يحتفل العالم في الأول من يوليو (تموز) من كل عام بيوم النكتة العالمي، وهي مناسبة تتمحور حول الابتسام والضحك وتشجيع الناس على تناسي مشكلاتهم لوقت قصير، وكذلك مشاركة النكات ومقاطع الفيديو الفكاهية مع الآخرين والاستمتاع بها.
وأكد الباحثون أن الضحكة المنبعثة من القلب لها آثار علاجية فعالة على الجسم، فهي تحمي الأوعية الدموية وتعززها.
تاريخ النكتة
بدأ الاحتفال بيوم النكتة للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية على يد المؤلف والفنان الغرافيكي واين ريناجيل عام 1994 من خلال ترويج كتابه عن النكات الخاصة به، إلا أن النكات نفسها تسبق هذا التاريخ بمئات السنين، حيث أكد الباحثون أن المجتمعات المعاصرة للحضارات القديمة استخدموا النكتة الشفهية للتخفيف من مصاعب الحياة وأتعابها.
وتشير جامعة ولفرهامبتون إلى أن النكتة الأقدم في تاريخ البشرية تعود إلى عام 1900 قبل الميلاد، وهي نكتة سومرية عثر عليها على لوح طيني في موقع أثري جنوب العراق، وعلى شكل لغز يعلق بغازات البطن، وتقول، "ما هو الشيء الذي لم يحدث منذ الأزل؟ شابة لم تطلق الريح في حجر زوجها". أما ثاني أقدم نكتة وثقها التاريخ فتعود إلى الحضارة الفرعونية وتحديداً عام 1600 قبل الميلاد، وتقول، "هل تعرف كيف ترفه عن فرعون يشعر بالملل؟ سهلة، أبحر أسفل النيل بقارب مملوء بشابات ترتدين شباك صيد فقط، واطلب من الفرعون الذهاب واصطياد سمكة".
اشتهرت الحضارة اليونانية بكثرة فلاسفتها ومفكريها، وكذلك الرومانية التي غلب عليها الطابع الجدي، إلا أن الحضارتين لم تسلما من النكات، حيث ذكر الفيلسوف الأميركي جيم هولت في كتابه "Stop Me If You"ve Heard This"، والذي يتمحور حول تاريخ وفلسفة النكات، أنه في عصر فلاسفة أثينا كان هناك ناد مشهور بطرح النكات المضحكة، حتى إن حاكم مقدونيا حينها فيليبوس الثاني المقدوني كان يطلب من كاتبه تدوين نكات النادي ليستمتع بها في ما بعد، وهو ما تم بالفعل. إلا أن الكتاب فقد في عصور لاحقة. أما أقدم كتاب للنكتة ما زال موجوداً إلى يومنا هذا هو كتاب فيلوجيلوس، والذي يتكون من 264 نكتة يونانية قديمة تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد.
وأوردت الباحثة ماري بيرد في كتابها Laughter in Ancient Rome: On Joking، Tickling، and Cracking Up، أن بعض النكات التي أضحكت المجتمع الروماني ما زالت صامدة ومتداولة حتى يومنا هذا، ومنها "سأل حلاق زبونه: كيف تريدني أن أحلق لك، فرد الزبون: بصمت، والتي تشير إلى ثرثرة الحلاقين المزعجة أحياناً للزبائن". وتقول نكتة أخرى: "التقى الإمبراطور الرومي بشبيه له فسأله: "هل كانت والدتك تعمل في القصر؟ فأجابه الشبيه: لا، بل والدي"، وتم تداول هذه النكتة بنسخ مختلفة ليومنا هذا.
الفكاهة في الأدب العربي
لم تعاود النكتة الظهور في أوروبا إلا مع بدايات عصر النهضة الأوروبية على يد الإيطالي بوجيو، الذي اهتم بموضوع النكتة، ونشر كتابه عام 1451 بعنوان "الفكاهة" facetiae، وأورد فيه 273 نكتة جمع أغلبها خلال رحلاته العديدة. وظهر جلياً في كتاباته تأثره بالحكايات الشعبية العربية، لأن العرب من أكثر الأمم تقديراً للفكاهة، والأدب العربي زاخر بأشكال الفكاهة كالمزاح والهزل والتندر، وكذلك اللذع والتهكم والسخرية، والمكتبة العربية غنية بكتب فكاهية مثل كتب: "الحيوان" و"البخلاء" للجاحظ، إضافة إلى "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي، وكتاب "حكايات ألف ليلة وليلة" والمعروف قديماً بـ"أسمار الليالي للعرب مما يتضمن الفكاهة ويورث الطرب".
النكتة المعاصرة
ونجحت النكتة في الوجود بعالمنا اليوم، وتوسعت إلى مسارات تجارية، وانتقلت إلى شكل الكوميديا في عالم السينما عبر أفلام تجمع النكتة والضحك لتسلية المشاهد بنهاية سعيدة، وتحقق الكثير من التقييمات العالية والأرباح والجوائز، ولكن الفن الأكثر قرباً لعالم النكتة هو stand up comedy، فكما كان لليونانيين نادي نكات خاص بهم، يوجد اليوم أندية تقديم الفكاهة في أغلب عواصم العالم، حيث يؤدي الفنان الكوميدي مباشرة أمام المشاهدين، وهو يلقي النكت ويتحدث عن مواضيع أخرى بصورة ساخرة ومضحكة. وأصبح لهذا الفن محبوه وفنانوه المشهورون، حتى نجحت بعض المنصات الترفيهية في شراء حقوق بعض الفنانين الكوميديين لعرض برامج خاصة بهم تحقق ملايين المشاهدات والأرباح، أبرزهم الفنان كيفن هارت، جيري سينفلد، وديفيد شابيل.
رقمنة النكتة
تطورت النكتة من الشفهية والكتابية إلى الرقمية حتى تتناسب مع العالم الافتراضي، وأصبحت تعرف اليوم باسم "الميمز"، ومفهوم هذا المصطلح أنه عبارة عن صورة مركبة أو فيديو قصير مع تعليق ساخر.
ظهرت "الميمز" للمرة الأولى على منصة "فيسبوك"، وسرعان ما باتت جزءاً لا يتجزأ من عالم التواصل الاجتماعي، فلا يحتاج كاتبها إلى كتابة طويلة لإضحاك الآخرين، وإنما بمجرد نقرة واحدة قد تتحول هذه meme إلى ترند عالمي يتداوله الملايين، وباتت وسيلة شبابية للتعبير عن ردود هزلية ومضحكة.
ضحك من دون نكتة
ويعيش الإنسان المعاصر في اليوم الواحد تحت ضغوط الدراسة والعمل، وهذا بالتأكيد يؤثر بشدة على الحالة النفسية والعقلية، لذا يشجع الخبراء الصحة على أهمية الضحك والابتسامة للترويج عن النفس وبث الطاقة الإيجابية. وبما أن الضحك لا يأتي في الغالب من دون موقف هزلي أو نكتة، فإن هناك علماً آخر يشجع على الضحك عبر تمارين اليوغا والتدريب الفكاهي، حيث يبدأ معلم اليوغا التحفيز على الضحك الحر بتمارين الابتسام والتنفس التي تشبه الضحك، وبعد فترة تتحول الضحكة المصطنعة إلى ضحكة طبيعية... ولأهمية الضحك على صحة الإنسان، ربما على الإنسان الضحك أحياناً بأي طريقة حتى من دون طرح النكتة.