عام 2006 كان منتجع بونتا ديل إستي الساحر على سواحل أوروغواي على وشك استضافة "الحفل الأكثر روعة على الإطلاق" بحسب وصف منظم الحدث. عرض المنسق على عميله نظام صوت ودي جي وديكوراً وألعاباً نارية و"عارضات عاريات يجُبن حوض السباحة". وافق العميل، وهو وسيط وثيق الصلة بحكام ليبيا على كل ما سبق لكنه رفض الألعاب النارية.

دفع الوسيط للمنظم 34300 دولار، وطلب منه إيصال خروف مشوي كامل إلى الفيلا التي تقام فيها الحفلة كل يوم بين 30 ديسمبر (كانون الأول) من عام 2006 و6 يناير (كانون الثاني) 2007. كان بانتظار انضمام رفاقه الليبيين ورئيسه سيف الإسلام القذافي، الذي من المقرر أن يستقل الطائرة من جنوب أفريقيا.

كانت لدى سيف الإسلام أسباب للاحتفال. فهو الوريث البديهي لديكتاتورية والده معمر القذافي ووجهها المقبول المعروف على مستوى العالم. كان يقود مفاوضات مع بريطانيا في شأن قضية تفجير لوكربي. أطلق عليه المنتدى الاقتصادي العالمي لقب "قائد عالمي شاب". في أوقات فراغه، كان يدرس للحصول على درجة الدكتوراه في الفلسفة في كلية لندن للاقتصاد.

غياب وعودة

لكن الآن، ظهرت مجموعة بيانات متعلقة برسائل بريد إلكتروني ووثائق اطلعت عليها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية وموقع "تورتس ميديا"، تسلط الضوء على أنشطة الحاكم المحتمل لليبيا في وقت دخوله الحياة العامة، ما أدى إلى تقارب مع الحكومات الغربية. تقدم المراسلات بين سيف ورفاقه نظرة نادرة على داخل نظام القذافي خلال لحظة محورية في علاقة ليبيا ببريطانيا.

ستستمر الأمور بوتيرة حسنة لأربع سنوات أخرى قبل اندلاع الحرب الأهلية الليبية الأولى، مدفوعة بحكم والده الطويل. أعدم المتمردون معمر بوحشية، قبل القبض على سيف الإسلام الذي اختفى بعد ذلك عن الأنظار.

بعد عقد من الزمان خرج سيف الإسلام من الأسر في زنتان معقل المتمردين مرتدياً اللباس البربري التقليدي ليعلن أنه سيرشح نفسه لرئاسة البلاد. وقع أوراق ترشيحه بيد أصيبت في الغارات الجوية التي أطاحت نظام والده. وأدت الخلافات بين الفصائل المتناحرة إلى تأخير الانتخابات، ما أثار موجة من الاحتجاجات هذا الشهر. تبذل الأمم المتحدة جهودها من أجل الاتفاق على موعد جديد للاقتراع، ويبدو أن عديداً من الليبيين مستعدون لمنح سيف أصواتهم عند بدء السباق على الرئاسة.

بعد الصدمة التي أصيبوا بها بسبب الحرب الأهلية الممتدة لسنوات يتوق الليبيون إلى الاستقرار النسبي الذي عاشوه خلال سنوات حكم القذافي. كانت الرحلة طويلة، قال سيف الإسلام للصحافيين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عند إعلان حملته "عليك أن تعود ببطء شديد جداً... مثلما تخلع فتاة التعري ثيابها".

لكن هناك عقبات في طريق سيف الإسلام، إذ من المقرر أن يمثل أمام محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ما يثير تساؤلات حول ملاءمته للمنصب، كما أنه مسؤول عن جرائم القتل والاضطهاد التي ارتكبتها قوات الأمن الخاضعة لسيطرته خلال الحرب.

