Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النفط بين الاستقرار والانفجار

وجود ركود اقتصادي مع ملء الصين وغيرها المخزون الاستراتيجي قد يسهم في ضبط الأسواق بشكل أفضل

"أوبك+" اتخذت قراراً استثنائياً بتسريع إنهاء اتفاقية الإنتاج في محاولة لزيادته بوتيرة أسرع    (أ ف ب)

شهدت أسواق الطاقة تطورات مهمة في الأسبوع الماضي نتج عنها عنوان مقال اليوم. ففي الوقت الذي اتخذت فيه "أوبك+" قراراً استثنائياً بتسريع إنهاء اتفاقية الإنتاج في محاولة لزيادته بوتيرة أسرع، استمرت الولايات المتحدة في السحب من المخزون الاستراتيجي، ثم جاءت تصرفات دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة مؤججة لأسواق النفط وللأوضاع السياسية أيضاً. في الوقت نفسه بدأت الصين في إنهاء عمليات الإغلاق، الذي قد ينتج عنه ارتجاع الطلب على النفط.  

ففي اجتماع قصير يوم الخميس الماضي قررت دول "أوبك+" أن تنهي اتفاق الزيادة التدريجية لسقف الإنتاج في نهاية أغسطس (آب) بدلاً من سبتمبر (أيلول). هذا التقديم يعني تقسيم الزيادة التي كانت مقررة في سبتمبر (432 ألف برميل يومياً)، على يوليو (تموز) وأغسطس. ومن ثم إضافة 216 ألف برميل يومياً إلى الزيادة المقررة في كل شهر (432 ألف برميل يومياً)، فكان المجموع 648 ألف برميل يومياً.

نتج قرار "أوبك+" عن مزيج من العوامل السياسية والاقتصادية. فالرئيس بايدن ظهر وكأنه حقق ما يريد من دول الخليج، بينما تم تكييف الأرقام لتتناسب مع اتفاقية "أوبك+".  إلا أن أثر قرار أوبك في الأسواق محدود جداً، الأمر الذي يجعله سياسياً أكثر منه اقتصادياً، وذلك للأسباب التالية.

1 - بايدن يريد تخفيض أسعار البنزين. ومشكلة البنزين في عدم قدرة المصافي على تكرير كميات إضافية، لهذا يتم تصدير أغلب ما يتم سحبه من المخزون الاستراتيجي النفطي الأميركي، وهو نفط خام. إضافة إلى أن زيادة دول الخليج لإنتاج النفط لن تؤثر في أسعار البنزين، ليس بسبب المصافي فقط، ولكن لأن وصول هذا النفط إلى الأسواق، إن تم تصديره، سيكون في آخر الصيف، بعد فترة موسم السفر الذي يزيد الطلب على البنزين.

2 - كمية الإضافة الحقيقية للإنتاج بسيطة لأنها ستأتي من دولتين أو ثلاث فقط، وهي السعودية والإمارات والعراق.

3 - علينا أن نفرق بين الإنتاج والإمدادات. زيادة الإنتاج في يوليو وأغسطس لا تعني بالضرورة زيادة الصادرات. وهذا يعني ارتفاع أسعار النفط أو على الأقل منعها من الانخفاض.

4 - حتى على الصعيد السياسي سبّب القرار مشكلة، وهي أن متحدثة البيت الأبيض صرحت خلال دقائق من انتهاء الاجتماع بتصريح طويل نسبياً ويتضح أنه معد مسبقاً، امتدحت فيه قرار "أوبك+" والسعودية، الأمر الذي أجج مشاعر الجمهوريين، وردوا على ذلك، ليس بسبب قرار "أوبك"، وإنما نكاية في بايدن. بعبارة أخرى، تسيييس إدارة بايدن لقرار "أوبك" في الولايات المتحدة انعكس سلباً عليه وعلى دول "أوبك"، خصوصاً في ظل الأخبار عن زيارة محتملة لبايدن للسعودية، التي أعلن تأجيلها في ما بعد.  باختصار، أثر هذه الزيادة محدود، إن وجدت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فنزويلا وإيران

ويبدو أن إدارة بايدن أدركت أنه لن يكون هناك إمدادات كافية من النفط لأوروبا، فسمحت لشركتين أوروبيتين هما "إني" و"ريبسول" بتصدير النفط الفنزويلي إلى أوروبا، على الرغم من وجود عقوبات أميركية على فنزويلا.  المثير في الأمر أن الأخيرة بحاجة إلى مكثفات، وهي مواد نفطية مميعة، لخلطها مع النفط الثقيل كي يمكن نقله وشحنه، وهذه المواد تحصل عليها فنزويلا من إيران.

