Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بوزون هيغز" هو أصغر مكونات الذرة لكن ألغازه لا تنتهي

التقدم في بحوثه منذ عام 2012 أتاح للعلماء تحديد بعض خصائصه

لقطة تظهر أنفاق الاختبارات النووية في مشروع سيرن الأوروبي (ساينس.أورغ)

بعد مرور عقد من الزمن على اكتشاف جسيم "بوزون هيغز" Higgs boson، الذي وصف بأنه "إنجاز عظيم" [تنص نظرية أينشتاين على أن الطاقة تتحول إلى مادة، بمعنى أنها تبرد وتتحول إلى مكونات صغيرة، تتجمع بطرق مختلفة كي تؤلف المكونات المختلفة للذرة التي تتشكل منها المادة في كل أنواعها. يعتقد أن ذلك البوزون هو أصغر مكون ذري يظهر مع تحول الطاقة إلى مادة، ثم تتألف المكونات الدقيقة للذرة انطلاقاً من جسيم بوزون هيغر]. وذهب البعض إلى وصف ذلك المكون الذري بأنه "جسيم الرب" God particle، إذ يعتقد أنه مسؤول عن اكتساب المادة كتلتها، وأنه يحمل النسيج المادي للكون أيضاً. في المقابل، أشار باحثون أخيراً، إلى أننا ما زلنا نجهل الكثير عنه.

حدث الاكتشاف التاريخي لذلك البوزون في "مصادم الهادرونات الكبير" Large Hadron Collider [اختصاراً "أل أتش سي" LHC]، قرب جنيف الذي يعمل على تحطيم الذرات في ظروف تحاكي تلك التي سادت في لحظة الـ"بيغ بانغ" أو "الانفجار العظيم" [تحديداً، يفترض أن تلك الظروف تشبه ما حدث بعد كسور قليلة من الانفجار العظيم، حينما أخذت الطاقة اللانهائية المرتبطة بذلك الانفجار، في الابتراد، فظهرت المكونات الأولى والأصغر للذرة]. وقبل 10 سنوات بالضبط، أعلنت مؤسسة "سيرن" Cern، الاسم المختصر لـ"المنظمة الأوروبية للبحوث النووية"، عن ذلك الاكتشاف الهائل.

وبفضل التقدم المحرز منذ ذلك الحين في تحديد خصائص "بوزون هيغز" قطع علماء الفيزياء شوطاً كبيراً نحو فهمنا للكون.

نجح الباحثون في قياس كتلة "بوزون هيغز"، علماً بأنها أحد الثوابت الأساسية في الطبيعة التي لا يمكن لـ"النموذج المعياري" Standard Model أن يتنبأ بها. [يشير ذلك النموذج إلى تركيب للذرة اقترحه علماء الفيزياء الذرية في منتصف القرن العشرين، لوصف الذرة وتركيباتها والطاقات التي تحتويها].

علاوة على ذلك، إلى جانب كتلة أثقل جسيم أولي معروف، ويسمّى "كوارك القمة" top quark [الكوارك جسيم أولي فائق الصغر يسهم في تكوين التراكيب التي تتألف منها الذرة]، ومجموعة من المؤشرات قياسية الأخرى، ربما تسهم كتلة "بوزون هيغز" في تحديد مدى استقرار الفراغ الموجود في الكون.

وفي المقابل، يرى الباحثون أن أسئلة كثيرة ما زالت تنتظر الإجابة عنها حول ذلك الجسيم. مثلاً، هل يمكنه التفاعل مع "المادة المظلمة" [يشير تعبير المادة المظلمة إلى نوع غير تقليدي من المادة يملك خصائص مغايرة للمادة كما نعرفها في الكون كله، من بينها أن المادة المظلمة غير قابلة للرؤية. واستطراداً، فإن الطاقة المرتبطة بتلك المادة، تتصرف بشكل غير تقليدي أيضاً]، من ثم الكشف عن طبيعة هذا الشكل الغامض من المادة؟

وثمة أسئلة تتعلق بمنشأ كتلة "بوزون هيغز" وكيف تتفاعل تفاصيل ذلك الجسيم أثناء عملية تشكله، إضافة إلى أسئلة عن وجود جسيمات يمكن وصفها بأنها أقارب أو توائم له، وكذلك أسئلة أخرى لا نملك إجابة عنها بعد.

تذكيراً، شكل اكتشاف "هيغز" إنجازاً بالغ الأهمية بالنسبة إلى "النموذج المعياري" عن الذرية، مع التذكير بأنه يعبر عن نظرية (في فيزياء الجسيمات) تصف شبكة الجسيمات الدقيقة في الذرة، والقوى والتفاعلات التي يتكون منها الكون.

واستطراداً، إن عدم وجود "بوزون هيغز" الذي يعطي المادة كتلة ووزناً يعني إلغاء وجود "النموذج المعياري" عن الذرة بالتالي عن الكون.

في ذلك الصدد، ذكر أحد واضعي النظريات الفيزيائية في مؤسسة "سيرن"، مايكل أنغلو مانغانو، أنه "على الرغم من أن جميع النتائج التي تحققت حتى الآن متوافقة مع (النموذج المعياري)، ثمة بعد متسع كبير لظواهر جديدة تتجاوز ما تنبأت به هذه النظرية".

تحدث في هذا الشأن أيضاً لوكا مالغري، المتحدث باسم "مكشاف الميونات سي أم أس" CMS [الميون هي من الجسيمات الفائقة الصغر التي تتشكل منها مكونات الذرة]، أحد اثنين من أجهزة الكشف العملاقة في "مصادم الهادرونات الكبير"، إلى جانب مكشاف الجسيمات العام "أطلس" Atlas، فاعتبر أن" وجود "بوزون هيغز" نفسه ربما يشير إلى ظواهر جديدة، من بينها بعض الظواهر التي من شأنها أن تكون مسؤولة عن المادة المظلمة في الكون، إذ يخوض "أطلس" و"مكشاف الميونات" عمليات بحث كثيرة بغية تفحص جميع أشكال العمليات غير المتوقعة التي تشتمل على بوزون هيغز".

في الذكرى العاشرة للاكتشاف، ذكرت المديرة العامة لـ"سيرن" وقائدة مشروع تجربة "أطلس" آنذاك، فابيولا غيانوتي، أن "اكتشاف بوزون هيغز شكل علامة فارقة في فيزياء الجسيمات".

وفق غيانوتي، "جاء بوزون هيغز بمثابة نهاية رحلة استكشافية طالت عقوداً من الزمن، وبداية حقبة جديدة من دراسات تناولت هذا الجسيم المميز جداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت غيانوتي، "تغمرني المشاعر إذ أتذكر يوم إعلان الاكتشاف. لقد كان يوماً مملوءاً ببهجة عظيمة بالنسبة إلى مجتمع علماء فيزياء الجسيمات في مختلف أنحاء العالم، وكذلك جميع الأشخاص الذين عملوا بلا كلل على مدى عقود لتحقيق هذا الاكتشاف".

يشير الباحثون إلى أن الإجابات عن الأسئلة العالقة قد تقدمها بيانات تأتي من التشغيل الثالث الوشيك لـ"مصادم الهادرونات الكبير" [بمعنى أنها ستكون عملية تجديد رئيسة ثالثة لذلك المصادم، فيتوقف أثناءها قبل أن يعاد تشغيله]، أو من "مصادم الهادرونات الكبير عالي السطوع"، وهو الاسم الذي اعتمد بعد عملية تجديد رئيسة لذلك المصادم". ويتوقع أن تشرع تلك البيانات في التجمع بداية من عام 2029 فصاعداً.

أوضح جيان جوديس، رئيس قسم "نظرية سيرن"، أن "المصادمات العالية الطاقة تبقى المجهر الأقوى في متناول يدينا وتحت تصرفنا لاستكشاف الطبيعة في أحجامها الذرية، واكتشاف القوانين الأساسية التي تحكم الكون".

بعد الصيانة وعمليات التحديث والتطوير المخطط لها، أعيد تشغيل "مصادم الهادرونات الكبير" في أبريل (نيسان) الماضي، ويعمل الآن عند أقصى سرعة، ما يعني أن عمليات التصادم بين البروتونات قادرة على الحدوث مرة أخرى. [تتشكل نواة الذرة من بروتونات تتمتع بشحنة إيجابية ونيوترونات محايدة في شحنها الكهرومغناطيسية. ويشبه تصادم البروتونات في بعض أوجهه عمليات الاندماج الذري التي تحدث في القنابل النووية، لكن ذلك يحدث تحت سيطرة حقول كهرومغناطيسية ضخمة في المصادم، فلا تصل إلى حد الانفجار النووي].

وكذلك ستنطلق فترة جديدة من جمع البيانات الثلاثاء.

سيعمل "مصادم الهادرونات الكبير" على مدار الساعة طوال أربع سنوات تقريباً وعند مستوى قياسي من الطاقة، ما يوفر مزيداً من الدقة وإمكانية أكبر من أي وقت مضى لتحقيق اكتشافات.

خلال التجارب، سينظر العلماء في طبيعة "بوزون هيغز" متوخين دقة غير مسبوقة وسبلاً جديدة في رصد مواصفات ذلك الجسيم.

سوف يدرسون أيضاً خصائص المادة تحت درجة حرارة وكثافة شديدين، وسيبحثون عن جسيمات مرشحة لأن تقدم تفسيراً عن المادة المظلمة وظواهر جديدة أخرى.

وكشف أندرياس هوكر، المتحدث باسم "تعاون أطلس" أنه وزملاءه سيقيسون "نقاط القوة في عمليات التفاعل بين "بوزون هيغز" والمادة، إذ إننا سنحمل الجسيمات الذرية الفائقة الصغر على توفير دقة غير مسبوقة. وسنواصل بحثنا عن تفكك "بوزون هيغز" إلى جسيمات قد تكون المادة المظلمة، إضافة إلى البحث عن جسيمات إضافية من فئة بوزون هيغز".

المزيد من علوم