Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاتجار بالبشر فضيحة عالمية تتطلب الاهتمام والمعالجة

يتوجب على الحكومات كبح تلك القسوة عبر وقف مسار تفريغ التشريعات من محتواها والتصدي لقانون العمل الذي يعيق مكافحة الاستغلال

نصف من يجري الاتجار بهم يعملون بالسخرة (غيتي)

يصادف الأسبوع الجاري "اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر" الذي يحاول لفت الأنظار إلى ضحايا هذا السلوك الذي تعتقد "منظمة العمل الدولية" أن عددهم يزيد على 40 مليون إنسان كل عام.

تفاقمت تلك الفضيحة العالمية خلال تفشي الجائحة مع ازدياد حالات التسريح الجماعية من العمل، وإغلاق الحدود، وارتفاع مستوى عدم المساواة بين الناس. وبالاختصار، إن الاتجار بالبشر قضية تتعدى مجرد تحديد المجرمين والقبض عليهم، بصرف النظر عن مدى أهمية ذلك. إذ تُجسّد فشل السياسات التي تخلق التفاوت بين الناس، وتقيّد نقابات العمال، وتتخلى بشكل كامل عن قوانين العمل، وتتخذ المهاجرين كبش فداء، وكذلك تغلق الباب في وجه الناس ممن يبحثون عن الأمان.

تتجلى تلك التباينات المجحفة بطرق لا حصر لها. والأرجح أن كثيرين منا قد لا يفكروا في النقل كصناعة ينمو في كنفها الاتجار بالبشر. في المقابل، أن نصف الأشخاص الذين يجري الاتجار بهم حول العالم يعملون بالسخرة، ويشتغل 16 مليون شخص في الأقل ضمن القطاع الخاص رسمياً.

في هذا السياق، سلّط "الاتحاد الدولي لعمال النقل" في الأسبوع الحالي الضوء على حجم المشكلة في خطوط الشحن والنقل البري التي بتنا نعتمد عليها بصورة متزايدة في ضمان وصول الموارد المختلفة إلى عتبات بيوتنا أثناء الجائحة، وكذلك التأثير المتفاوت لتلك الأزمة الآخذة بالتفاقم على العاملات والعمال المهاجرين. وركّز الاتحاد أيضاً على محدودية الإجراءات العملية التي تتخذها الحكومات حيال تلك القضية. ويأتي ذلك في وقت يعمل "المجلس العالمي للسفر والسياحة" على معالجة آفة الاتجار بالبشر في مجالات السفر والسياحة.

وتبعث على الكآبة قراءة ذلك التقرير الذي أصدره "الاتحاد الدولي لعمال النقل" في عام 2020 حول النقل البري. إذ يقدّر أن عشرات الآلاف من سائقي الشاحنات قد استُدرِجوا تحت ذرائع كاذبة إلى القدوم من دول شتى موزعة من أوكرانيا إلى الفيليبين، للعمل في دول الاتحاد الأوروبي، وجرى تشغيلهم بموجب عقود عمل صادرة في أوروبا الشرقية غالباً ما تكون مكتوبة بلغات يجهلونها على الرغم من أنهم يعملون بشكل حصري في أوروبا الغربية. ووجد الاتحاد أن هناك سائقين قد تعرضوا للتهديد بالعنف لأنهم اشتكوا من سوء ظروف الصحة والأمان أو نقص الحماية من "كوفيد" أو عدم دفع الأجور. وعثر الاتحاد أيضاً على سائقين يعيشون وينامون في سياراتهم منذ أشهر من دون أن يستطيعوا استعمال مرافق أساسية كالحمامات والمراحيض، وسائقين تُركوا من دون أجر ولا رعاية صحية كافية حين أجبرهم المرض على التوقف عن العمل. ويستمر اقتصادنا في الإبقاء على التعمية عن ذلك الاستغلال الشديد.

وفي البحر، أدت الجائحة إلى تقطّع السبل بمئات الآلاف من عمال النقل البحري على متن سفنهم في الموانئ، عاجزين عن مغادرة سفنهم أو العودة إلى أوطانهم. وخلق هذا الوضع بيئة خصبة للاستغلال المفرط. وقد وثق تقرير صادر من "منظمة العمل الدولية" كيف أدت "أزمة تغيير الطاقم" مباشرة إلى رواج العمل بالسخرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في تلك الأثناء، ترد تقارير عدّة تنسجم مع بعضها بعضاً من دول تمتد من إيرلندا إلى تايلاند، حول الاتجار بالعمال المهاجرين في صناعة صيد السمك، ممن يشتغلون في نوبات طول الواحدة منها 20 ساعة يومياً على امتداد أسبوع كامل، من دون تجهيزات طبية وأدوية وطعام على متن سفن الصيد. وفوق هذا كله، يُحرم هؤلاء العمال من أجورهم بشكل منتظم. وبطبيعة الحال، إن تلك الأمور كلها غير قانونية. بيد أن العمال في مصائد الأسماك تلك ممنوعون من تشكيل نقابات لهم. وإذ لا يُسمح للعمال بتنظيم أنفسهم والسعي إلى إيجاد ظروف عمل يستحقونها، فمن المؤكد أن كل انتهاك للسلطة أكان صغيراً أم كبيراً سيتمخض عنه استغلال العمال.

تستطيع المنظمات العمالية إذا أُتيح لها أن تشتغل بحرية من دون عوائق، أن تؤدي دوراً مهماً في تسليط الضوء على الزوايا المظلمة للاقتصاد العالمي، والتخلص من الاستغلال. ويجب على الحكومات وأرباب العمل أن يتعاونوا مع النقابات في توفير فرص التدريب داخل أمكنة العمل لعمال النقل باعتبارهم يمثلون "المستجيبين الأوائل" المحتملين بالنسبة لضحايا الاتجار بالبشر (أي العمال والركاب معاً)، والاعتراف على نطاق واسع بالدور الذي تؤديه النقابات في سبيل وضع حد لتلك الانتهاكات.

ينبغي بالحكومات أن تضع حداً لعملية تجريد التشريعات من محتواها، وتقييد قانون العمل الذي يعرقل المحاولات الرامية إلى مكافحة الاستغلال، بل أن تعكس مسار الأمرين كليهما أيضاً. ويتوجّب عليها أن تتحمل مسؤولية الناس الذين علقوا في فخ عصابات الاتجار بالبشر، وتنهي الحرب على المهاجرين، وتقدم التعويضات والدعم إلى الضحايا والناجين بدلاً من ذلك. ونحتاج قبل كل شيء إلى اتخاذ إجراءات ملموسة في معالجة الموجة المتصاعدة من التفاوتات الكبيرة ضمن الدولة الواحدة وبين دولة وأخرى، بالتالي وضع حد للظروف التي تؤدي إلى وجود الضعف والاستغلال في المقام الأول.

لقد أُطلِقَ كلام كثير عن "إعادة البناء بشكل أفضل" (بمعنى أن تُستخدم مراحل التعافي والتأهيل وإعادة الإعمار بعد الكوارث، في زيادة قدرة الأمم والمجتمعات على الصمود في المستقبل)، في أعقاب الجائحة. وبصورة منتظمة، أسمع السياسيين يتحدثون عن مدى فضح الجائحة لمواطن الضعف في اقتصادنا ومجتمعنا، وتلك مناحٍ يتوجب معالجتها. في المقابل، تبقى تلك الكلمات بلا معنىً يُذكر إذا لم ندرس بشكل جدي طبيعة نقاط الضعف تلك، وأسبابها وكيفية معالجتها.

ويصلح "اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر" مناسبة للتفكير في معالجة بعض أسوأ أنواع القسوة وأقلها بروزاً، وكذلك للاعتراف في الوقت نفسه بوجود عدد من الحالات المألوفة واليومية في استغلال العمل وانتهاكاته. ويتطلب ذلك كله استجابة على شكل رؤية تقدمية بعيدة المدى وواسعة النطاق، عن عالم لائق أكثر من حالته الآن.

* جيرمي كوربين عضو في مجلس العموم عن دائرة "إيزلسنغتون نورث" الانتخابية وزعيم سابق لحزب العمال.

© The Independent

المزيد من آراء