Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إثيوبيا تواصل إشهار "القرارات الأحادية" في وجه مصر والسودان

أديس أبابا أعلنت تاريخ الملء الثالث لسد النهضة من دون الالتفات إلى تحفظات دولتي المصب

وصفت وزارة الخارجية السودانية خطوة إثيوبيا بأنها غير منضبطة دبلوماسياً (أ ف ب)

أعطى الإعلان الذي صرح به مدير مشروع سد النهضة الإثيوبي، كفلي هوارو، عن عزم بلاده الشروع في عملية الملء الثالث خلال شهري أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) المقبلين، دلالات لسياسات ظلت تتبعها أديس أبابا في قضية السد بمواصلة نهج "القرارات الأحادية". فإلى أين تقود الخطوة المباحثات المتوقفة مع دولتي المصب؟ وما مؤشرات المستقبل تجاه المشروع في ظل الخلاف المتطور وسياسات الأمر الواقع التي تتبعها إثيوبيا؟

يأتي إعلان المسؤول الإثيوبي عن عملية الملء الثالث ضمن مسار التفاوض غير المباشر، الذي تحبذ إثيوبيا نهجه بعد تعطل المفاوضات الثلاثية منذ أكثر من عام. واعتبر كل من السودان ومصر التصريحات دليلاً جديداً على تعمد إثيوبيا أحادية القرارات، وعدم الالتفات إلى تحفظات المصب.

غير منضبطة دبلوماسياً

وصفت وزارة الخارجية السودانية، السبت 28 مايو (أيار) الجاري، خطوة إثيوبيا بأنها غير منضبطة دبلوماسياً، مؤكدة تجاهل أديس أبابا لموقف السودان الثابت من عملية ملء وتشغيل السد إلا بعد التوصل إلى اتفاق قانوني منصف وملزم يحقق مصالح شعوب الدول الثلاث.

 وعبرت الوزارة عن دهشتها في عدم اكتراث المسؤول الإثيوبي للأضرار المحتملة على الجانب السوداني، على الرغم من اعترافه باحتمال تأثر كل من السودان ومصر بعملية الملء الثالث. في حين لم يصدر من مصر بيان رسمي تعليقاً لها على الملء الثالث.

وكانت القاهرة وصفت في فبراير (شباط) الماضي عملية توليد الكهرباء، التي بدأتها أديس أبابا من سد النهضة، بأنها "إمعان من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في 2015". بينما اتهمت الخارجية الإثيوبية، وقتها، موقف السودان من سد النهضة بخدمة طرف ثالث وليس السودانيين.

تحل بالعقلانية

ووعد المسؤول الإثيوبي بأن عملية الملء الثالث لسد النهضة ستكون في شهري أغسطس وسبتمبر 2022، مشيراً في تصريحات تلفزيونية إلى "احتمال تضرر مصر والسودان من عملية الملء". وعلى الرغم من التأثرات المحتملة، استبعد المسؤول الإثيوبي إيقاف عملية الملء، معتبراً أنها عملية تلقائية. وأضاف أن بلاده "لن تسمح بوقف تشييد المشروع، ولن تفعل ذلك ولن تسمح بتعطيله"، داعياً القاهرة والخرطوم إلى "التحلي بالعقلانية".

وفي ظروف تعطل المفاوضات، التي تشهد فشلاً متلاحقاً، ظلت إثيوبيا هي المبادرة باتخاذ إجراءات أحادية الجانب، بدأتها بالملء الأول لبحيرة السد في يوليو (تموز) 2020 بما يقدر بـ 4.8 مليار متر مكعب من المياه، حيث شهد ذاك العام هطول أمطار غزيرة على الهضبة الإثيوبية لم تشهدها خلال 100 عام (حسب الأرصاد)، لتواكبها عملية الملء الأول لسد النهضة.

حينها أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبيي أحمد في أثناء القمة الافتراضية المصغرة للاتحاد الأفريقي، برئاسة رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا عن عملية الملء الأول، على الرغم من رفض دولتي المصب، اللتين ظل تأكيدهما متكرراً على ضرورة أن تتم عملية الملء وفق اتفاق قانوني شامل.

وكان وزير المياه الإثيوبي السابق، سيلشي بيقلي، أوضح أن المرحلة التي وصل إليها سد النهضة من البناء تمكن من بدء عملية التخزين الأولي، بما يقدر بنحو 4.9 مليار متر مكعب فقط.

