حذّر بنك التسويات الدولية من أن الاقتصادات الرائدة تقترب من "الانقلاب" إلى عالم يتسم بارتفاع معدلات التضخم، إذ إن الزيادات السريعة في الأسعار أصبحت أمراً طبيعياً، تهيمن على الحياة اليومية ويصعب إخمادها. وفي تقريره السنوي، قال البنك، وهو الهيئة المؤثرة التي تدير الخدمات المصرفية للبنوك المركزية في العالم، إن هذه التحولات إلى بيئات التضخم المرتفع نادراً ما تحدث، ولكن كان من الصعب للغاية عكسها، وأضاف أن العديد من الاقتصادات قد شرع بالفعل في هذه العملية، وأوصى البنوك المركزية بضرورة عدم الخجل من إلحاق آلام قصيرة الأجل وحتى الوقوع في الركود لمنع أي تحرك نحو عالم يتسم باستمرار التضخم المرتفع. وقال أوغاستين كارستينس، المدير العام لبنك التسويات الدولية بحسب "فايننشيال تايمز"، "المفتاح للبنوك المركزية هو التصرف بسرعة وحسم قبل أن يترسخ التضخم".
وكانت قد بدأت البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم في رفع أسعار الفائدة بسرعة استجابةً لارتفاع التضخم، مع قيادة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، لكن الإجراء الذي تم اتخاذه حتى الآن لا يرضي بنك التسويات الدولية.
صدمة تضخمية بطبيعتها
وقال البنك في تقريره إن هناك صدمة عميقة "تضخمية بطبيعتها" ضربت العالم من ارتفاع أسعار السلع الأولية، واختناقات سلسلة التوريد والنقص الناجم عن الهجوم الروسي على أوكرانيا. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي تلحظها الأسر أكثر من غيرها، ما يعزز بروز ارتفاع الأسعار.
وقال كارستينس إنه ربما نكون قد وصلنا إلى نقطة تحول، ينتشر بعدها التضخم ويترسخ. وذكر التقرير أن هذا يعني نقلة نوعية كبيرة، وأضاف "مثل هذا التحول يعني ترك عالم كانت الأسعار فيه مستقرة بشكل عام، بعض الأشياء تصبح أرخص والبعض الآخر أكثر تكلفة"، وقال إنه في هذا العالم اللطيف، تمكنت البنوك المركزية من تجاهل الارتفاعات المؤقتة في أسعار النفط أو الغاز الطبيعي لأن "التضخم على مستوى الاقتصاد [أقل] ملحوظاً [و] أقل أهمية أيضاً"، وأشار إلى إنه بعد الانتقال إلى فترة تضخم عالية ، "تصبح تغيرات الأسعار أكثر تزامناً ويكون التضخم أكثر من نقطة محورية لسلوك الوكلاء الاقتصاديين، ويمارس تأثيراً كبيراً عليها".
الاقتصادات الرائدة
وكان التضخم قد بلغ أعلى مستوياته منذ عقود عدة في العديد من الاقتصادات، بما في ذلك الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة. وكان البنك قلقاً من اقتراب الاقتصادات الرائدة في أميركا الشمالية وأوروبا والعديد من الأسواق الناشئة من نقطة اللاعودة، ولاحظ المستهلكون ارتفاع الأسعار، وأصبحت الزيادات الكبيرة واسعة النطاق في معظم السلع، ومن شأن انخفاض الأجور الحقيقية أن يولد محاولات لتعويض الخسائر. وقال بنك التسويات الدولية إن تجاهل ارتفاع الأسعار لم يعد منطقياً بالنسبة للمستهلكين، ما عزز خطر التحول إلى عالم يتسم بارتفاع معدلات التضخم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "ارتفاع التضخم أصبح نقطة محورية لسلوك الوكلاء، وتميل الأنماط السلوكية إلى تعزيز التحول"، وتوقع أن تكافح الشركات لمنع تقلص هوامش الربح وأن يدافع العمال عن أجورهم، وأضاف أن مدة معظم العقود تميل إلى الانكماش لأن الأطراف على الجانبين لا تستطيع ضمان مستويات الأسعار في المستقبل.
صعوبات التضخم
ولخفض التضخم، قال البنك، "سيكون بعض الألم حتمياً"، لكنه قال في نهاية المطاف إن صعوبات التضخم الراسخ "تفوق بكثير الصعوبات قصيرة الأجل المتمثلة في إخضاعه للسيطرة". وأبلغ البنوك المركزية الأعضاء فيه، "هذا يضع علاوة على الاستجابة السريعة والحاسمة"، حتى لو لم يكن أي منها على يقين من أنها انتقلت إلى بيئة عالية التضخم.
وأضاف البنك، "الأولوية القصوى هي تجنب الوقوع خلف المنحنى، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى تعديل أكثر حدة وقوة. وهذا من شأنه أن يضخم التكاليف الاقتصادية والاجتماعية للسيطرة على التضخم".