الصين لم تكن بين اهتمامات حلف شمال الأطلسي. لكن الحلف الذي دفعه الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى تجديد شبابه تجاوز قبل ذلك في أفغانستان وليبيا كونه أطلسياً فحسب. وما كانت إشارته إلى "التحدي الصيني" في استراتيجيته الجديدة التي خرجت من قمة مدريد أخيراً صاعقة في سماء صافية. فالصين أيضاً لم تعد الصين المكتفية بالتنمية الاقتصادية السريعة وتعزيز التجارة مع دول العالم وإرسال من تسميهم "اللصوص الوطنيين" لسرقة تصاميم التكنولوجيا الأميركية وتقليدها. والبلد الذي كان على مدى عصور "قوة برية" يأتيها الأعداء والخطر من البحر باتت تركز على بناء قوة بحرية وجوية. أولاً عبر مشروع "الحزام والطريق" الذي رصدت له تريليون دولار لمساعدة بلدان في آسيا وأوروبا وأفريقيا على بناء مشاريع البنية التحتية، وحصولها هي على مراكز برية ومرافئ بحرية، بينها إدارة مرفأ حيفا في إسرائيل. وثانياً عبر برنامج لتحديث الجيش والأسلحة وإقامة قواعد عسكرية فوق جزر اصطناعية في بحر الصين كما في جيبوتي على البحر الأحمر وأحدث تطور هو الانتهاء من بناء حاملة طائرات ثالثة متطورة بعد حاملتين قديمتين اشترتهما وجددتهما.
ذلك أن الصين اكتفت في الماضي وحتى بعد الثورة الشيوعية بقيادة ماوتسي تونغ بأن تكون ما سماه الخبير الاستراتيجي هالفورد ماكيندر "الهارتلاند"، أي القوة التي تسيطر على الأرض الواسعة، ولا أحد يملك قوة كافية لغزوها والسيطرة عليها. لكنها بدأت مع الرئيس شي جينبينغ إدراك مخاطر ما سماه الخبير الاستراتيجي نيكولا سبياكمان "الريملاند"، أي القوة القادرة على تطويق "الهارتلاند" من البحر ومنعها من الخروج إلى المحيطات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فالرئيس ماو كان يقول إن الصين مستعدة للانتظار مئة سنة من أجل استعادة تايوان بالوسائل السلمية. أما شي، فإنه يواجه قوة بحرية وجوية أميركية توحي أنها مستعدة للدفاع عن تايوان، على الرغم من الاعتراف الأميركي بسياسة "صين واحدة" من أيام الرئيس نيكسون. وهو يدرك أن تايوان ليست هونغ كونغ التي احتفل أخيراً على أرضها بمرور 25 عاماً على استعادتها من بريطانيا باتفاق ينص على التزام بكين سياسة عنوانها "بلد واحد ونظامان"، لكن المحتوى تغيّر بعد "قانون الأمن الوطني" الذي ضمن سيطرة الصين على السلطة في هونغ كونغ. فلا مجال لاستعادة تايوان التي تضم أكثر من عشرين مليون شخص وفيها حكومة وبرلمان وصناعة راقية بالوسائل السلمية. فما العمل؟
لا بد من استعادتها بالقوة العسكرية. فمن أحلام شي، كما يقول دارسو الصين، إعادة الوحدة مع تايوان قبل مغادرة السلطة، بحيث يكرس وضعه في مرتبة ماو في هيكل الحزب الشيوعي وتاريخه. وهو يبحث عن أفضلية على الولايات المتحدة الأميركية، ويرى أن تحقيق الوحدة ممكن بالقوة العسكرية وزيادتها في مضيق تايوان الذي تستطيع الصين أن تملأه بالسفن. لماذا؟ لأنه يراهن على أن أميركا لن تذهب إلى صدام عسكري مباشر وواسع مع الصين من أجل تايوان، كما لم تقدم على صدام عسكري مباشر مع روسيا من أجل أوكرانيا. فهي ترسل الأسلحة إلى أوكرانيا والأسلحة إلى تايوان. لكن الأسلحة لم تمنع بوتين من السيطرة على دونباس، ولن تمنع شي من السيطرة على تايوان.
ولا أحد يعرف إن كان يمكن التوصل إلى "تنافس استراتيجي مدار" بين أميركا والصين، كما اقترح كيفن رود رئيس الوزراء سابقاً في أستراليا. لكن الكل يتذكر قول مسؤول صيني كبير لنظيره الأميركي في اجتماع رسمي: "لستم مؤهلين لمخاطبة الصين من موقع قوة". وبحسب روان زو نغزي الباحث في مركز تابع للخارجية الصينية، فإن الصين "واثقة من أن الغرب سيستسلم أمامها". وما أكثر الأحلام، وإن كانت حولها كوابيس حلف "أوكوس" وحلف "كواد" وحلف "الناتو" و"العيون الخمس".