Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تنافس تركي - إيراني مخادع في سياسة "صفر مشاكل"

من الصعب على طهران أن تلعب مثل أنقرة فإيران صاحبة مشروع إقليمي على حساب العرب

يبدو أردوغان قادراً على الانتقال بمرونة من موقف إلى موقف نقيض (رويترز)

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبني مواقفه السياسية على قاعدتين: الأولى هي ما يفيد مصلحته في السلطة، ولو أضر بالمصلحة الوطنية لتركيا. والثانية هي ما يراه ضرورياً لمصلحة تركيا، وإن اصطدم بحسابات حلفاء البلد ومصالحهم. وفي الحالين، يبدو قادراً على الانتقال بمرونة من موقف إلى موقف نقيض بلا خوف من المحاسبة ومواقف المعارضين ما دامت الشعبوية مضمونة ببراعته في تحريك الناس. فهو يعود إلى سياسة "صفر مشاكل" بعد أن صنع كل ما يمكن من المشاكل مع دول المنطقة والاتحاد الأوروبي ودوله بالمفرق، ولا سيما فرنسا وألمانيا، كما مع الحليف الأكبر: الولايات المتحدة الأميركية. لا، بل بعد أن دفع صاحب سياسة "صفر مشاكل" أحمد داوود أوغلو إلى الاستقالة من رئاسة الحكومة والخروج من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم وتأسيس حزب "المستقبل".

أردوغان عاد إلى الحوار مع مصر بعد سنوات من العداء على خلفية دعمه "الإخوان المسلمين"، ومنحهم حرية الحركة في تركيا للعمل ضد مصر بعد إخراجهم من السلطة. زار السعودية، ثم استقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أنقرة بعد افتعال أزمة عنيفة واتهامات تراجع عنها في قضية جمال خاشقجي. استقبل رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، واتفق معه على مشاريع استثمارية بعد حملة على الإمارات واتهامها بدور ما في المحاولة الانقلابية الفاشلة. استعاد حرارة العلاقات مع إسرائيل بعد الاقتراب من صدام. ورحب برغبة ضيف تركيا وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في ترتيب علاقاته مع الرئيس بشار الأسد، مع أنه يستعد لغزو جزء آخر من شمال سوريا، فضلاً عن صعوبة العودة إلى ما كان مع سوريا قبل الدور التركي في حرب سوريا، ولا سيما بالنسبة إلى "اتفاق أضنة" أيام الرئيسين سليمان ديميريل وحافظ الأسد بعد تخلي دمشق عن استضافة "حزب العمال الكردستاني" وزعيمه عبد الله أوجلان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والظاهر أن هذه اللعبة تستهوي إيران أحياناً فتعمد كما تفعل في هذه الأيام إلى "تنعيم" مواقفها والحديث عن "صفر مشاكل" مع الدول العربية. فهي في حوار مع السعودية في بغداد بوساطة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لكن التقدم فيه محدود. تحاور الإمارات العربية من دون أن تتخلى عن احتلال الجزء الثالث. تسعى إلى الانفتاح على مصر بعد خصومة شديدة وتسمية شارع في طهران باسم الضابط الأصولي المتشدد الذي اغتال الرئيس أنور السادات، لكنها مصرة على تعميق نفوذها وتوسيعه في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن وتسليح الحوثيين بالمسيّرات والصواريخ التي تضرب أهدافاً مدنية في السعودية والإمارات. فما تكرره دائماً هو الحديث عن إخراج أميركا من الشرق الأوسط لإقامة نظام أمني إقليمي من دون تدخل خارجي. والترجمة البسيطة لذلك هي نظام أمني تقوده طهران وتكون فيه القوة المسيطرة والمتحكمة. وهي أيضاً ممارسة العناق من أجل الخنق، لا لإنهاء الافتراق.

غير أن من الصعب على إيران أن تلعب مثل تركيا. فهي صاحبة مشروع إقليمي على حساب العرب. والمشروع مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى جمهورية الملالي و"انتظار المهدي المنتظر لحكم العالم". أما أردوغان، فإن ألعابه ضمن حدود، وقد أتقن أصول اللعب في الخارج، وإن بدأ يخسر في الداخل. هو داخل حلف "الناتو" وخارجه. يلعب بين أميركا وروسيا. يلعب مع روسيا وأوكرانيا التي يبيعها مسيّرات "بيرقدار" التي يصنعها صهره. يعترض على ضم السويد وفنلندا إلى "الناتو"، ثم يقبل بعد تحقيق مطالبة من الدولتين، كما من أميركا. يقف مع أذربيجان ضد أرمينيا، ومعها روسيا، وضد إيران، ويربح. والملاعب مفتوحة أمامه في أوروبا والشرق الأوسط والقوقاز.

والسياسة، كما يقال، "فن لا علم".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل