دمرت ثروة كبيرة في الأشهر القليلة الماضية، وجاءت خسارة الأغنياء أكبر من خسارة الفقراء. ولا يزال إيلون ماسك أغنى شخص في العالم، لكن بثروة لا تتجاوز 201 مليار دولار، مع تراجع بـ41 في المئة عن ذروته المسجلة في نوفمبر (تشرين الثاني)، حين بلغت ثروته لفترة وجيزة 340 مليار دولار.
في المقابل، تبلغ ثروة جيف بيزوس، الثاني في نادي أغنى الناس، الآن 131 مليار دولار، بتراجع 39 في المئة عن ذروته. هناك ما يسمى "مؤشر بلومبيرغ لأصحاب المليارات" Bloomberg Billionaires Index ويتعقب ثروة أكثر من 500 ملياردير على أساس يومي، حتى يصبح بوسعهم أن يقيموا أداءهم. وفي المقابل، أنا أشتبه في أن المرء، إذا كان بمثل ذلك الغنى، لن يشكل الارتفاع أو الهبوط بضعة مليارات أمراً شديد الأهمية له.
من منظور بريطاني، ربما كان الشيء الأكثر إثارة للاهتمام ليس مدى ثراء الأميركيين، فنحن نعلم ذلك، بل مدى فقر أصحاب المليارات البريطانيين في ضوء المعايير العالمية، إذ تزخر تلك القائمة بالهنود والفرنسيين والألمان والصينيين والروس، لكن البريطاني الأعلى مرتبة يأتي يحل في الخانة الـ119. إنه السير جيمس دايسون، الذي يملك 14.4 مليار دولار.
هناك 15 بريطانياً في قائمة "بلومبيرغ" للأشخاص الـ500 الأغنى، ما يجعل المرء يتساءل عما إذا كانت المملكة المتحدة ليست مكاناً طيباً إلى هذا الحد لجني ثروة فائقة، أو ربما كانت مكاناً أفضل لتقاسم ثروة كهذه.
لكن، تتلخص النقطة الكبرى هنا في تدمير الثروة الذي حدث. في أميركا، يقدر مصرف "جاي بي مورغان تشايس" أن ما لا يقل عن خمسة تريليونات دولار دمرت بالفعل هذا العام، ويعتقد أن الرقم قد يصل إلى تسعة تريليونات دولار بحلول نهاية هذا العام. وبطبيعة الحال، على الرغم من أن أصحاب المليارات خسروا الكمية الأكبر لجهة القيمة المطلقة، لا بد من أن الأميركيين العاديين الذين استثمروا في عملات مشفرة تكبدوا خسائر كبيرة أيضاً.
فقد انخفض مؤشر "بلومبيرغ" للعملات المشفرة Bloomberg index of cryptocurrencies بـ49 في المئة هذا العام. وهناك ردا فعل محتملان على ذلك. الأول أن نسأل أنفسنا إذا كان الأمر مهماً، لأن الثروة لم تكن موجودة حقاً في المقام الأول، أو بالأحرى، بدا الأمر كأن الثروة كانت موجودة طيلة بضعة أشهر، وقد لوحظ ذلك حينما طارت بنفخة ضمن طفرة غير مستدامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هنا في بريطانيا، لم نشهد طفرة، إذ كانت أسعار الأسهم وفق ما يقيسها مؤشر "فايننشال تايمز 100"، ثابتة إلى حد كبير. بالأحرى، إنها مرتفعة بخمسة في المئة عن مستواها في الوقت المقابل للوقت الحالي من العام الماضي، ومنخفضة بـ1.5 في المئة عن مستواها في بداية يناير (كانون الثاني) 2022. وإذا وضع المرء مدخراته كلها في أسهم شركات التكنولوجيا الفائقة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، يكون له الحق في الشعور بالانزعاج، لكن إذا اشترى أسهماً كهذه قبل سنتين، فإنه لا يزال في المقدمة.
واستطراداً، يشمل رد الفعل الآخر التفكير في الأثر الإجمالي المترتب على هبوط السوق في الاقتصاد الحقيقي. إذا شعر الناس بأنهم أكثر فقراً، هل ينفقون مالاً أقل؟ قد يحدث هذا على مستوى أصحاب المليارات. لعل السبب وراء توقف إيلون ماسك عن محاولته شراء "تويتر"، هو شعوره بنقص قليل في النقود. أو قد يحدث لمالك منزل في بريطانيا، إذا اعتقد أن قيمة بيته ارتفعت كثيراً، التفكير في أنه من المناسب ربما أن يقضي عطلة في الخارج.
من الصعب أن نحدد الروابط بين أسعار الأصول والطلب الاستهلاكي، لكننا نعلم أنها موجودة بالفعل. وفي اعتقادي أن ما يحدث لأسعار العقارات على أي من جانبي المحيط الأطلسي، سيكون أكثر أهمية مما يحدث لأسعار الأسهم، لكن انهيار قيمة شركات التكنولوجيا الفائقة العملاقة في الولايات المتحدة يجب أن يخلف أثراً محبطاً في استعداد الأميركيين لإنفاق المال من دون حساب.
وهناك شاغل آخر يتمثل في أننا لم نتجاوز بعد أن يجري. سنشهد طيلة فصل الصيف مزيداً من الأخبار السيئة المتعلقة بفصول سنوية مختلفة، تشمل التضخم، وحدوث نواقص متنوعة، وإمدادات الأغذية، وما إلى ذلك.
في الوقت الحالي، غالباً ما تأتي الحوادث في الأسواق المالية في الولايات المتحدة، بوصفها تعبيراً عن تجاوزات حدثت في العام الماضي. ويجري الآن التخلص من الاستثمارات غير المهمة. ودوماً، يستغرق إدراكنا أن الظروف المالية قد تغيرت، بعض الوقت.
يمكنكم مشاهدة ذلك في أسعار البيوت. بعد فترة طويلة من الزيادات، يشعر الناس بأنهم سيحصلون دوماً على مبلغ أكبر إذا انتظروا سعراً أفضل. وينجح ذلك لفترة من الوقت، لكن إذا انتظروا لفترة أطول مما ينبغي، تتغير السوق ويجدون فجأة ألا مشترين، حتى على مستوى الأشهر القليلة السابقة. من الناحية الاجتماعية، يستحق انخفاض الأسعار الترحيب، لكنه ليس بالأمر المسلي كثيراً للبائعين المحتملين.
لذلك دعونا نرى ماذا يحدث. نحن لسنا بحاجة إلى القلق أكثر مما ينبغي في شأن السيدين ماسك وبيزوس. نحن بحاجة حقاً إلى القلق على المستثمرين الذين اشتروا أسهماً أو عملات مشفرة في الوقت الخطأ، وباتوا يتجهون إلى خسارة مالية لا يستطيعون تحمل تكاليفها.
وفي المقام الأول، يتعين علينا أن نقلق حول ما إذا كانت هذه الأسواق الهابطة ستنتشر إلى ما هو أبعد من جيوب أسهم التكنولوجيا الفائقة والعملات المشفرة، وتنتقل إلى مجالات مثل العقارات السكنية. ويقصد من ذلك أن الملايين من مشتري المساكن، هم أكثر أهمية من أصحاب المليارات في العالم.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 23 مايو 2022
© The Independent