يشهد الرأي العام في إقليم كردستان العراق منذ أيام، سجالاً حامياً حول تعدد الزوجات، عقب الإعلان عن اقتران زعيم "جماعة العدل" الإسلامية المعارضة، علي بابير، بزوجة رابعة تصغره بعقود، بين طرف مؤيد يعتبرها حالة "مجازة شرعاً" وآخرين يرون استحالة تحقيق العدل بين الزوجات والمشروط وفق النصوص الدينية.
وتداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مقطعاً مصوراً يظهر فيه بابير واقفاً مع امرأة شابة، قيل إنها زوجته الرابعة، وتبلغ من العمر 26 عاماً وتصغره بنحو 35 سنة، وأن اثنتين من زوجاته ما زالتا على قيد الحياة، فيما توفيت الأولى.
ودفعت ردود الأفعال الواسعة نجل بابير، ويدعى شريف، إلى الإعلان عن صحة النبأ عبر حسابه في "فيسبوك" قائلاً إن "أي فرد ينظر بعين الشك والاستغراب إلى الشرع وسنة الله ورسوله عليه أن يعلم بأنه فاقد للإيمان". وأوضح، "لدينا عديد من العبيد ينظرون بعين الرضى والحلال لما يقوم به أسيادهم القادة والمسؤولون من أعمال الفجور ليلاً ونهاراً، لكننا نجدهم يتطاولون على الزواج الشرعي". وأعرب لاحقاً في لقاء عن "أمله في أن يتمكن والدي بعد عمر طويل من إتمام السنة النبوية ليكون لديه أربع زوجات". وقلل من الاعتراضات على فارق العمر بين والده وزوجته بالقول، "هذا ليس بجديد، كما أنه ليس محصوراً بالمسلمين، انظروا للفارق بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وزوجته، وكذلك الحال مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون".
شروط وقيود
وتزامن ذلك مع احتفال بابير بالذكرى الـ21 لتأسيس حزبه، وقال في كلمة خلال مهرجان ديني، إن "أي شعب أو مجتمع تمسك بالقرآن علا شأنه، وأولئك الذي عملوا ضده كان مصيرهم مزبلة التاريخ". وحمل "السلطة العلمانية في إقليم كردستان مسؤولية تدهور المجتمع، لكننا نعتبر أنفسنا مسؤولين عن إصلاحه".
أما القيادي في "جماعة العدل" عبد الستار مجيد فأكد أن بابير "لم يكن يسعى للزواج مرة أخرى، لكن الفتاة أهديت له، وقرر الاقتران بها مراعاة لذلك".
وتفرض القوانين في الإقليم قيوداً على تعدد الزوجات، حيث أدخل برلمان الإقليم في عام 2008 تعديلات على قانون الأحوال المدنية العراقي رقم 188 لعام 1959، وبموجبها يلزم من يرغب بالزواج من امرأة ثانية إقرار زوجته الأولى بالموافقة أمام القاضي، بعد تقديم مبررات منطقية كأن تكون مصابة بمرض مزمن يمنعها من أداء واجبها الشرعي، أو أن تكون عاقراً، وأن يكون الزوج قادراً من الناحية المادية على إعالة أكثر من زوجة، ويوقع على تعهد خطي بأن يتعامل مع زوجتيه بالعدل، وأن يخلو عقد زواجه الأول من أي شرط يمنعه من الزواج بأخرى". كما تفرض القوانين أن يقدم باحث اجتماعي ولجنة طبية تقريراً حول توفر الشروط بالمتقدم للزواج، في حين تمنح الحق للزوجة الأولى تقديم طلب الطلاق من دون شروط.
وسبق لبابير أن أثيرت حوله "إشاعات" لاقترانه بزوجة جديدة كان آخرها أواخر العام الماضي، وقبلها في عام 2013، وكذلك في عام 2009. كما سبق وأثار قياديان من حزبه ردوداً وسجالات مماثلة لاقترانهما بزوجة ثانية.
استغلال الشريعة
وتصدر نبأ الزواج الرابع لبابير مواضيع الحوارات في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث علقت الباحثة جومان هردي بالقول، إن "هناك من يعتقد بما أن الرجل الغربي أو العلماني يمكنه شراء وبيع أجساد النساء وارتكاب الخيانة، لذا لا يمكننا نحن أن ننتقد أحد قادتنا لزواجه من الرابعة، والبعض يتذرع بأن طبيعة وتكوين الرجل تمنحه القدرة للارتباط بأكثر من امرأة، وإن عدم اقترانه بأكثر من امرأة لإشباع رغباته سيدفعه إلى ارتكاب الزنى في الخفاء، وعليه يجب أن يمنح له الحق بالزواج شرعياً، وهذا افتراض لا صحة له، هؤلاء يعتقدون أنه لا خيار آخر أمامه، فإما الخيانة أو الزواج بأكثر من امرأة"، مبينةً أن "هذه النظرة تعد استخفافاً بالرجل بكونه شهوانياً وضعيفاً يعجز عن التحكم بشهواته، وهذه كذبة كبرى لأن هناك آلافاً من الرجال لا تنطبق عليهم هذه الصفات". وأشارت إلى أن "التذرع بكون الرجل غير قادر على التحكم بشهواته يمنحه العذر لارتكاب الخيانة والتحرش، أما هؤلاء الذين لا يكتفون بامرأة واحدة فإن حالتهم لا تعالج عبر الممارسة الجنسية، بل عبر خلق علاقة روحية مع المرأة".
من جهته، قال والد زوجة بابير، "تزوجت ابنتي بكامل إرادتها وقناعتها وتمنيت لهما حياة سعيدة، فلا داعي للناس أن تتدخل في شأنهما". كما أكد عضو مجلس "الدعوة والتربية" في الحزب، صباح قارماني أن "بابير تزوج بموجب الشرع الإسلامي وبرضى الفتاة وأهلها، وجرى ذلك بشكل معلن. صحيح أن هناك فارقاً كبيراً في السن بينهما، لكن الفتاة في النهاية بالغة، وقد أهداها أهلها برغبتها للسيد بابير".
من جانبه، صرح رجل الدين محمود ازادي وهو مقرب من بابير، إن "تعدد الزواج مسألة شرعية، والمرأة التي تزوجها بابير امرأة بالغة، وليست طفلة كما أشيع وهي صاحبة القرار". وأضاف ازادي الذي ترأس سابقاً مكتب العلماء في حزب بابير أن "الفارق العمري لا يخالف الشرع فلماذا كل هذه الضجة؟ فالزواج تم برضى الطرفين، ولا حاجة لإلقاء كل هذا اللوم والنقد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تباين في التفاسير
ويرى القانوني الباحث في الأديان وتاريخ الحضارات يونس راوي، أن "تعدد الزوجات غير مسموح به في الإسلام بناءً على الآية التي تقول، ’فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة’، أي بمعنى أن هناك شرطاً في حال لم تحققوا العدالة بين اليتامى، وإذا شعروا بأنهم لن يكونوا عادلين فلا يحق لهم سوى زوجة واحدة، وهذه الآية واضحة فرضت شرطاً قاسياً في مسألة تعدد الزوجات ألا وهو تحقيق العدل". وتساءل "هل يمكن تحقيق العدل بين الزوجات، هنا يجيب القرآن بالقول، ولن تستطيعوا أن تعدلوا بین النساء ولو حرصتم"، وهذا معناه أن "القرآن ألغى الشرط الذي وضعه لتعدد الزوجات، بحيث لا يمكن للرجل أن يكون عادلاً مطلقاً".
وأوضح راوي أن "المعضلة الكبرى هي أن المفسرين والمحدثين والكهنة يذكرون فقط الآية الأولى، لكن ماذا عن الآية الثانية، وهذا يدل على أنهم غالباً ما يفسرون الآيات وفق شهواتهم وغاياتهم، يستشهدون بآيات تراعي مصالحهم، ويخفون تلك التي لا تناسب أهواءهم".
ووفقاً لبيانات صادرة عن مجلس القضاء في الإقليم، فإن عدد الذين حصلوا على الموافقة للزواج بامرأة ثانية خلال العام الماضي كان 101 حالة فقط. ويقول معنيون، إن هذا الرقم لا يعكس الأرقام الفعلية الحقيقية نظراً للجوء مئات الرجال إلى المحاكم في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة الاتحادية في بغداد وعديد منهم يقترن بفتيات عربيات، كون تلك المحاكم تجيز "التعدد بشرط الميسرة وتحقق المصلحة الشرعية".
دوافع جنسية
وعلقت صفحة "هميا نيازي" التي تتناول وجهات النظر الثقافية والفلسفية، ولها نحو 50 ألف متابع، في منشور على حالات تعدد الزوجات، قائلة إن "تعدد الزوجات هو سنة الله وإحدى غاياته هي حل مشكلة العنوسة أو الأرامل، لكن بما أن غرضك ليس لإشباع الشهوة الجنسية، لماذا لا تتزوج بأرملة أو كبيرة في السن، أو تكون فقيرة ووحيدة؟ لكن عندما تصر على الزواج من شابة تصغرك بعقود فإن الدوافع جنسية بحتة وليست تطبيق شرع الله لمساعدة امرأة عفيفة". ولفتت إلى "عدم وجود دليل على قدرة الرجل في أن يمنح الحب بالتساوي لأكثر من امرأة، هذا عدا عن أن المرأة في طبيعتها لا تحب أن تقاسم زوجها مع امرأة أخرى، كما أن تعدد الزوجات يساعد على تناقل الأمراض والفيروسات، ومن النواحي الاجتماعية يسبب بشكل مباشر في خلق الكراهية بين الزوجات وأطفالهن، ناهيك بما تخلفه من مشكلات اقتصادية وكذلك في ما يتعلق بمسألة تقاسم الميراث"، مبيناً أن "القرآن اشترط تحقيق العدل في مسألة تعدد الزوجات، لكنه يعود ويؤكد أن الرجل لن يتمكن من أن يكون عادلاً مع زوجاته، والسؤال هو هل تعدد الزوجات حلال شرعاً؟".
وبث موقع شبكة "روداو" المقربة من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، تقريراً تناول اضطرار الراغبين بالزواج من الثانية إلى الارتباط بفتيات عربيات من خارج المدن الكردية، بسبب القيود التي تفرضها القوانين المعمول بها في الإقليم. كما أجرت مقابلة متلفزة مع نجل بابير تناول موقفه من زواج والده.
انتقائية في الانتقاد
وفي إطار السجالات الحامية التي دارت بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وجه الصحافي المقيم في بريطانيا محمود ياسين كوردي تهنئة إلى بابير، مبدياً استغرابه "من الجدل والانتقادات التي تعرض لها. وزاد "لماذا يكون الأمر طبيعياً أن يمارس مسؤول فاسد الفجور والزنى عندما يعاشر اثنتين أو ثلاث في البلدان السياحية، ولماذا لا يكون للمسلم الملتزم حلالاً وقانونياً مع موافقة زوجاته بالزواج من امرأة أخرى؟".
وسأل الشاب لشكر حميد، "لماذا لا يطبقون أغلب الفرائض والتعاليم الدينية إلا عندما يتعلق الأمر بالزواج من امرأة ثانية وثالثة ورابعة، أين هم من بقية التعاليم والثوابت؟". أما هيوا سعيد فتمنى "لو كانت التهمة تقتصر فقط على الزواج من الثانية والثالثة". وأوضح أن "القادة العلمانيين منشغلون ليلاً ونهاراً بملء بطونهم على حساب الشعب، في كل مناسبة يقضون ليالي حمراء في أحد البلدان التي يملكون فيها قصوراً اشتروها بمبالغ خيالية، بينما يثيرون ضجة إعلامية على السيد بابير لمجرد أنه تزوج بامرأة رابعة، وبقناعة الطرفين، أين العيب في ذلك؟".