Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكراسي المتحركة ترقص الدبكة في غزة

يتكون الفريق من خمسة شباب من ذوي الإعاقة الحركية

أخذت الموسيقى تعلو تدريجاً، وبدأ المغني الفلسطيني محمد عسّاف يصدح بصوته "يا حلالي ويا مالي ع الديرة طلّوا الخيّالي". على إيقاع تلك الأغنية الشهيرة، تمايلت عبير الهيرقلي وهي ترقص الدبكة الشعبية الفلسطينية، وبإشارةٍ سريعةٍ من المشرف على التدريب، تحركت برفقة سربٍ من الكراسي المتحركة إلى منصة عرض البروفة.

أمسكت عبير كرسيّها المتحرك، الذي لازمته 25 عاماً، وبكلّ قوّتها دفعت عجلاته إلى أن وصلت إلى المكان المحدّد لها. تجوّلت في نظرها. الصف اكتمل. خمسة من ذوي الإعاقة الحركية يصطفّون على المنصة لأداء أوّل عرضٍ للدبكة لذوي الكراسي المتحركة.

مهارات

عسّاف أخذ يصدح بصوته الشجيّ أكثر "مين طلّ بأوّلهم"، وكأنّ تلك الكلمات صيغت خصيصاً لذلك المشهد: في المقدمة كرسيّان متحركان لفتاتين من ذوي الإعاقة الحركية تمتلكان من الإرادة وحبّ الحياة الكثير، وخلفهما شابان من الحالة نفسها.

إيقاع تصفيق ذوي الإعاقة أثناء الرقص كان متناغماً مع ضربات الطبل في الأغنية. وعلى نغماتها التي حفظها أعضاء الفريق، يتنقلون من مكانٍ إلى آخر، وينوّعون حركات أجسادهم، بما يتماشى مع قدراتهم الحركية، التي لا تحدّها أيّ قيود.

وإن كانت الدبكة الشعبية الفلسطينية تحتاج إلى مهاراتٍ حركية عالية، وخفّة في التنقل، واستخدام الأقدام كأهم عنصرٍ لرقص ذلك الفلكلور، إلا أنّ ذلك لم يكن عائقاً أمام فريق ذوي الاحتياجات الخاصة، واستطاعوا تطويّع الكراسي المتحركة لتكون بدل أقدامهم التي حرموا من استخدامها نتيجة إعاقتهم.

تعويض الأقدام

وبعد تدريبٍ استغرق عدّة أسابيع، تمكن ذوو الإعاقة الحركية من التحكم بالكراسي المتحركة، واستطاعوا تعلّم حركات الأقدام في الدبكة العادية، وتعويضها بحركاتٍ في كراسيهم. فأصبح باستطاعتهم رفع العجلة عن مستوى الأرض وإعادة إنزالها، على اعتبار أنّها الطرف البديل لأقدامهم.

وتتميّز الدبكة بحركاتٍ منظّمة وموحّدة بين الراقصين، تتنوع ما بين هزّ الكتف أو التلويح باليد أو تحريك الكرسيّ، ولكلٍ حركة من هذه الحركات معنىً وطنياً.

والدبكة الفلسطينية لا تبتعد عن هموم النّاس، وتحمل حركاتها رسائل. إذ تشتبك الأيدي خلال أدائها كدليل على الوحدة والتضامن، وتضرب الأرجل بالأرض دلالة على العنفوان والرجولة، وترافقها أغان تعبر عن عمق الانتماء للأرض الفلسطينية التي يحبها هؤلاء الراقصون، وفيها الترحيب بالعائد من السفر ومداعبة الطفل وذكرى الحبيب، وذكر أوصافه وجماله وخصاله، وفيها الفخر والحماسة.

إرادة قويّة

"لم تكن فكرة إنشاء فريق دبكة لذوي الاحتياجات الخاصة مستحيلة من وجهة نظر أصحاب الإعاقة الحركية، ولكنّها كانت شبه مستحيلة من وجهة نظر الأصحاء، وكان الجميع يسأل كيف يمكن حدوث ذلك؟"، تقول عبير صاحبة الفكرة.

أرادت عبير أن تدمج الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع. تضيف "هدفنا أن نوصل رسالة بأننا أقوياء ولنا بصمة في كلّ مجال، ولا مستحيل طالما أن هناك إرادة. وغرابة الفكرة كانت حافزاً قوياً عند أعضاء الفريق، الذين أصروا على كسر الأفكار التقليدية".

ويقول راقص الدبكة هاني فطاير، الذي يشرف على التدريب، "لم أشعر بنقص في المتدربين، وكانت الهمة لديهم عالية جداً، وفي فترات قياسية تمكنوا من إتقان حركات الدبكة. هذا مؤشر مهم على الطاقة التي يحملها ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي تحتاج إلى استثمار".

الإرادة القويّة لفريق ذوي الإعاقة جعلته يقدّم عروض رقص أمام جمهور محليّ ودولي. كما يفكر الفريق بدمج أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة مع أشخاص أصحاء، لتقديم عروض وفقرات فنيّة مشتركة لتحقيق الوعي لدى المجتمع بأن أشخاص ذوي الإعاقة قادرون على كل شيء، وهم جزء من المجتمع.

موسوعة غينيس

أمنيات الفريق كثيرة ولا حدود لها، لكن أبرزها أنّ يكون لديهم أكاديمية للدبكة على الكراسي المتحركة تضم فريقاً كبيراً، بإشرافٍ حكومي لتوفير مستلزمات العمل. ويحلم الفريق في تقديم عروض خارج قطاع غزّة لتوصيل رسالة إلى المجتمع الدوليّ بأنّ ذوي الإعاقة قادرون وليسوا عاجزين. كذلك، يسعون إلى الدخول في موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأوّل فريق دبكة من ذوي الإعاقة الحركية.

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإنّ هناك 127 ألف حالة من ذوي إعاقة في قطاع غزّة، وهم يشكلون نسبة 7 في المئة من إجمالي السكان. وتشير البيانات الإحصائية إلى ارتفاع في نسبة الأفراد ذوي الصعوبات خلال السنوات العشر الماضية، بسبب ازدياد الاعتداءات الإسرائيلية.

ويولي القانون الأساسي الفلسطيني أهمية كبيرة لذوي الإعاقة، فيلزم المؤسسات الحكومية والرسمية بتشغيل ما لا يقل عن نسبة 5 في المئة من كادرها الوظيفي من ذوي الاحتياجات الخاصة. أما في القطاع الخاص فلا يمكن حصر العدد أو التأكد من مدى الالتزام.

المزيد من فنون