حياة لندنية

عندما انتقل سيف الإسلام إلى لندن عام 2002، تم تشكيل فريق من المسؤولين والعناصر التمكينية لإدارة شؤونه. وبحسب مصدر في العاصمة البريطانية تم التعامل مع الأمور الإدارية من قبل "شركة الاستثمار الأجنبي الليبية" في لندن. قامت مجموعة من الشباب الليبيين بإدارة الأنشطة غير الرسمية، بمن فيهم فيصل الزواوي منظم حفل بونتا ديل إستي، الذي كان في ذلك الوقت على علاقة بالاتحاد الليبي لكرة القدم. كانت أوروغواي واحدة فقط من مغامرات عديدة. أدار الزواوي يخوتاً في البحر الأبيض المتوسط ونوادي في البحر الكاريبي وطائرة خاصة وفتيات المتعة.

يقال إن سيف بدأ بطلب شقة في حي بلغرافيا الفاخر في غرب لندن من وكيله في شركة الاستثمار الأجنبي الليبية، ثم قام على ما يبدو بتوسيع مطالبه: أراد مزيداً من الشقق، وحاجباً شخصياً، وسائقاً وعناصر أمن. يقال إن الوسيط دفع التكاليف بما في ذلك الإيجار، ثم أرسل فاتورة إلى مكتب سيف الإسلام في ليبيا، وهي دولة كان متوسط الدخل فيها يعادل ثلث دخل الفرد في بريطانيا تقريباً.

إنقاذ المقرحي

يتذكر الوسيط أنه اصطحب سيف الإسلام إلى جلسة تعريفية مع ضباط في خدمة "أم آي 6" MI6 حول أمنه الشخصي، كما التقى سيف الإسلام بمسؤولين حكوميين. كانت لديه موضوعات كثيرة بحاجة إلى نقاش. بعد مفاوضات مطولة في عام 2003 أعلن أن ليبيا "ستقبل مسؤوليتها" عن تفجير لوكربي وستدفع 2.7 مليار دولار تعويضاً لأسر الضحايا.

حول سيف الإسلام انتباهه بعدها إلى تأمين إفراج مبكر عن عبد الباسط المقرحي، مفجر لوكربي المدان الذي شُخص بإصابته بسرطان البروستاتا أثناء وجوده في السجن بالقرب من غلاسكو. تم تعيين وكلاء علاقات عامة لإنشاء موقع على شبكة الإنترنت للحملة هو ww.justiceformegrahi.com وللضغط على الصحافيين. أوضح أحد الوكلاء في ملاحظة موجزة "من خلال اجتماعي بموظفين مختلفين من الطيف الإعلامي برمته... كان عليَّ التصرف كما لو أن ما أقوم به ليس حملة علاقات عامة منظمة."

استعان وكلاء سيف الإسلام أيضاً بمساعدة الأطباء. يسمح القانون الاسكتلندي بالإفراج لأسباب إنسانية عن السجناء الذين يقدر أن لديهم فرصة في الحياة تقل عن ثلاثة أشهر. خضع السجين لعدة تقييمات نظرية لكن لم يكن يتلقى علاجاً فعالاً، وتقرر فحصه بشكل شخصي. في 24 يوليو (تموز) عام 2009، تسلم سيف الإسلام بريداً إلكترونياً من الدكتور كارول سيكورا أستاذ الأورام في لندن. كتب فيها "أعتقد أن فرص السيد المقرحي في الحياة سيئة جداً... أفضل طريقة لإقناع سلطات المملكة المتحدة بالسماح له بالعودة إلى الوطن لأسباب إنسانية هي أن يفحصه طبيبان ويوافق خبير ثالث على النتائج التي توصلا إليها".

اقترح سيكورا أن يترأس المجموعة المكونة من ثلاثة مختصين. وقال إنه اتفق مع سيف الإسلام على تقاضي أجر وفق معايير هيئة الأجور التي تفرضها هيئة خدمات الصحة الوطنية للخبراء الطبيين القانونيين مقابل عمله، ثم زار المقرحي في السجن، وقيم أن فرصة عيش الرجل هي ثلاثة أشهر فقط، وقدم تقييمه إلى السفارة الليبية في لندن وقبلت السلطات الاسكتلندية تقديراته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مع حكومة براون

كما ضغط سيف الإسلام على حكومة غوردون براون. تشير رسائل البريد الإلكتروني إلى أن الزواوي استأجر يختاً في رحلة إلى جزيرة كورفو باليونان ما بين 1 و3 أغسطس (آب). وتردد أن سيف الإسلام ذهب إلى كورفو في تلك الفترة والتقى بيتر ماندلسون، الوزير الأرفع في حكومة براون آنذاك، حيث أمضى ليلة في فيلا جاكوب روتشيلد المطلة على البحر. يتذكر أحد الأشخاص الذين كانوا في الفيلا حينها أن سيف الإسلام أطل مرتدياً زي قتال مع حاشيته، وذهب مع ماندلسون إلى مكان منعزل في الحديقة وأثار قضية المقرحي. وقال المتحدث باسم ماندلسون في عام 2009 إن الرجلين ناقشا قضية لوكربي في محادثة "عابرة".

