Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا ترفض موسكو "مبادرة السلام" الإيطالية؟

ميدفيديف وصف قبولها بـ"الخيانة الوطنية" واعتبرها "وقاحة" ضد روسيا و"تهديداً" لسلامة أراضيها

روسيا ترى أن المبادرة تأتي في غير وفاق مع الواقع (أ ف ب)

ثمة من يقول في موسكو اليوم إن جيل العظماء من القيادات السياسية الأوروبية في سبيله إلى الانقراض.

ويتذكر كثيرون من ممثلي الأوساط السياسية والإعلامية الروسية أسماء كبار القيادات الأوروبية في مطلع القرن الحالي على غرار المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي جاك شيراك.

وفي محاولة لتأكيد ما يخلصون إليه من استنتاجات، يشير البعض منهم إلى المبادرة الإيطالية، التي تقدم بها وزير الخارجية لويجي دي مايو، إلى الكرملين بوصفها خير دليل على ذلك، إضافة إلى ما تتخذه قيادات أوروبية كثيرة من قرارات ومواقف تجاه الأزمة الأوكرانية منذ اندلاعها عام 2014.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن ما تضمنته المبادرة الإيطالية من اقتراحات، تقول إن من يقف وراءها "منفصل" عن الواقع الراهن بكل مفرداته ومتغيراته، وما يستند إليه من ثوابت التاريخ والجغرافيا، على حد ما توصل إليه دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الحالي، في ما نشره اليوم من تعليقات على قناة "تلغرام".

مكيدة رخيصة

وكان ميدفيديف وصف المبادرة الإيطالية بأنها "مكيدة رخيصة" لا يمكن أن تتفق ومصالح روسيا. ومضى يقول إن هذه المبادرة ليست سوى "وقاحة مباشرة ضد روسيا، وتهديد لوحدة أراضيها، وذريعة لبدء حرب شاملة. لا توجد ولن تكون هناك قوة سياسية في روسيا قد توافق حتى على مناقشة مصير شبه جزيرة القرم". وخلص إلى استنتاج مفاده بأن مجرد قبولها "سيكون خيانة وطنية".

وعلى الرغم من أن الجانب الروسي لم يكشف بعد عن كل ما جاء في هذه المبادرة، مكتفياً بما صدر عن أندريه رودينكو، نائب وزير الخارجية الروسي، الذي قال إن "موسكو تدرس خطة روما لحل الوضع حول أوكرانيا، وسيتم تقييم المقترحات المقابلة نتيجة للدراسة"، فإن ما نشرته صحيفة  "La Repubblica"الإيطالية في وقت سابق يورد أن مثل هذه المبادرة لا يمكن أن تلقى أي قبول على المستوى الرسمي في موسكو.

وفي هذا الصدد، نقلت وكالة أنباء "تاس" عن مصادر في الخارجية الروسية أن "هذه المبادرة تأتي في غير وفاق مع الواقع، وأنه من الصعب تناولها على محمل الجد".

وسخرت المصادر من احتمالات تصور من تقدم بهذه المبادرة، أن روسيا يمكن أن تهرول وراء أي اقتراح يطرحه الجانب الغربي مهما اتسم به من "عبثية".

بنود المبادرة

تتضمن الخطة، التي اقترحتها السلطات الإيطالية لحل الصراع في أوكرانيا وسلمتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أربع مراحل وهي:

-   وقف إطلاق النار في أوكرانيا ونزع السلاح من خط المواجهة تحت إشراف الأمم المتحدة.

-   المفاوضات حول وضع أوكرانيا، التي تنص على انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن عدم الانضمام إلى "الناتو".

-   توقيع اتفاقية ثنائية بين أوكرانيا وروسيا بشأن شبه جزيرة القرم ودونباس، بناءً على اقتراح السلطات الإيطالية، تتمتع "الأراضي المتنازع عليها" بالحكم الذاتي الكامل، مع الحق في ضمان أمنها بشكل مستقل، لكن السيادة على المناطق ستعود إلى كييف.

-   إبرام اتفاق متعدد الأطراف بشأن السلام والأمن في أوروبا، يغطي قضايا نزع السلاح والرقابة على الأسلحة، ودرء النزاعات وإجراءات توطيد الثقة.

وحول هذه المواضيع، كتبت صحيفة "La Repubblica"، أن الجانب الإيطالي "اقترح خطة مرحلية لتسوية سلمية في أوكرانيا، تبدأ بوقف إطلاق النار وتنتهي بمعاهدة الأراضي المتنازع عليها، واتفاقية شاملة متعددة الأطراف بشأن الضمانات الأمنية في أوروبا". وكشفت المصادر الإيطالية عن أن دي مايو سلّم المبادرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بعد اطلاع ممثلي مجموعة السبع الكبار على مضمونها.

غياب الحقائق

وفي أول تعليق رسمي من الجانب الروسي، أشار ميدفيديف إلى أن "مبادرات السلام يجب أن تقوم على حسابات رصينة، وأن تعكس الوضع الراهن". وخلص إلى أن "جميع الخيارات المقدمة لا تأخذ في الاعتبار الحقائق الحالية، بما في ذلك تلك التي تتحدث عن الحكم الذاتي الكامل لشبه جزيرة القرم داخل أوكرانيا.

وضرب ميدفيديف مثالاً على ذلك بأن "المبادرة الإيطالية" لم تراعِ الواقع الراهن والمتغيرات التي أسفرت عنها أعوام طويلة من المباحثات والاتصالات والنتائج التي منها "اتفاقيات مينسك" عام 2015، وما أعلنته موسكو حول أنها ظلت لأعوام طويلة السبيل الأمثل لحل الأزمة الأوكرانية. ولم تكُن هذه الاتفاقيات تزيد على ضرورة الاعتراف بالحقوق والخصائص القومية واحترام اللغة الروسية ومنح سكان "مقاطعتين" قدراً من الإدارة الذاتية في إطار الدولة الأوكرانية.

وهو ما رفضته القيادات الأوكرانية المتوالية منذ سنوات حكم الرئيس السابق بيترو بوروشينكو وحتى الرئيس الحالي فلاديمير زيلينسكي، الذي كان وصل إلى الرئاسة تحت شعارات تتماهى إلى أكبر حد ممكن مع مضمون "اتفاقيات مينسك"، وما خلصت إليه مجموعة نورماندي، التي ضمت رؤساء ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا.

اتفاقيات مينسك

وفي هذا الإطار، فنّد دميتري ميدفيديف بنود المبادرة الإيطالية، مؤكداً أن ما نصت عليه حول منح الحكم الذاتي "للمقاطعتين" في إطار الدولة الأوكرانية، أمر بات من مخلفات الأمس، بعد أن اتخذ سكان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك قرارهم، الذي لا رجعة عنه حول استقلالهما، فضلاً عن عدم قبوله من جانب كل من لم تفارق أذهانهم ما آلت إليه "اتفاقيات مينسك" من مصير بائس، تمثل في الرفض المستمر لها منذ توقيعها، ورفض البرلمان الأوكراني التصديق عليها تحت ضغوط فصائل وقوى "النازيين" الجدد، التي راحت تتزايد قوتها وضغوطها يوماً بعد يوم، إلى جانب ما تكبدته الجمهوريتان من خسائر بشرية ومادية، وما هدد أمن مواطنيهما من أخطار على مدى ما يزيد على ثمانية أعوام.

وإذ عاد ميدفيديف إلى وصف هذه المبادرة بأنها "وقاحة مباشرة ضد روسيا وتهديد لوحدة أراضيها وذريعة لبدء حرب شاملة"، أكد أنه "ليست هناك في روسيا، ولن تكون هناك أبداً قوة سياسية يمكن أن توافق حتى على مناقشة مثل هذه الأمور، لأن هذا سيكون خيانة وطنية".

