عدلت المفوضية الأوروبية تقديراتها لارتفاع معدلات التضخم في منطقة اليورو ودول أوروبا بشكل عام بالزيادة في ضوء استمرار الحرب على أوكرانيا وتصعيد العقوبات على روسيا، وبالتالي استمرار الزيادة في أسعار الطاقة والغذاء وغيرهما.
وتتوقع المفوضية الأوروبية أن تتجاوز معدلات التضخم في أوروبا هذا العام نسبة ثمانية في المئة قبل أن تبدأ في التراجع العام المقبل، بعد أن ارتفعت معدلات التضخم 8.6 في المئة لشهر يوينو (حزيران) الماضي.
وكانت تقديرات المفوضية خلال شهر مايو (أيار) أن ترتفع معدلات التضخم في دول منطقة اليورو بنسبة 6.1 في المئة في المتوسط السنوي لهذا العام، وتتراجع إلى 2.7 في المئة العام المقبل. وبعد المراجعة التي أعلنت الخميس، أصبحت تقديرات المفوضية تشير إلى ارتفاع معدلات التضخم في دول المنطقة بنسبة 7.6 في المئة في المتوسط السنوي لهذا العام، لتنخفض إلى أربعة في المئة العام المقبل.
أما بالنسبة إلى دول أوروبا كلها فعدلت المفوضية تقديراتها السابقة بارتفاع معدلات التضخم هذا العام 6.8 في المئة وتراجعها 3.2 في المئة العام المقبل، إلى صعودها 8.3 في المئة هذا العام ووصولها إلى 4.6 في المئة العام المقبل.
ومع أن المسؤولين الأوروبيين يتفادون تماماً الإشارة إلى احتمالات الركود الاقتصادي، فإن كثيراً من المحللين والمعلقين عدلوا توقعاتهم لدخول اقتصاد أوروبا في ركود، ربما بنهاية هذا العام أو بداية العام المقبل.
السياسة النقدية
وعلى الرغم من أن معدلات التضخم في أوروبا تظل أقل من نظيرتها في الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، إذ وصلت إلى 9.1 في المئة، فإنها تظل مرتفعة بشكل لم تشهده أوروبا منذ عقود.
وكانت التقديرات السابقة تستند إلى توقعات متفائلة في شأن تأثير الحرب على أوكرانيا والعقوبات على روسيا، لكن مع استمرار الحرب في شهرها الخامس وتصعيد العقوبات على موسكو ارتفعت أسعار كل شيء في أوروبا من الطاقة إلى مواد البقالة اليومية للأسر الأوروبية.
ويمثل استمرار ارتفاع الأسعار بهذا الشكل ضغطاً على كل من حكومات الدول الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي الذي يضع السياسة النقدية لدول اليورو.
وتحاول الحكومات جاهدة أن تفعل ما بوسعها لتخفيف عبء الزيادة الهائلة في معدلات التضخم عن كاهل الأسر، كما فعلت إسبانيا مثلاً بفرضها ضريبة أرباح استثنائية على شركات الطاقة والبنوك لتمويل دعم الخزانة العامة للأسر الإسبانية في مواجهة ارتفاع كلفة فواتير الاستهلاك المنزلي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تشكل ضغطاً أيضاً على البنك المركزي الأوروبي الذي يعقد اجتماعه الأسبوع المقبل في ظل تلك القراءات السلبية والتوقعات المتشائمة، ومع أن البنك أشار من قبل إلى أنه سيرفع سعر الفائدة في دول منطقة اليورو خلال اجتماعه هذا الشهر، وسيكرر رفعها في سبتمبر (أيلول) المقبل، إلا أن الأسواق لا تنتظر أن يؤدي تشديد السياسة النقدية بهذه الوتيرة إلى تأثير كبير في معدلات التضخم الأوروبية.
ولا تبدو هناك مؤشرات إلى أن الحرب في أوكرانيا على وشك الانتهاء، كما أن تأثير العقوبات على روسيا واقتصاها واقتصاد الغرب، وفي القلب منه اقتصادات أوروبا، لم يظهر بعد.
ووصف مفوض الاقتصاد الأوروبي باولو جينتولوني الأمر قائلاً إن "تصرفات موسكو تضر بإمدادات الطاقة والحبوب، مما يرفع الأسعار أكثر ويضر بالثقة في الاقتصاد".
وأضاف جينتولوني، "من المتوقع أن تصل معدلات التضخم غير المسبوقة إلى أعلى مستوياتها هذا العام قبل أن تأخذ في التراجع عام 2023، ومع عدم معرفة مسار الحرب ومدى توفر إمدادات الغاز تظل هذه التوقعات غير مؤكدة وعرضة لأخطار التعديل بالزيادة".
اليورو والنمو
ولم يقتصر الأمر على الإعلان عن أرقام وتوقعات التضخم، بل خفضت المفوضية الأوروبية أيضاً توقعاتها لنمو الاقتصاد في دول أوروبا عن تقديراتها السابقة خلال مايو الماضي، حين توقعت نمو اقتصاد دول منطقة اليورو واقتصادات أوروبا عموماً بنسبة 2.7 في المئة في المتوسط هذا العام، وبنسبة 2.3 في المئة العام المقبل.
وفي تقديراتها الأخيرة توقعت المفوضية نمو اقتصاد دول منطقة اليورو بنسبة 2.6 في المئة هذا العام و1.4 في المئة العام المقبل، على أن ينخفض معدل النمو في أوروبا ككل إلى 1.5 في المئة العام المقبل.
وتبدو تلك التوقعات على الرغم من مراجعتها نزولاً، متفائلة عن توقعات السوق التي زادت احتمالات الركود في أوروبا وليس النمو، وكل ذلك سيزيد الضغط على البنك المركزي الأوروبي خلال اجتماعه الأسبوع المقبل، إضافة إلى مؤشر آخر في غاية الأهمية يعكس أيضاً الصورة القاتمة لمستقبل الاقتصاد الأوروبي، وهو تراجع قيمة اليورو بشكل غير مسبوق منذ نحو 20 عاماً أمام الدولار الأميركي.
وكان سعر صرف اليورو أصبح مساوياً تقريباً للدولار للمرة الأولى منذ منتصف يوليو (تموز) 2022، أي بعد طرح العملة الموحدة للمرة الأولى بنحو عامين.
ويعكس هبوط سعر صرف اليورو تراجع ثقة المستثمرين والأسواق في الاقتصاد الأوروبي، إضافة إلى رفع الاحتياط الفيدرالي سعر الفائدة على الدولار، في وقت تردد فيه "المركزي الأوروبي" حتى الآن.
وعلى الرغم من أن انخفاض قيمة اليورو قد يجعل الصادرات الأوروبية أكثر تنافسية، فإنه في الوقت ذاته يزيد كلفة الاستيراد.
وبينما تسعى دول أوروبا إلى توفير بدائل لواردات الطاقة الروسية، فإنها تضطر إلى شراء النفط والغاز من مصادر أخرى بأسعار مرتفعة أصلاً، ومن شأن ضعف اليورو أمام الدولار أن يضاعف كلفة تلك الواردات.