مصالح قومية

وفي تطور جديد، مضت إثيوبيا معلنة في 19 يوليو 2021، عن نجاح المرحلة الثانية لملء بحيرة سد النهضة بما يقدر بـ13.5 مليار متر مكعب من المياه، ضمن خطوة اعتبرتها الخرطوم "خطراً على مصالحها القومية". وأشارت مصر إلى تأثيرها السلبي على حصتها من مياه النيل، وطالبت الدولتان بمفاوضات ترعاها الأمم المتحدة وواشنطن والاتحادان الأفريقي والأوروبي، بعد فشل مفاوضات كينشاسا، وإصرار الجانب الإثيوبي على مواقفها الأحادية.

مرحلة الملء الأول ساوت نحو 6.6 في المئة من السعة التخزينية الكاملة للبحيرة، بينما تجاوز الملء الثاني 15 في المئة من السعة التخزينية، وحسب ما هو معلن تبلغ السعة الاستيعابية القصوى لبحيرة سد النهضة 74 مليار متر مكعب.

وظلت المفاوضات تدور حول قضايا عالقة في قواعد ملء البحيرة، وتشغيل وإدارة السد، والتخفيف من حدة الجفاف، والطابع الملزم للاتفاق، وآلية فض المنازعات المستقبلية.

وكان موقف طرفي المصب هو ضرورة الوصول لاتفاق قانوني ملزم في قواعد ملء وتشغيل السد، في حين تمسكت إثيوبيا بوضع قواعد إرشادية فقط، يمكن تعديلها بشكل منفرد، كما طالبت بربطها بحصة تنالها هي الأخرى في قسمة المياه أسوة بدولتي المصب، مما أدى إلى ارتباك مسار التفاوض. وبعد جولات الوساطة التي ترأسها الاتحاد الأفريقي ولم تحرز تقدماً، دخلت الدول الثلاث في حالة المفاوضات الحالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رسائل

تصريحات الجانب الإثيوبي تأتي عادة في "رسائل" اعتادت أديس أبابا إرسالها وفق درجتها (السياسية)، فكون التصريحات الجديدة هذه المرة مصدرها مدير مشروع سد النهضة، فهي ذات بعد فني غير سياسي في حيثيات توقف المباحثات المتعثرة، التي ترغب إثيوبيا باستئنافها بحيث لا يمثل لها تصريح مدير السد عائقاً للمرحلة المقبلة، إلى جانب الإعلان عن عملية الملء الثالث التي ترى أنه لا يمكن تعطيلها بأي حال في ظروف هطول الأمطار خلال أشهر (يوليو وأغسطس وسبتمبر) لحاجتها الملحة في المضي قدماً في توليد الكهرباء، الذي بدأته فعلياً في 20 فبراير الماضي بإطلاق المرحلة الأولى من إنتاج الطاقة الكهربائية من سد النهضة ضمن تصرف وصف كذلك بالفردية.

وترى أديس أبابا في عملية الملء الثالث للسد "حقاً" ولا يمثل "تجاوزا"ً، إلى جانب التصرفات السابقة، سواء أكانت ملئاً أحادياً للسد، أو تشغيلاً لتوليد الكهرباء منه. وما تصفه دولتا المصب بـ"الأحادية" تصفه إثيوبيا بالاستقلالية لسد مائي تراه ضمن حقوقها الشرعية المرتبطة بأرضها وقرارها، السيادي.

استهداف الداخل

من جهة أخرى، توصف التصريحات الإثيوبية في عملية الملء الثالث رسالة داخلية أكثر من كونها خارجية، في ظرف ما تواجهه حكومة رئيس الوزراء آبيي أحمد من تحديات سياسية وضبابية المواقف تجاه السلام مع جبهة تحرير تيغراي، التي لا تزال تشكل خطراً على استقرار إثيوبيا، فتأتي التصريحات حول سد النهضة لصرف الساحة الداخلية إلى ما يمثله السد من تحد قومي يتطلب وحدة الرأي ومؤازرة الحكومة.

ويرى المراقبون أنه في كل الأحوال، ونسبة للواقع الإقليمي، وعبر ضغوط دولية، لا بد من استئناف جديد للمفاوضات بين الدول الثلاث، للوصول إلى صيغة حل في قضية لا تعد هي الأولى بين الدول في علاقات المياه والسدود. وبما يضمن حفاظاً منصفاً للحقوق لا بد من توفر عنصر ثقة بين الأطراف يتيح استقراراً تنشده منطقة القرن الأفريقي، التي تمثل اهتماماً تراهن عليه القوى الدولية بجميع الضمانات.

المزيد من متابعات