ووصف المسؤول الروسي مثل هذه المبادرة بأنها "مجرد محاولة لمساعدة كييف في حفظ بعض ماء الوجه. ومع ذلك، فإن أوكرانيا نفسها لا تريد التفاوض على الإطلاق". وأضاف أن القيادات الأوكرانية "لطالما فضلت نسيان مشروع معاهدة السلام الروسية. كان الأمر كما لو أنه غير موجود على الإطلاق. الحساب فقط على تدفق الأسلحة والأموال من الدول الغربية".

ما يمكن مناقشته

ومن منطلقات سبق وحدد الرئيس فلاديمير بوتين أطرها في أكثر من مناسبة وخطاب، كشف ميدفيديف عما يمكن مناقشته مع الجانب الأوكراني بقوله إن "عليه وبموجب نتائج العملية العسكرية الروسية الخاصة، تعديل دستور أوكرانيا بما ينص على حدود الدولة الأوكرانية من دون شبه جزيرة القرم وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، فضلاً عن التزام أوكرانيا الحياد الدائم للبلاد، ورفض المشاركة في أية تحالفات عسكرية، وحظر نشر أي قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها"، إلى جانب ما أشار إليه حول نزع سلاح أوكرانيا، والقضاء على التهديدات التي تشكلها دول "الناتو" لأراضي الجمهورية، وتصفية معاقل النازية في أوكرانيا ومعارضة روسيا لانضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي.

وجاءت هذه التصريحات في وقت مواكب لما قاله سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، في اجتماع وزراء دفاع منظمة بلدان معاهدة الأمن الجماعي عبر الفيديو كونفرنس، حول التهديدات التي تشكلها أوكرانيا بما تخطط له بشأن صناعة الأسلحة النووية والصواريخ الحاملة لها.

ومضى الوزير الروسي ليكشف عن وجود قرابة ستة آلاف من المرتزقة الأجانب في أوكرانيا، إلى جانب "شبكة واسعة تضم أكثر من 30 مختبراً بيولوجياً تشارك في البرنامج البيولوجي العسكري الأميركي"، سبق وقالت موسكو إن الولايات المتحدة وقفت وراء ظهورها على الأرض الأوكرانية، إلى جانب أخرى مماثلة كثيرة في عدد من بلدان الفضاء السوفياتي السابق، ومنها أرمينيا وأذربيجان وكازاخستان.

وأنحى شويغو باللائمة على الولايات المتحدة، وقال إن الغرب لم يراعِ ما أعربت عنه روسيا من مخاوف أمنية وما قدمته من مقترحات حول "عدم توسع الناتو في الشرق، وعدم نشر الأسلحة الاستراتيجية على مقربة مباشرة من الأراضي الروسية"، فضلاً عما ظهر من أخطار "اقتراب حلف شمال الأطلسي من حدودنا وزاد من إمكاناته القتالية مرات عدة، وتم تكثيف الجهود لكي تنضم أوكرانيا إلى الناتو، ونشر البنية التحتية العسكرية للتحالف على أراضيها، في الوقت الذي تحولت الدولة نفسها إلى دولة معادية لنا تُستخدم كأداة للضغط على روسيا".

وفي هذا الصدد، توقف مراقبون كثيرون في العاصمة الروسية عند ما أشار إليه نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن القومي، في حديث صحافي أدلى به إلى أسبوعية "أرغومينتي أي فاكتي" (براهين ووقائع) بشأن أن "العالم الأنغلوساكسوني يدوس بوقاحة منذ عقود على حق الدول الأخرى في السيادة، تجسيداً لفكرة المليار الذهبي".