عندما تواصلت "ذا غارديان" مع ماندلسون، قال إنه لم يلعب "أي دور على الإطلاق" في أي مفاوضات في شأن الإفراج عن المقرحي، مضيفاً "ما أتذكره بالتأكيد هو أنه لم يطلب مني [سيف] ولا أحد ممثليه اتخاذ إجراء في هذه القضية". في 20 أغسطس عام 2009 اتخذ وزير العدل الاسكتلندي كيني ماكاسكيل القرار وأطلق سراح المقرحي ليعيش آخر ثلاثة أشهر من حياته في ليبيا.

تشير الوثائق إلى أن سيف الإسلام كتب بعد يوم من ذلك رسالة إلى الوزير الأول في اسكتلندا حينها، أليكس سالموند، يعرب فيها عن "تقديره العميق لتفهمه واستعداده لاتخاذ جميع الخطوات اللازمة التي كانت ضرورية لتسهيل قرار الوزير ماكاسكيل". يقول سالموند إنه "لا يتذكر حتى رؤية الرسالة". ويضيف أن حكومة المملكة المتحدة "ليس لها أي تأثير" على قرار ماكاسكيل الذي اتخذ "بشكل صائب تماماً وبما يتماشى مع الإجراءات القانونية الواجبة". في اليوم نفسه صاغ سيف الإسلام رسالة مماثلة إلى سيمون ماكدونالد، مستشار السياسة الخارجية في حكومة غوردون براون، يعرب فيها عن "تقديره الصادق والعميق لدعمكم خلال الأشهر العديدة الماضية في تأمين الإفراج عن السيد المقرحي".

لكن ماكدونالد يقول إن براون عينه ليكون الرجل الرئيس في المفاوضات، موضحاً "على حد علمي كنت الشخص الوحيد في الحكومة البريطانية الذي يتعامل معه سيف الإسلام، كانت هناك قناة واحدة، أنا وسيف الإسلام". لم يشعر بأي غرابة في التعامل مع ابن الديكتاتور، على الرغم من افتقاره إلى منصب رسمي، "لأنه كانت لديه تعليمات واضحة من والده بإعادة سجين ليبي مريض إلى الوطن". يتذكر ماكدونالد أن محادثه كان يتكلم "لغة إنجليزية سلسة للغاية وشديد الإنفاق بشكل مثير للدهشة". لقد قاما بزيارة مزرعة سيف الإسلام بالقرب من طرابلس، حيث رأى ماكدونالد نمراً أبيض موضوعاً في قفص مصنوع من قضبان واهية بشكل مقلق. يقول الرجل "عندما رأيت النمر الأبيض في المرة التالية، كان عبارة عن بساط ممدود على الأرضية في مجلس سيف الإسلام".

"أنشطة" موازية

اختلطت الأنشطة السياسية المهمة مع السلوكيات الغريبة في صيف عام 2009. وكان الزواوي قد حجز يختاً آلياً بطول 61 قدماً (نحو 18.5 متر)، بقبطانه واثنين آخرين من أفراد الطاقم، بتكلفة 55400 يورو، ثم عرف مدير شركة تأجير اليخوت الزواوي على وكالة لتقديم خدمات المرافقة. تحتوي مراسلات البريد الإلكتروني على صور من الوكالة لنساء عاريات في أوضاع مثيرة. كتب المصدر في الوكالة الذي قام بالمراسلات "إنهن جيدات بمفردهن، لكن إذا كنا نتحدث عن الثنائيات، فأنا أقترح سيلفي مع شانيل أو شانيل مع مارشا... بالكاد تمتلك كلتاهما أي وشوم".

كما كانت لسيف الإسلام صلات بوجوه بارزة في المجتمع. في مايو (أيار) عام 2010، تلقى بريداً إلكترونياً من عارضة الأزياء الشهيرة نعومي كامبل على ما يبدو عنوانه "جيزالين ماكسويل. صديقة نعومي كامبل آتية إلى ليبيا". وصف البريد الإلكتروني ماكسويل بأنها "صديقة رائعة" أرادت الذهاب في "رحلة ترفيهية" إلى ليبيا "بقاربها" في سبتمبر (أيلول). طلب البريد الإلكتروني من سيف الإسلام تسهيل ذلك، وزوده بعنوان بريد ماكسويل الإلكتروني، وكانت حاشية الرسالة تقول "كثير من العناق" و"الحب والامتنان". تبدو إجابة سيف الإسلام كالتالي "مرحباً نعومي، صديقتك مرحب بها في ليبيا. من فضلك قولي لها أن تتواصل مع محمد" الذراع اليمنى لسيف الإسلام. من غير الواضح ما إذا كان هناك أي اتصال آخر بينهما.

قال المتحدث باسم كامبل "ليست السيدة كامبل على دراية بالرسائل الإلكترونية المتبادلة المزعومة. نظراً إلى رفض (ذا غارديان) تزويدها بنسخة من المراسلات المتبادلة المزعومة أو تقديم أي دليل على صحتها، فهي ليست في وضع يخولها بالتعليق".

كان سيف يدخل في علاقات أيضاً مع سماسرة النفوذ العالميين في المنتدى الاقتصادي العالمي. قام مؤسس المنتدى كلاوس شواب بتوجيه دعوة شخصية إلى سيف الإسلام لحضور اجتماع دافوس السنوي في يناير عام 2011، واصفاً إياه في رسالة بأنه "صانع جسور متعطش ومدافع حقيقي عن الحوار".

يذكر أن كلاً من سيف الإسلام القذافي وفيصل الزواوي لم يردا على طلبات للحصول على تعليق.

حرب وأسلحة

عندما اندلعت الحرب الأهلية في ليبيا بعد أسبوعين من مؤتمر دافوس، وعد سيف الإسلام "بالقتال حتى آخر رجل، وآخر امرأة، وآخر رصاصة". وقد قطع المنتدى الاقتصادي العالمي الاتصال به.

يبدو أن الزواوي بدأ بشراء الخوذات والسترات الواقية من الرصاص والمركبات المدرعة. حصل على عرض بشراء 120 سيارة بسعر 23.8 مليون يورو، لكن الزواوي كان يبحث أيضاً عن مخرج. عندما بدأت أعمال العنف كان يستفسر حول شراء شقق في وسط لندن.

بعد أيام قليلة من تلقيه عرض أسعار حول طلباته غير الزواوي موقفه، وأصبح شاهداً متعاوناً في القضية المرفوعة ضد سيف الإسلام أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. أقام علاقات مع المجلس الوطني الانتقالي الذي سيطر على طرابلس بعد الثورة. وكان الزواوي، في النهاية هو الذي أبلغ عن مكان سيف الإسلام، وأخبر أحد كبار أعضاء المجلس أن ابن الديكتاتور كان قريباً من النيجر وينشد مساعدة طبيب لمعالجة يده المشوهة.

وصل إليه متمردو زنتان أولاً، واقتيد كرهينة ثمينة. لم يتم الكشف عن طبيعة أي صفقة مع خاطفيه السابقين، لكن ابن ديكتاتور سيئ السمعة حر الآن وقادر على الترشح لمنصب الرئاسة. لم تكن قضية المحكمة الجنائية الدولية المرفوعة ضده عائقاً. وتقول محكمة ليبية إنها وافقت على ترشيحه على أساس أن وريث القذافي لا يمتلك سجلاً إجرامياً حتى الآن.

الجدير بالذكر أن "اندبندنت عربية" اجرت اتصالا للحصول على تعليق من جانب سيف الإسلام القذافي على ما ورد في هذا التقرير، لكن أحد المقربين منه رفض الإدلاء بأي تعليق.

المزيد من تقارير