بدأ حزب المحافظين في إرسال خطابات التصويت لأعضائه بأنحاء بريطانيا، وعددهم 160 ألفاً، لاختيار زعيم جديد للحزب ورئيس للحكومة خلفاً لرئيسة الوزراء المستقيلة تيريزا ماي.
وتستمر عملية الاقتراع حتى ما بعد منتصف الشهر المقبل لانتخاب واحد من المرشحين النهائيين: وزير الخارجية الحالي جيريمي هنت ووزير الخارجية السابق وعمدة لندن السابق بوريس جونسون.
ترجّح كل استطلاعات الرأي ونتائج الاقتراع السري لنواب حزب المحافظين في البرلمان أن "بوريس جونسون الأوفر حظاً للفوز بزعامة الحزب ورئاسة الحكومة، إلا أن السياسة لا تخلو من المفاجآت، كما قال جيريمي هنت عقب انتهاء عمليات تصويت النواب التي وفَّرت لجونسون ما يزيد على ضعف عدد النواب المؤيدين هنت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لن تكون مهمة رئيس الوزراء البريطاني الجديد سهلةً، وهو يواجه أهم مشكلة تتعرض لها بريطانيا منذ الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست) في 2016، وهي الأزمة التي اضطرت ماي إلى الاستقالة بعد فشلها في تنفيذه خلال موعده الأصلي 29 مارس (آذار) الماضي.
ورغم تأجيل موعد البريكست إلى 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، فإن الاتفاق الذي توصَّلت إليه تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي يصعُب إقراره من البرلمان، وتلك المشكلة ستواجه كلاً من من جونسون أو هنت بنهاية الشهر المقبل.
توجد حزمة من المشكلات الأخرى، أغلبها مرتبط بالبريكست، تواجه الحكومة البريطانية داخلياً وفي علاقاتها بالعالم الخارجي، ومنه الشرق الأوسط ومنطقة الخليج تحديداً.
هنت الملتزم
في حال فوز جيريمي هنت، وهو الاحتمال الأقل، لكنه ليس مستبعداً، لا يُتوقع أن تشهد السياسة البريطانية تغييراً كبيراً، رغم أنه يدرك هذا، وكرر مراراً أنه لن يكون "تيريزا ماي في بذلة رجالي" على حد قوله، كما نفى هنت عن نفسه كونه "مرشح المؤسسة"، أي أنه لن يقود البلاد "كما الكتاب"، وسيبتكر حلولاً لكل المشكلات.
مع ذلك، وبالنظر إلى سنوات خدمة هنت وزيراً للإعلام والثقافة، ثم الصحة، والخارجية في حكومتي ديفيد كاميرون وتيريزا ماي، ليس متوقعاً أن يغيّر كثيراً في سياسة بريطانيا، وتلك أبرز توقعات سياسته:
- صوّت هنت ضد البريكست في استفتاء 2016، لكنه تعهّد بتنفيذ الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، ووعد بأنه سينفذ الخروج دون اتفاق إذا كان ذلك هو الخيار الوحيد رغم عدم رضاه عن ذلك.
- يفضّل المسؤولون الأوروبيون التفاوض مع هنت عن منافسه، لكن ذلك لا يعني أن أوروبا مستعدة لتعديل اتفاق البريكست لصالح بريطانيا، وبالتالي سيواجه المشكلة نفسها التي اضطرت سلفه إلى الاستقالة.
- بعد البريكست، سيوازن هنت بين علاقات بريطانيا مع أوروبا والولايات المتحدة وبقية العالم.
- في الأغلب لن يغامر بإجراءات اقتصادية لتنشيط الاقتصاد البريطاني، وبالتالي سيشهد الاقتصاد خلال حكمه تراجعاً أشد بغض النظر عن شكل البريكست.
- لم يكن منفذاً فقط لسياسة ماي بالشرق الأوسط، وفيما يتعلق بكل القضايا الدولية التي لبريطانيا موقف منها، إنما هو مشارك فيها، وبالتالي لا أمل لتغيير كبير في سياسة بريطانيا عن الوضع الحالي.
