بأكثر من المتوقع، قفز معدل التضخم في الولايات المتحدة في يونيو (حزيران) إلى مستوى قياسي جديد هو الأكبر منذ أواخر عام 1981، ما يؤكد استمرار ضغوط الأسعار التي ستبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي على المسار الصحيح لرفع أسعار الفائدة، مرة أخرى، في وقت لاحق من الشهر الحالي. وأظهر مؤشر أسعار المستهلك التابع لوزارة العمل الأميركية ارتفاع الأسعار على أساس سنوي بنسبة 9.1 في المئة الشهر الماضي مقارنة بالعام السابق، في تقدم واسع النطاق بعد زيادة 8.6 في المئة في مايو (أيار)، وزاد مقياس التضخم على أساس شهري بنسبة 1.3 في المئة، وهي أكبر نسبة منذ 2005.
ويعكس هذا التسارع في التضخم ارتفاع تكاليف البنزين والسكن والمواد الغذائية كأكبر المساهمين، الأمر الذي يزيد الصعوبات التي تواجهها الأسر الأميركية ويضع الرئيس الأميركي جو بايدن تحت مزيد من الضغوط، مع تراجع التأييد الشعبي له من جراء الارتفاع المستمر للأسعار.
تفاصيل بيانات التضخم
وارتفع مؤشر الغذاء بنسبة 10.4 في المئة على أساس سنوي، وهي أكبر زيادة لمدة 12 شهراً منذ الفترة المنتهية فبراير 1981، ولكن على أساس شهري زادت أسعار المواد الغذائية بنسبة واحد في المئة، في الوقت نفسه زاد مؤشر الطاقة بنسبة 7.5 في المئة خلال الشهر الماضي، وأسهم بنحو نصف في المئة في زيادة المؤشر العام، وارتفعت أسعار البنزين بأكثر من 11 في المئة في يونيو، ونحو 60 في المئة خلال الأشهر الـ12 الأخيرة، وتزداد أسعار المستهلكين، مدفوعة بالضغوط على سلاسل التوريد العالمية والتحفيز المالي الهائل من الحكومات في وقت مبكر من جائحة كورونا.
وأدت الحرب المستمرة في أوكرانيا، والتي تسببت في ارتفاع أسعار الغذاء والوقود العالمية، إلى تفاقم الوضع، وسجلت أسعار البنزين الأميركي الشهر الماضي في محطات التوزيع ارتفاعاً قياسياً تجاوز خمسة دولارات للغالون، ومع ذلك فقد تراجعت الأسعار في الأسابيع الأخيرة.
كما ارتفعت أجور السكن في يونيو بنسبة 0.8 في المئة على أساس شهري، وهو أكبر تقدم شهري منذ عام 1986، كما زادت تكاليف المأوى بشكل عام، التي تعد أكبر مكون للخدمات وتشكل ثلث مؤشر أسعار المستهلكين الإجمالي، بنسبة 0.6 في المئة مطابقة للشهر السابق.
وفي حين تباطأت مبيعات المنازل في الأشهر الأخيرة بسبب ارتفاع معدلات الرهن العقاري، يتوقع الاقتصاديون أن يستمر تضخم الإيجارات في الزيادة، لأن تغيرات الأسعار تستغرق وقتاً حتى تحدث تأثيراً في مؤشر أسعار المستهلكين. وكان الاقتصاديون الذين شملهم الاستطلاع من قبل "بلومبيرغ" قد قدروا أن التضخم في أميركا سيرتفع إلى 8.8 في المئة على أساس سنوي، وبنسبة 1.1 في المئة على أساس شهري، وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، الذي يستبعد مكونات الغذاء والطاقة شديدة التقلب، بنسبة 0.7 في المئة عن الشهر السابق، و5.9 في المئة عن العام الماضي، أعلى من التوقعات.
سياسة نقدية صارمة
وتزيد أرقام التضخم المرتفعة من إضعاف القوة الشرائية والثقة، ما سيؤدي ذلك إلى إبقاء مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي على مسار سياسة نقدية صارمة لكبح الطلب، وتضعهم على الطريق الصحيح نحو تسريع أسعار الفائدة، كما تضيف الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن، والديمقراطيين في الكونغرس الذين تراجعت شعبيتهم قبل انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وتعقد لجنة السوق المفتوحة، المسؤولة عن السياسة النقدية في البنك المركزي الأميركي، اجتماعاً يومي 26 و27 يوليو (تموز) الحالي، وسط توقعات بأن ترفع أسعار الفائدة بثلاثة أرباع نقطة مئوية، وستكون رابع مرة يرفع فيها الفيدرالي أسعار الفائدة في غضون أربعة أشهر، ويستهدف المركزي معدل تضخم عند اثنين في المئة فقط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يأتي ذلك وسط تضخم مستمر بالإضافة إلى نمو الوظائف والأجور الذي ما يزال قوياً، قبل إصدار البيانات، وكان المتداولون قد رجحوا بالفعل رفع سعر الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في الشهر الحالي، والشهر الماضي، أعلن الفيدرالي عن أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ نحو 30 عاماً.
وفي حين أن عديداً من الاقتصاديين قدروا أن تكون هذه البيانات ذروة دورة التضخم الحالية، فإن عديداً من العوامل مثل الإسكان ستبقي ضغوط الأسعار مرتفعة لفترة أطول، كما تشكل العوامل الجيوسياسية، بما في ذلك عمليات الإغلاق الاقتصادي بسبب "كورونا" في الصين وحرب روسيا في أوكرانيا، مخاطر على سلاسل التوريد وتوقعات التضخم، حسب "بلومبيرغ".
لا تعكس التطورات الأخيرة
من جهته، وصف الرئيس الأميركي جو بايدن أرقام التضخم المعلنة بأنها "مرتفعة بشكل غير مقبول"، لكنه اعتبر أنها لا تعكس التطورات الأخيرة. وقال بايدن إن "الأرقام الصادرة لا تعكس التأثير الكامل لانخفاض أسعار البنزين على مدى نحو 30 يوماً"، وتؤكد الإدارة الأميركية أن التصدي للتضخم يقع ضمن أولى أولوياتها، لكنها تقر بضرورة "تحقيق مزيد من التقدم، وبوتيرة أسرع، لوضع الزيادات في الأسعار تحت السيطرة". وكان البيت الأبيض قد استبق صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلكين بالقول إنه سيظهر تضخماً "مرتفعاً جداً"، لكن المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية كارين جان- بيير أشارت إلى أن "بيانات التضخم الناظرة إلى الخلف" لا تأخذ في الاعتبار التراجعات الأخيرة في أسعار البنزين.
ووفق جمعية السيارات الأميركية، تراجع معدل أسعار البنزين في محطات التوزيع من 5.01 دولار للغالون، الشهر الماضي، إلى 4.63 دولار هذا الشهر، في الأثناء، انخفض، الأربعاء 13 يوليو، سعر صرف اليورو مقابل العملة الخضراء إلى ما دون عتبة الدولار الأميركي الواحد للمرة الأولى منذ ديسمبر (كانون الأول) 2002، متأثراً بالتوقعات القاتمة للاقتصاد الأوروبي وباحتمال قطع إمدادات الغاز الروسي بالكامل.