Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فوضى قضائية أمنية تثير الرأي العام اللبناني

مرة جديدة فشلت القاضية غادة عون في "القبض" على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة

القاضية غادة عون تداهم مصرف لبنان بحثاً عن الحاكم رياض سلامة (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - مواقع التواصل الاجتماعي)

فوضى غريبة شهدتها الساحتان القضائية والأمنية خلال الأيام الأخيرة في لبنان، حيث سجل العديد من التوقيفات والاستدعاءات التي تركت علامات استفهام وفتحت جدالاً في أوساط الرأي العام عن أبعادها السياسية، وقدرة القضاء على تحقيق العدالة بين المواطنين بعيداً عن الكيدية والتسييس والتعسف.

ومن الإجراءات التي أثارت انتقادات واسعة حولها، توقيف راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية في الطائفة المارونية المطران موسى الحاج عند معبر الناقورة أثناء عودته إلى لبنان قادماً من إسرائيل، في مركز الأمن العام للتحقيق معه لمدة استمرت حوالى 8 ساعات من دون مراعاة مركزه الديني وكونه نائباً بطريركياً يمثل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.

محاصرة بكركي

وفي وقت ذكرت المعلومات أن التوقيف جاء بناء على إشارة من قاضي التحقيق العسكري فادي عقيقي الذي استدعاه للمثول أمامه، الأربعاء، للتحقيق معه في قضايا تتعلق بالتعامل مع إسرائيل انطلاقاً من معلومات بأنه ينقل أموالاً وأدوية من لبنانيين فارين إلى إسرائيل إلى ذويهم في لبنان.

وقد اعتبرت مصادر البطريرك الماروني بشارة الراعي أن هذا القرار سياسي وتعسفي وهدفه تمرير رسالة للبطريرك على خلفية مواقفه اللاذعة لـ"حزب الله"، ومطالبته إعلان حياد لبنان وتطبيق القرارات الدولية. وأكدت المصادر أن الكنيسة المارونية وغيرها من الكنائس وحتى رجال دين من الطائفة الدرزية لم يقطعوا خيوط التواصل مع طوائفهم في إسرائيل، وأن قضية انتقالهم منها وإليها ليست جريمة يعاقب عليها القانون. 

بدوره طالب رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي واجه ملفاً سياسياً بعيد أحداث الطيونة مع القاضي نفسه، رئيس مجلس القضاء الأعلى والمدعي العام التمييزي وضع حد لتصرفات القاضي فادي عقيقي "الذي أثبت أنه موجود في المحكمة العسكرية لا لإحقاق الحق والسهر على أمن البلاد والعباد، إنما لتحقيق كيدية سياسية"، معتبراً أن الاستدعاء ليس انطلاقاً من شبهة أو دليل أو قرينة ما، بقدر ما هو رسالة إلى البطريرك انطلاقاً من مواقفه الوطنية.

في المقابل، اعتبر مصدر قضائي قريب من المحكمة العسكرية أن بعض السياسيين يستغلون الاستدعاء للتصويب على المحكمة العسكرية والقاضي عقيقي، مشيرة إلى أن الاستدعاء هو إجراء اعتيادي بناء على شبهات لدى القضاء اللبناني.

مطاردة مستمرة

وعلى مقلب آخر، فشلت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون مرة جديدة في "القبض" على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رغم محاولاتها المتكررة مع دوريات من أمن الدولة، التي تطارده بين منزله ومركز عمله في مصرف لبنان. إذ تصر عون على إحضار سلامة مغفوراً ومثوله أمامها بتهم تتعلق بالفساد وتبييض الأموال، في حين أن الحاكم يتذرع بقرار كف يدها عن الملف الصادر عن محكمة التمييز لعدم حضور جلسات الاستماع إليه.

إلا أن الجديد في الأمر أن القاضية عون اعتمدت هذه المرة مناورة "مزدوجة" إذ إنها توجهت مع عناصر أمن الدولة إلى المصرف المركزي، حيث من المفترض أن يوجد سلامة، بعد أن أقدمت صباحاً قوة من أمن الدولة على مداهمة منزله في منطقة الرابية حيث لم يتم العثور عليه. وأفادت المعلومات أن المداهمة استمرت ساعتين فيما كانت قوة عسكرية تحاصر المنزل من جميع الجهات، وقد تمكنت عون من فتح 5 خزنات في منزل سلامة بمساعدة أحد الخبراء، وصادرت بعض الأوراق فيما لم تجد أموالاً داخل الخزنات المذكورة. 

أما في مصرف لبنان الذي حاصرت مداخله عناصر أمنية، داهمته القاضية غادة عون بحثاً عن الحاكم رياض سلامة، كانت النتيجة نفسها على الرغم من المعلومات التي أكدت أن سلامة كان موجوداً في مكتبه ولم يغادره واستمر في متابعة تحركات عون داخل المصرف والتي استمرت حوالى الساعة. وأكد شهود عيان أن عون وصلت إلى نفس الطابق حيث يوجد سلامة برفقة عناصر أمنية وبقيت في الرواق المؤدي إلى مكتبه حوالة عشر دقائق من دون أن تسجل أي عمليات بحث أو مصادرة أوراق، قبل أن تغادر متذرعة بصدور "إشارة قضائية بإخلاء مبنى مصرف لبنان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعقب خروجها من المصرف قالت عون، إنها وقبل المداهمة حاولت التواصل مع النيابة العامة التمييزية لكنها لم تتلق جواباً ما دفعها لأخذ إذن المداهمة من القاضي المناوب في النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رجا حاموش الذي "سمح بالدخول لكن من دون تصادم"، وأضافت، أنه وأثناء وجودها في المصرف المركزي تلقت اتصالاً من حاموش الذي أبلغها إشارة انتهاء مهمة عناصر أمن الدولة في مصرف لبنان، التي أشارت بعد خروجها إلى أنه "قيل لنا إن حاكم مصرف لبنان ليس هنا".

وهذه المحاولة، كانت قد سبقتها محاولة منذ نحو شهر، إذ توجهت دورية من أمن الدولة إلى منزل سلامة، تزامناً مع بث مقابلة تلفزيونية مسجلة معه، إلا أنه لم يكن في المنزل حينها.

إضراب مصرفي

وفي رد فعل فوري، أعلنت نقابة موظفي مصرف لبنان في بيان الإضراب والإقفال التام لمدة ثلاثة أيام ابتداء من يوم الأربعاء، "اعتراضاً على التجاوزات القانونية والطريقة الميليشياوية التي تمارسها القاضية عون".

وأوضحت، أنه "أثناء قيام مجموعة من جهاز أمن الدولة بالدخول إلى حرم مصرف لبنان، قامت القاضية غادة عون ومرافقوها، بالدخول إلى حرم المصرف بطريقة غير مألوفة ومن دون مراعاة الأصول القانونية المعتمدة مما مس بكرامة مؤسسة مصرف لبنان وموظفيها".

وناشدت كافة المعنيين، لا سيما وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى ومدعي عام التمييز التدخل لوضع حد لهذه التصرفات غير اللائقة من قبل القاضية غادة عون، "والتي تخرج عن كل الأصول القانونية في سابقة لا مثيل لها، حتى لا نضطر آسفين لإعلان الإضراب المفتوح".

ترهيب قضائي

وفي سياق التخبط القضائي نتيجة التدخلات السياسية الفاضحة، برزت مسألة استدعاء مدير عام إدارة المناقصات في التفتيش المركزي اللبناني جان العلية، للتحقيق أمام النيابة العامة التمييزية على خلفية إخبار مقدم من قبل وزير العدل بسبب شكوى قدح وذم مقدمة من قبل مجلس شورى الدولة، الأمر الذي وصفه البعض بقرار "غب الطلب" في إطار استكمال الحرب السياسية عليه، كونه أول من تحدث عن صفقات الكهرباء المشبوهة والفيول المغشوش، وغيرها من الفضائح المدوية، الأمر الذي أزعج المسؤولين وأخافهم، فقرروا ترهيبه و"تأديبه" بالقضاء، بحسب مرجعيات سياسية عديدة.

وكان العلية أكد قبل دخوله إلى قصر العدل، أنه "يفتخر بما يحصل معه دفاعاً عن القضاء في وجه كتبة الإخبارات الذين يريدون تحويله من سلطة وظيفتها تأدية العدالة إلى أداة للتهويل على من ينفذ القانون".

وشدد على أن مثوله أمام القضاء هو لإظهار الحقائق، وقال، "إذا تبين أنني مرتكب فلا أحد فوق القانون، أما إذا تبين أن من يقدم الإخبار ومن كتبه يتسلون ويهولون فسنطلب ضمن الأطر الدستورية والقانونية محاسبتهم لإساءتهم المعنوية لمجلس شورى الدولة وإدارة المناقصات".

وبعد خروجه من جلسة مثول أمام القضاء في قصر العدل، كشف أن "الجلسة كانت مطولة وأجاب عن كل الأسئلة التي طُرحت أمامه"، معلناً أنه سيتقدم بإخبار منفصل بموضوع مناقصة السوق الحرة.

في المقابل، رفض وزير العدل التعليق على الاستدعاء معتبراً أن اللجوء إلى القضاء يبعد الاستغلال السياسي عن أي قضية يجب أن تسلك مسارها القانوني.

التحكم المروري

وفي حادثة أخرى، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر توقيف الضابط ميشال مطران من قبل شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وذلك على خلفية منشور انتقد فيه عمل غرفة التحكم المروري.  

زوجة مطران، جويل باسيل كشفت في تغريدة أنه تم استدعاؤه كالمجرمين، حيث كتبت "تم استدعاء زوجي، ميشال مطران، كالمجرمين الساعة 6 مساء الجمعة، وعلى عجل من منزلنا في زحلة بهدف توقيفه! وقد تم توقيفه فعلاً من قبل فرع المعلومات لأنه ممتهن ومحترف وبسبب بوست كتبه على مواقع التواصل منذ 6 أيام! ولأنه ما بدكم مين يخبركم عن حرفيته". 

وفي تصريح لها أوضحت جويل باسيل، أن زوجها "تلقى عدة اتصالات من قبل شعبة المعلومات للحضور بهدف التحقيق معه، سارع إلى هناك، وإذ بدورية مؤلفة من عناصر مسلحة، تقصد منزل والديه الطاعنين بالسن عند الساعة الثامنة مساء، حيث مارست عليهما ضغطاً نفسياً للحصول على هواتف مطران ولمعرفة عنوان منزله ورقم هاتفي، كما طلبت مفتاح منزلي". 

واعتبرت أن زوجها يتعرض لحرب من قبل مؤسسته حيث تمت إقالته عام 2014 من رئاسة حساب "غرفة التحكم المروري" على "تويتر"، وذلك بعدما نجح كما قالت زوجته، "في ملف السلامة المرورية، بعدها حاول العمل على تأسيس المجلس الوطني للسلامة المرورية، إلا أنه حورب كذلك، ليكلف بعدها من رئاسة الحكومة بشغل مركز أمانة سر المجلس، لكن الحرب عليه استمرت، حيث تمت إقالته من مركزه بقرار غير قانوني".

توضيحاً لتوقيف مطران، أوضحت مديرية العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، أنه يمنع قانوناً على عناصر ورتباء وضباط قوى الأمن كتابة أي منشور ذات طابع سياسي أو ينتقد مؤسسات الدولة، وذلك استناداً إلى المادة 160 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي التي تنص على أنه "لا يحق لرجال قوى الأمن الداخلي في الخدمة الفعلية ولا للاحتياطيين الذين استأنفوا الخدمة تحت طائلة العقوبات التأديبية والجزائية نشر المقالات أو إلقاء محاضرات أو خطابات أو الإدلاء بتصريحات إلى وسائل الإعلام قبل الحصول على إذن مسبق من المدير العام".

مشيرة إلى أن مطران ليس أول ضابط في قوى الأمن يجري توقيفه نتيجة مخالفته قوانين المؤسسة العسكرية، "إلا أن أحداً ممن جرى توقيفهم سابقاً لم يجاهر بالأمر، كما أن توقيف مطران يأتي بعد تاريخ طويل من مخالفته قوانين قوى الأمن الداخلي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير