Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأمير تشارلز في سن السبعين: ما هي جدوى بقاء الأمير لأطول فترة في منصب ولي العهد؟

لطالما كان أمير ويلز مختلفا وغريبا. لقد قضى فترة شبابه على هامش المجتمع ليتخبط بعدها في تفاصيل زيجة مضطربة

صورة للامير تشارلز يتزلج .

لم يكن الأمر في الواقع تلويح ملكي ولكن كانت بالأحرى نظرة ملكية خاطفة. ولكي أكون صادقا, كان من الممكن أن ألوح بيدي أو أقدم التحية أو على الأقل أن أقف في انتباه. فمنذ قليل مرت الملكة أمامي في سيارتها الريغال رولر في شارع ليسون غروف. رجال الشرطة كثر ممن يرافقون للموكب وغيرهم. وسائق أيضاً بالطبع. لكني رأيتها وهي أيضاً رأتني. بعدها انحرفت سيارة الملكة إلى اليمين في شارع روسمور رود واختفت بعدها. لكنها منحتني نظرة ملكية للحظة عابرة. ولذلك فأنا أعرف أنها حقيقية وبدرجة أهمّ أنا أيضاً حقيقي. كان هناك تأكيد متبادل للوجود وكان ذلك مطمئنا بشكل غريب.

لأنه بدون ذلك كان سيتوجب مسامحتك على افتراض أن العائلة الملكية البريطانية العظيمة هي من نسج خيال جورج آر آر مارتن, العقل المدبر لأحداث "غيم أوف ذا ثرونز"- أو حتى مسلسل على نتفليكس. مثلها مثل "كورونيشن ستريت" و"إيست إندرر" يُنظر إلى الملكية كمسلسل طويل تتسمر أمامه الأمة وإن لم تلتصق ببعضها البعض فإنها تتعلق بالشاشات والعناوين المختلفة التي تتناول آخر المواليد والزيجات والموت أو الأفضل منهم وهي الفضائح الدسمة.

ولكن ما هو دور الأمير تشارلز في هذا العرض غير الواقعي. الإجابة هي أنه لا دور له. إذ كان وسيظل دائما الغريب والمختلف. وقد يكون هذا هو الشيء الوحيد الذي يشفع له. وهناك حقيقة غير معروفة على نطاق واسع وهي أن أمير ويلز في شبابه كان يمارس ركوب الأمواج وركوب المراكب الشراعية. كان يهرب من المجتمع المقيد. ولكن حتى وهو على الهامش ظل هامشياً. ظل شخصاً يحاول أن يشبه مجموعة معينة.

لقد ابتلّ مرات عدة وشوهِد لفترات قصيرة ماشياً فوق الماء. كما أعلم أنه رأس لفترة في أواخر السبعينات الجمعية البريطانية لركوب الأمواج أو كان راعياً لها، ونظّم حفل استقبال لفريق ركوب الأمواج البريطاني قبل مغادرته للمنافسة في جنوب أفريقيا. و أدلى ببعض التصريحات عن امتلاك عدد من راكبي الأمواج شوارب كثيفة وتساءل ما إذا كان الهدف منها هو تدفئتهم في الماء. ليس "أوسكار واليد" تحديداً ولكنها محاولة جيدة، سموّك.

نعلم أن ولي العهد لم يكن من محبي المياه الباردة في غوردونزتاون. وربما بدأ في ركوب الأمواج في اسكتلندا. ولكنه وصل إلى قمة مسيرته المسرحية في كامبريدج بظهور قصير على خشبة المسرح في دور أمير غريب الأطوار إلى حد ما. فظهر إما في صندوق قمامة أو

اثناء ارتداؤه ملابس عمال النظافة. لقد صرح مراراً أن مصدر إلهامه كان "الغونز" (سبايك ميليغان و بيتر سيلرز وهاري سيكومبي) وكان يحفظ أغنية "ذا ينغ تونغ سونغ"عن ظهر قلب ولكن حتى أهم نقاد هذه الفترة يعلمون أنه كان فاشلاً في محاكاته "للغونز".

وعندما كان في الجامعة انتشرت فكرة أن يكون معه اثنين أو ثلاثة من كبار الخدم أينما ذهب، أحدهم ليحمل فرشاة الأسنان الملكية والآخر لكي يقفل أزرار الصدرية الرجالي وما إلى ذلك. ولكن ذلك كان غير مرجح بسبب التجهيزات المحدودة، حتى في كلية ترينيتي. لقد رأيته يتجول في الشوارع برفقة حارسه في ذلك الوقت. لا مجال لعدد من الحراس مثل الشخصية الفكاهية "جيفز" إذاً. على الأغلب فإن موضوع الخدام الذين يرتدون زياً رسمياً جرى تحويله إلى أسطورة خارج كل المعايير. من الواضح أنه يملكهم، إلا أن الإحصاءات الفعلية من الصعب، أو من غير المجدي تأكيدها.

ربما كان يجب أن يصبح مؤرخاً جاداً. كان لينتمي إلى مجموعة الرافضين بعنف للتطابق داخل غرفة العموم العليا. لكن ألم يحل في المرتبة الثانية؟ هذا مؤسف حقاً.

لقد قضى فترته العسكرية مثل والده ولكنه لم يعش فعلياً على المحيط وأمواجه كما لم يستمر في ركوب الأمواج. كما انتهى مستقبله كقائد عندما حطم طائرة ومُنع من الخروج حفاظاً على سلامته الشخصية. ولكنه كان لا يزال حسن المظهر في الزي الرسمي. فقرر أن يجرب حظه في الزواج. كان الزواج سيأتي دوره بأي حال من الأحوال في مرحلة ما. فالملك المستقبلي سيضطر في يوم من الأيام إلى نقل السلطة والمسؤولية إلى من بعده. ذلك إذا ما افترضنا بالطبع أن أحدهم مرر السلطة له أولاً.

ديانا: كانت تبدو كعروس الأساطير المثالية. شريكة حياة جديرة بتغطية التليفزيون العالمية. الأمير والأميرة. في بعض الأحيان نتحسر لأن الحياة لا تشبه الأساطير في أي تفصيل. إلا إذا تعدى استخدام عبارة "وعاشا سعيدين إلى الأبد" لتشمل الإشارة إلى اللامبالاة المتبادلة والضغينة والعداوة وأمور كثيرة أخرى مثل الهروب بكل أنواعه والأكاذيب والاعترافات.

لقد قال جيمس دين أنه يجب علينا أن نحيا حياة سريعة لنموت في شبابنا ويبدو جثماننا جيداً. فذلك فيه المزيد من الإبهار، فيه المزيد من هوليوود. ولكن يبدو أن تشارلز لم يحقق ذلك أيضاً.

ربما هو ليس من النوع المناسب للزواج. ليس كل الناس كذلك. وربما ما من أحد مناسب للزواج. لماذا يجب عليه أن يكون أفضل من أي شخص آخر؟ حاول أن يكون عشيقاً. لقد جرب نفسه مع النوع الأصعب من الكلام المثير. ربما كان عليه أن يراجع نسخته من رواية "لييزون دونجيروز" (علاقات خطرة) أولاً.

الفرنسيون يجيدون هذه الأمور. أشك أنهم كانوا سيقبلون بالاستعارة التالية (المحفوظة للأبد في تسجيلات فضيحة كاميلا) والتي تمنى فيها أن يعود إلى العالم في شكل فوطة صحية من نوع ما. لا أرى كيف يمكن لذلك أن يزيد من نبضات قلب أي شخص. فهي على نفس مستوى الدعابة الخاصة بالشوراب. فهو مثل الرجل الموجود في رواية سيرانو دي برجيراك الذي كان يحتاج إلى وجود سيرانو إلى جانبه ليلقنه عبارات جيدة.

وبما أنه قضى فترة معينة من الوقت متخبطاً بين أمواج مشاكله وكان بعيداً تماماً عن الشعور العام، عاد تشارلز مرة أخرى متمتعاً بدرجة من التنوير وقام بالعمل المعقول الوحيد الذي كان متاحاً له، وظيفة لا مؤهلات معروفة لها وهي وظيفة "الفيلسوف الملكي". كانت مهمته إبداء رأيه في كل شيء تحت الشمس.

نجح – نظرياً - في هدم كل العمارة الحديثة، تقريباً كل شيء بعد عام 1900 بخاصة المباني العالية التي يوجد بعض منها هذه الأيام. كان يملك وجهة نظر جيدة بالطبع، غالباً ما كان الوضع كذلك. "فالواجهات الزجاجية لن تصبح أبداً ذات شعبية جارفة".

 

في الرسائل التي عُرفت باسم "مذكرات العنكبوت الأسود" عرض نصيحته على بعض الوزراء في شؤون تراوحت ما بين معالجة الشؤون المحلية والمسائل الخارجية. وهو شيء كان مؤهلاً له من الناحية التقنية. ولكن الشيء المحزن هو أنه حتى الآن، لم يعره أحد أي اهتمام. أو ربما قاموا بالعكس تماماً.

وقدّم أيضاً خدماته على أنه زعيم أو مرشد ديني أعلى "المدافع عن [كل] الأديان وليس فقط المسيحية". وما زال ينتظر استدعائه مجدداً.

متأثراً بمعلمه القديم، لورانس فان دير بوست، أصبح مزارعاً وعالماً مهتماً بالحفاظ على البيئة. وللأمانة فإن إنتاجه في "ويتروز" جيد جداً فإن طعم الإجاص العضوية يشبه طعمها في الأيام الخوالي. فهي مقرمشة لكن غنية بالعصير في الوقت ذاته. أما نموذج العمل الخاص بالدوق المدلل (دوقي) قد يكون بنفس أهمية "ديزني لاند" بالنسبة لقطاع الزراعة عامةً، لأن مسائل التمويل تقع خارج اللعبة تماماً. في النهاية، نحن ندفع ثمن هذا الإجاص مرتين تقريباً (وهي لم تكن رخيصة بأي حال من الأحوال) لأننا نساند العائلة المالكة بدفعنا للضرائب. وبهذه الطريقة فإن الأمير تشارلز أعطى لفكرة الاعتياش من الأرض معنى جديداً تماماً.

هناك توافق عام على أن الثاني في ترتيب العرش مثل الصعاليك في رواية "ويتنيغ فور غودت" يكون دائماً في انتظار الخلاص. وذلك يعتمد أيضاً على قيام الجيل التالي بإفساح الطريق له. هو ليس موقفاً جيداً لمن هو فيه، فهو يجعلك تفكر كثيراً في حلقات كارتون "سنوبي" حيث كان يظهر كنسر على الشجرة ينتظر لكي يبدأ في الانقضاض. لكن ذلك ينجح عادةً في مسلسلات الكارتون.

حتى إذا ما كان الأمير تشارلز محاصرا بواسطة أعضاء كبار من العائلة المالكة من ناحية والأجيال القادمة التي تهدد بتخطيه من ناحية أخرى، فأنا لا زلت أشك في أن تشارلز نفسه ينتظر بفارغ الصبر أن يصبح ملكاً. فتشارلز مؤرخ وقرأ كتابات والتر باجيهوت، المنظر العظيم للدستور البريطاني (الغير موجود في الواقع).

هو يعلم أن دور الملك يمثل جزءاً تجميلياً أو شرفياً في الدستور. ما زلت لا أتوقع حدوث ذلك. وفقا لباجيهوت فإن الملك يتمتع بثلاث حقوق: "الحق في تقديم الاستشارات، الحق في التشجيع والحق في التحذير". تشارلز سيتمكن من التدخل، بمعنى أو بآخر، ولكن الواقع هو أنه كملك سيكون مقيداً أكثر من كونه أمير. فأمير ويلز-وهناك العديد من الأمثلة حول ذلك- يستطيع أن ينجو بأي فعلة ومع ذلك يبقى أميراً. فالأمير عملياً مطالب بإساءة التصرف. أما الملك على الجانب الآخر فهو مطالب بأن يتصرف بشكل ملكي. لا تتاح له الفرصة لكتابة الكثير من الخطابات سواء كانت مثيرة أو غيرها. فعلياً سيكون له قدر أقل من السلطة مما يملك الآن.

هل تشارلز جدير بهذه الوظيفة التي ليست في الواقع وظيفة؟ فتشارلز يريد أن يصبح ملكاً ولكنه يعلم أنه لن يكون ملكاً حتى ولو تولي منصب الملك. المحبب أكثر في تشارلز وما يعطي انطباعا عاماً هو أن تشارلز ما زال يبحث عن الشيء الوحيد الذي يجيده. لقد جرب تقريباً كل شيء ونجح ببراعة في مجال الفشل. وقد وصف الفيلسوف جون بول سارتر الرجل بأنه شخص لا يمثل حقيقته ويكون على غير هذه الحقيقة. ما زلت غير متأكدا مما يعنيه هذا على وجه التحديد ولكن من المؤكد أن الأمير تشارلز يقدم مثالاً واضحاً وبدرجة كبيرة على هذه الحالة المتناقضة غير المؤكدة.

خاض مرة تجربة هاملت -بشكل قصير- على المسرح مع شركة رويال شكسبير. لقد تفوه تقريباً بالعبارة الوحيدة التراجيدية الأكثر شهرة:" أكون أو لا أكون, هذا هو السؤال"- مركِّزاً بشكل جنوني على آخر كلمة. وتشارلز نفسه هو في الواقع سؤال أكثر منه إجابة، فهو لغز داخل الحالة الشاذة. ملك الفضاء اللانهائي أم جوهر الغبار؟

هو ليس واثقاً بشكل زائد. وفي إحدى المرات سأله أحد الأطفال "من أنت؟", فرد عليه قائلاً: "ليتني كنت أعرف"، وفقاً لوثائقي لجوناثان ديمبلي.  فهو أمير ذو مسحة من متلازمة الاحتيال. فهو بالرغم من كل شيء الوريث الواضح للعرش ويتخوف دائماً من أن يظهر الوريث الحقيقي ويأخذ مكانه. تشارلز يجعلني أفكر دائما في شخص هو ما بين بين، وتد مستدير داخل حفرة مربعة، ليس بالشيء ولا غيره ولكنه مع ذلك مستمر في بذل أقصى ما عنده والمحاولة دائماً بشكل لائق. ويجب أن تعترف أنه لا يكل من المحاولة.

مذكرات العنكبوت الأسود تم وصفها قبل ذلك بطريقة لا تنسى بأنها " مثيرة للجدل كما لو كانت النسخة الاحتياطية لمجلات الأطفال "ذا بينو" (بقلم ستيفن غلوفر في جريدة "ذا ميل"). ولكن يجب أن أعترف رغم ذلك بتعلقي السري بمجلة "ذا بينو". ونفس الشيء في ما يتعلق ببدلاته ذات الصدرية المزدوجة العظيمة وطريقته العتيقة في الكلام وكل ذلك في حالة شعور بالحنين إلى الماضي. ذلك يوضح لماذا لم يكن سينجح أبداً كراكب للأمواج- فهو يفضل السباحة عكس التيار السائد.

تشارلز الأول بالغ في ذلك وانتهى به الأمر بمتاعب كبيرة ولكن إذا أردنا أن نلقى الضوء على ملك شكّل سابقة جديرة بالتصديق فهو الملك كانوت الذي ثبت عرشه على الرمال وحاول أن يكبح جماح المد. ونعلم أنه أعطى اللوح الخاص به للأمير هاري الذي قام بدوره بركوب أمواج كورنوول. ربما سيتولى هو أيضا رئاسة جمعية ركوب الأمواج البريطانية.

تيري إيغلتون وصف أمير ويلز ذات مرة قائلاً أنه يريد للتغيير أن يكون جذرياً ليقضى على كل الملوثين والمهندسين المعماريين الذين يروجون للحداثة ولكن لا يقضي عليه هو نفسه. ولكن النقطة ليست في ما يريد أو ما لا يريد. إذا ما كانت الرأسمالية الحديثة تقوم بالكامل على "التدمير الإبداعي" فإن المبدأ الإقطاعي (ومبدأ توريث الابن الأكبر) الذي يمثله، يشكّل الوزن المضاد أو النقطة المضادة للعرضية أو سرعة الزوال، رمز للإصرار والمقاومة (حتى إذا ما كان ذلك غير عادل وسخيف بشكل واضح). في عصر المعلومات وعصر دونالد ترامب يبدو هو كشخص ليس مهيئ بشكل جيد للتغريد (على موقع تويتر) في منتصف الليل. ولكن من ناحية أخرى فهو يستطيع أن يتكلم عن موقع "جايا" والتواصل مع الأشجار بطريقة يخجل منها الزعيم العالمي المتوسط. 

هدف الأمير ينطلق من عدم قدرته على التوافق بشكل جيد مع الزمان والمكان. سواء بإرادته أو بدونها فقط أصبح يمثل كل هؤلاء (وذلك ينطبق على كل شخص في وقت أو آخر) الذين يشعرون بأنهم مرفوضون أن مستبعدون أو متروكون في البرد أو ينتظرون فقط أن يفتح الباب الذي يظل مغلقاً بكل عناد. أعماله الخيرية لصالح اللاجئين والهاربين من أقدارهم هي انعكاس لهذا الدور. قد يكون في الواقع أمير ولكنه ملك لعالم ضخم ومزدحم، مملكة الغرباء العظيمة والوحيدة.

© The Independent

المزيد من الأخبار