- لن تتطابق سياسته الخارجية مع الولايات المتحدة في القضايا الدولية، مع ذلك هو أكثر تشدداً مع إيران والجماعات الموالية لها، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني.
- في المحصلة، يمثل هنت السياسة البريطانية التقليدية المحافظة غير الشعبوية.
ويختلف في ذلك عن المرشح الأوفر حظاً، الذي تفضّله الولايات المتحدة، باعتبارها الحليف الرئيس لبريطانيا في العالم.
جونسون والمفاجآت
ليس بوريس جونسون المرشّح المفضل لحزبه الحاكم، بل لأغلب حلفاء بريطانيا بالخارج. حتى الاتحاد الأوروبي لا يجد مشكلة في توليه رئاسة الحكومة، وكما قال أحد كبار مسؤوليه إنه "يكون مثيراً، لكن ذلك لن يغير في شروط البريكست".
وتجمع الآراء على أنه من سينفذ البريكست دون اتفاق في نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، لكن ذلك غير مضمون تماماً، أخذاً في الاعتبار طريقته، التي تشبه أسلوب الرئيس الأميركي دونالد ترمب. بمعنى، أنه قد يسعى إلى إعادة التفاوض مع بروكسل للتوصّل إلى "صفقة أفضل" للخروج من تلك التي اتفقت عليها مع ماي.
ومع أنه يصعب توقّع المفاجآت، التي قد يحملها وصول بوريس جونسون إلى رئاسة الحكومة، لكن من تصريحاته ومواقفه السابقة يمكن تلخيص الآتي:
- بريكست دون اتفاق، مع ما يترتب من أضرار اقتصادية على أوروبا وبريطانيا على السواء.
- تشدد في المواقف مع الاتحاد الأوروبي، في الطريق إلى البريكست وما بعده، مقابل علاقات أقوى وأوثق مع الولايات المتحدة.
- محاولة تعزيز الشرعية في الداخل بإجراءات اقتصادية لا يمكن التكهن بتأثيرها في الاقتصاد، لكن بالأخذ في الاعتبار أنها ستكون أكثر "شعبوية" من الطريقة المؤسسية، فربما تعوّض توقعات تراجع الاقتصاد بعد البريكست.
- مواقف خارجية تتسم بالجرأة أكثر مما هو معتاد من بريطانيا، وإن لم تكن بالعمق المعروف عنها تاريخياً، وستكون سياسته الخارجية أكثر اتساقاً مع واشنطن.
- ربما يكون أقدر من غيره على تحسين العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول الخليج، واتخاذ مواقف قوية من قضايا المنطقة، خصوصاً أزمة إيران.
- ستكون علاقة بريطانيا مع روسيا والصين أفضل في ظل حكمه، رغم الخطاب المتشدد، الذي يُسمع منه في التصريحات العامة.
- في الإجمال، سيحسّن فرص "المحافظين" في أي انتخابات عامة مقبلة، ويقلل من فرص المعارضة في الوصول إلى السلطة.
تكهنات أخرى
بما أن السياسة هي حقل المفاجآت، فيمكن لكل التوقعات المنطقية السابقة أن تنعكس تماماً، خصوصاً مع الاحتمال الأرجح بفوز بوريس جونسون بزعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء. فالماكينة السياسية البريطانية العتيقة لن تعدم وسيلة للحد من "شطط" جونسون وإرجاعه إلى الأصول التقليدية للسياسة البريطانية داخلياً وخارجياً.
وربما يفكّر بوريس نفسه، سعياً نحو ترسيخ صورته كرجل دولة ومحو صورة الشخصية غريبة الأطوار، في تعديل كثير من أفكاره عند وضعها موضع التنفيذ كسياسات.
إلا أن هناك خطوطاً عريضة أساسية لن تتغير في الأغلب، وهي قربه من واشنطن أكثر من بروكسل، وموقفه القريب من المعتدلين في الشرق الأوسط مقابل إيران والمتشددين.