وأفادت تقارير صحافية، الأحد الماضي، بأن إدارة بايدن ستستمح لإيران بتصدير النفط إلى أوروبا، على الرغم من الحظر الأميركي والأوروبي على طهران.

المشكلة أن أي صادرات فنزويلية أو إيرانية ستكون على حساب الدول الآسيوية، ومن ثم ستزيد المنافسة عالمياً على الإمدادات نفسها، وسترتفع الأسعار. باختصار، إدارة بايدن تلعب بالنار، وسياساتها الهادفة لتخفيض أسعار البنزين ستؤدي عكس ذلك تماماً.

الضرائب الاستثنائية على أرباح شركات النفط

قررت بريطانيا فرض ضرائب استثنائية على أرباح شركات النفط العالمية في بريطانيا لتمويل الإعانات المقدمة للمواطنين. وقدرت الحكومة أنها ستجني نحو 5 مليارات جنيه استرليني سنوياً. وتدرس إدارة بايدن القيام بخطوة مماثلة، خصوصاً بعد إعلان كبار سياسيي الحزب الديمقراطي دعمهم لهذه الخطوة. 

النتيجة الحتمية لفرض ضرائب استثنائية وتحويلها لدعم البنزين هي استمرار أسعار النفط بالارتفاع لأنه سيجبر الشركات على تحويل استثماراتها إلى أماكن أقل كفاءة، وسيرفع تكاليف الشركات، وسيمنع انخفاض الكمية المطلوبة على النفط. كما أنه سيزيد من اعتماد بريطانيا والولايات المتحدة على زيادة الاعتماد على النفط المستورد.

المثير في الأمر أنه، كما حصل في الماضي، ستقوم الحكومات بإنفاق الأموال المتوقع جنيها سلفاً، ولكنها لن تحصل على هذه الأموال من الشركات لأن الشركات ستتبع سياسات عدة لتخفيض الضرائب أو إلغائها تماماً.

بايدن والمصافي

ارتفعت أسعار البنزين والديزل في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية في الفترات الأخيرة.  ويعود أغلب هذا الارتفاع إلى ندرة البنزين والديزل، وليس إلى ندرة النفط الخام. المشكلة في المصافي الأميركية التي لم تستطع حتى الآن العودة إلى مستويات تشغيل ما قبل كورونا.  وأحد أهم الأسباب هو القوانين البيئية الصارمة التي سنها الديمقراطيون منذ عهد أوباما والآن.

وفي محاولة لتخفيض أسعار البنزين، أشارت إدارة بايدن إلى أنها ستشجع إعادة فتح المصافي المغلقة، ولكنها تجاهلت أمرين، الأول أنه لماذا تم إغلاق هذه المصافي أصلاً؟ والأخير أنه تم تحويل بعضها لإنتاج الديزل الحيوي، ومن ثم لا يمكن تحويلها إلى ما كانت عليه. باختصار، لا تستطيع إدارة بايدن حل مشكلة ارتفاع أسعار البنزين والديزل بسهولة.

الركود الاقتصادي

كل ما ذكر أعلاه يدعم بقاء أسعار النفط المرتفعة بطريقة أو بأخرى. إلا أن حدوث ركود اقتصادي سيلقي بظلاله على أسواق النفط ويخفض الطلب، ومن ثم يرفع مستوى المخزونات، ويخفض أسعار النفط. في ظل المعطيات المذكورة أعلاه، يبدو أن الركود الاقتصادي هو أهم عامل الآن في إحداث نوع من الاستقرار في أسواق النفط، بخاصة أن الصين وغيرها ستستغل هذه الفرصة لملء المخزون النفطي الاستراتيجي. بعبارة أخرى، وجود حالة ركود اقتصادي مع قيام الصين وغيرها بملء المخزون الاستراتيجي قد يسهم في استقرار الأسواق بشكل أفضل مما لو استمرت أسعار النفط في الارتفاع.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء