Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كناوة"... موسيقى أفريقية تجذب العالم إلى زاويتها

لديها خصوصيات أهمها البعد الصوفي ولم تسجل على كاسيت قبل عام 1975

حضور الآلاف من عشاق فن كناوة في المهرجان الذي يحظى بشهرة عالمية (موقع المهرجان)

افتتحت مساء 21 يونيو (حزيران)، الدورة 22 من مهرجان "كناوة وموسيقى العالم"، في مدينة الصويرة المغربية، وتستمر حتى 23 يونيو.

يقول الكاتب المغربي سعيد بوكرامي إن مهرجان كناوة فرصة لإحياء ليالي موسيقية كناوية بقيادة "المعلمية" (مجموع معلم) أو بمشاركة فرق عالمية. ويشكل المهرجان مناسبة للاستماع إلى كبار المعلمين ورثة هذه الموسيقى الروحية، ولاكتشاف أسرار هذه الموسيقى الآسرة بطقوسها التي ترقى إلى مستوى العلاج النفسي.

يقول الشيوخ القدامى للموسيقى الكناوية، إن موسيقاهم مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالطقوس العلاجية التي مارسها أجدادهم الأفارقة في جنوب الصحراء الكبرى. ويمكن للمتمعن في إيقاعات الموسيقى الكناوية أن يكتشف تشابهها مع موسيقى الفودو في هايتي، أو السانتيريا الكوبية أو الكاندومبلي البرازيلية، وهي جميعها من أصول واحدة حملها معهم الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى خلال مراحل الاستعباد وتجارة الرقيق.

الأصول

ينحدر "كنواة"، بحسب بعض المصادر التاريخية، من سلالة العبيد الذين تم استقدامهم خلال العصر الذهبي للإمبراطورية المغربية من جنوب الصحراء.

يقول الباحث المغربي في مجال الثقافة محمد حمدوني، إن المصادر الاستشراقية تشير إلى أن تسمية كناوة تعود إلى مدينة دجيني، في المنطقة الجنوبية التي يطلق عليها الأوروبيون، خصوصاً البرتغاليين، اسم غينيا، التي كانت تقع بجانب نهر النيجر في مالي حالياً.

ويرجّح الرحالة المغربي الحسن الوزاني (1494-1555) في كتابه "وصف أفريقيا" أن دجيني أو جيني اسمان لمسمى واحد وهو غينيا. بينما يذهب باحثون فرنسيون، أمثال روني باسي (1855- 1942)، إلى أن للتسمية أصلاً أمازيغياً، كما اعتاد أن يسمي به أهل المغرب العربي بلاد الرجل الأسود أو أكناو/ كناوية، خصوصاً في الجزائر ومناطق جنوب ليبيا.

ويعتبر أقدم دليل يؤرخ لأصل كناوة هو ما أتى به عالم التاريخ الأندلسي الزهري، انطلاقاً مما جمعه من معلومات من قبائل الصحراء الصنهاجية، أن أصل كناوة (جناوة) من غانا التي كانت تعتبر عاصمة بلاد السود في القرن 14م، وأن هذه المجموعات التي جاءت مع موجات تهجير العبيد في فترات عدة من تاريخ المغرب، خصوصاً في عهد المولى إسماعيل (1672-1727)، إذ تزايدت أعداد العبيد الذين يعيشون في ربوع المملكة العلوية والذين يشتغلون في الجيش خصوصاً.

يمكن القول إن أصل مجموعات كناوة تنحدر من عائلات العبيد التي قدمت إلى المغرب لغايات غير تجارية، ولقد تطورت هذه المجموعات على هامش المجتمع المغربي، مما خولها المحافظة على نوع من الاستقلالية الثقافية والموروث، وذلك من طريق الموسيقى والتقاليد التي امتزجت بطريقة عضوية مع الثقافة السائدة، بل وواكبتها في التحولات التي عاشتها إلى يومنا.

الخصوصيات

الدخول إلى عالم كناوة ليس بالأمر السهل. يتطلب مجهوداً وصبراً كبيرين. يقول "المعلم" الكناوي عمر حياة، المشارك في مهرجان الصويرة، في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، يتطلب امتهان موسيقى كناوة جهداً كبيراً لأنها تمتاز بخصوصيات كثيرة، حيث يلزم الأمر وجود ولع لدى الشخص بتلك الموسيقى، وتحلٍّ بالصبر، واحترام "المعلمين" الذين يشجعون متعلميهم ممن يظهر عليهم صفة المعلم المستقبلي.

يضيف أن لموسيقى كناوة خصوصيات أهمها ارتباطها بالطابع الصوفي، الذي يجذب المستمع ويُدخله في حالة روحانية خاصة، إضافة إلى محافظتها على طابعها الأصيل، ومزجها أصولاً أفريقية وتأثيرات عربية وأمازيغية. وتتميز تلك الموسيقى بقابلية حوارها مع العديد من الأصناف الموسيقية العالمية. فتلك الخصوصيات جعلت من موسيقى كناوة عالمية بأصول إفريقية.

الامتدادات

امتدت ثقافة كناوة من خلال الموسيقى لتشمل فنوناً مغاربية مثل موسيقى الديوان في الجزائر، وستانبلي في ليبيا وتونس.

يقول بوكرامي أنه منذ عقود أُدرج العديد من الأساليب الموسيقية والإيقاعات الكناوية في المغرب والجزائر وتونس وليبيا وعلى الصعيد العالمي. ويتمظهر هذا التأثير في أنواع عدة من الموسيقى، مثل الراب المغربي، والموسيقى الأمازيغية العربية. وتجلى ذلك بوضوح في تجربة مجموعة "ناس الغيوان" الفريدة والثرية. وتجلت في تجارب عالمية توظف موسيقى كناوة والجاز أو كناوة والريغي وكناوة والبلوز. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر تجارب كارلوس سانتانا وبيتر غابرييل وليد زيبلين وروبرت بلانت وراندي ويستون وبينك فلويد وكات ستيفنز وجيمي هندريكس، والقائمة طويلة.

وعلى الرغم من انتشار موسيقى كناوة في أرجاء العالم وعزفها من جانب فرق في أوروبا وأميركا واليابان، إلا أنها لم تسجل إلا في عام 1975، حينما انجز أول تسجيل صوتي على شريط كاسيت.

كناوة والحضرة

تمارس طقوس الموسيقى الكناوية في إطار الحضرة التي ارتبطت بشكل كبير بالزوايا، إضافة إلى تنظيم بعض العائلات تلك الليالي في منازلهم، ولا تقام إلا ليلاً، بهدف التفريج عن النفوس وطرد الأرواح التي تهيمن عليها. ويقول بوكرامي إنهم يمارسون بذلك طقوساً أفريقية قديمة تجعل من الموسيقي أو العازف وسيطاً بين العالم الواقعي وعالم الأرواح.

ويشرح بوكرامي أن ليلة الحضرة الكناوية تنقسم إلى ثلاث مراحل، أولها العادة التي تبدأ بطواف الفرقة الكناوية في أزقة المدينة القديمة ويرتدي أعضاؤها ملابس مميزة المتكونة من الفوقية المتعددة الألوان وطاقية مرصعة بأنواع من الصدف. وخلال الطواف على إيقاع الطبول والقراقش أو القراقب الحديدية، لا تستعمل آلة الكنبري، وهي وترية تشبه إلى حد كبير آلة النكوني التي ما زال يعزف بها في مالي. وتسير الفتيات في مقدم الموكب يحملن الشموع، وبمجرد العودة إلى البيت يستغنى عن الطبول وتعوض بالكنبري.

إيقاع الكف

وخلال ليلة العادة يستغنى أيضاً عن القراقش تدريجاً لتعوض بإيقاع الكف، لكنه استغناء مؤقت، لأنها ستعود خلال مرحلة "أولاد بامبارا" وينبري فيه راقصو كناوة إلى الرقص الانفرادي تارة والجماعي طوراً.

 وبعد استرخاء وجيز تدخل الليلة الكناوية مرحلة تسمى بـ "فتوح الرحبة"، يجري فيها إعداد المكان الذي ستقام فيه الليلة المقدسة. في هذه الأثناء تحضر "المعلمة"، وهي سيدة تهيمن على المرحلة المتبقية المعروفة بـ "الملوك" تضع في بدايتها "المقدمة" صينية أمام "المعلم" بها بخور متنوع وأشياء أخرى، ثم تبدأ بإلقاء قطع قماش مختلفة الألوان ترمز إلى ملوك الجن.

وعلى إيقاع الموسيقى ومراحلها يؤمَر المريدون بارتداء لون من ألوان القماش، مثلاً اللون الأسود صاحبه هو الملك "سيدي ميمون" و"لالة ميمونة". أما اللون الأحمر فهو للملك "سيدي حمو"، واللون الأزرق للملك "سيدي موسى". وترتب الألوان بحسب المحلات التي تنتمي إليها وهي محلة الأبيض، الأسود، الأزرق، الأحمر، المبرقش، الأخضر، ثم الأبيض والأسود، والأبيض والأصفر.

ثم على إيقاع الكنبري والقراقش يتصاعد الإيقاع ليدخل المريدون الذين وصلوا إلى الحالة واستجابوا روحياً للخلاص، خلال هذه المرحلة من الطقس يقوم المعلم بملاحظة المجموعات المختلفة من المغنين المرتبطين بلون ملك من الملوك، بعدها يشير بضرورة استقدام الشخص الذي وصل إلى مرحلة "الجدبة" والنشوة.

المزيد من فنون