إملاء الشروط

وقال باتروشيف إن هذا العالم "يواصل إملاء شروطه على العالم، ويغطي أفعاله بكلمات عن النضال من أجل حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية". ولفت الانتباه إلى أن العالم الأنغلوساكسوني يرى أن "على البقية مواجهة مصير إحناء ظهورهم والامتثال لما يطرحه من أهداف".

وأشار إلى أن "الحكومتين الأميركية والبريطانية اللتين تسيطر عليهما رؤوس الأموال الكبيرة، من أجل زيادة رفاهية حفنة من كبار رجال الأعمال في مدينة لندن وفي وول ستريت، تخلقان أزمة اقتصادية في العالم، ما يجعل الملايين من الناس محكوماً عليهم بالجوع في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، ويقيدون وصولهم إلى الحبوب والأسمدة وموارد الطاقة، في الوقت الذي تتسبب أفعالهم في تفاقم مشكلات البطالة وكارثة تدفق الهجرة إلى أوروبا".

وخلص المسؤول الأمني الروسي إلى أن الأنغلوساكسون يضعون الأوروبيين "على مقعد ذي ساقين، الناتو والاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يتابعون بازدراء مدى قدرة هاتين الساقين على الاحتفاظ بتوازن مثل هذا المقعد"، من دون أدنى اهتمام من جانبهم بازدهار الدول الأوروبية، بل ويبذلون قصارى جهدهم لطمسها واختفائها من عداد البلدان المتقدمة اقتصادياً، وتأمين سيطرتهم غير المشروطة على هذه المنطقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إطالة أمد الأزمة

وكان وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، كشف عن توقعاته إزاء احتمالات إطالة أمد الأزمة الأوكرانية بسبب "عدم توافر ظروف السلام بين الكرملين وكييف في الوقت الراهن".

ونقلت عنه صحيفة "أر بي كا" الروسية ما قاله في مقابلة مع مقدم برنامج تبثه القناة الأولى العامة "راي أونو": "إذا كان عليّ تصوير الموقف حالياً، فإنه لا توجد ظروف مناسبة للتوصل إلى السلام، ولكن تنتظرنا حرب طويلة ومرهقة".

وأضاف "هناك تصعيد للقصف الروسي على دونباس أمام مقاومة شرسة من جانب الجيش الأوكراني الذي ندعمه"، محذراً من "أزمة غذاء عالمية تلوح في الأفق، بسبب محاصيل الحبوب الأوكرانية العالقة في موانئ البحر الأسود"، وذلك ما فندته المصادر الرسمية الروسية، التي عزت كثيراً من جوانب الأزمة إلى اتفاق السلطات الأوكرانية مع عدد من البلدان الأوروبية حول تصدير الحبوب الأوكرانية عن طريق البر والنقل النهري، مقابل ما تحصل عليه من أسلحة، فضلاً عن نشر القوات المسلحة الأوكرانية للألغام البحرية، ما يحول دون استخدام الموانئ الموجودة على ساحل البحر الأسود، ومنها ما وصل إلى مشارف الشواطئ التركية.

هزائم روسيا

أما عما يتردد بشأن هزائم تتكبدها القوات الروسية، فقد فنده وزير الخارجية سيرغي لافروف بقوله إن "من يتحدث من السياسيين الغربيين عن هزيمة روسيا في أوكرانيا، لا يعرف في حقيقة الأمر تاريخ روسيا". وعزا لافروف ما يقوله البعض حول أن "روسيا يجب أن تُهزم وأنهم يجب أن ينتصروا على روسيا ويجعلوها تخسر في ميدان المعركة"، إلى الجهل بالتاريخ، وهو ما يجعل أصحاب مثل هذه التصريحات يخلصون إلى مثل هذه الاستنتاجات الخاطئة انطلاقاً من مثل هذا الفهم لماضي الدولة الروسية.

وأردف لافروف أن "هناك محاولات من قبل الحكومات الغربية أو بعضها على الأقل، لتحفيز الميول المعادية للروس على المستوى الحياتي والتلاعب بالمشاعر السلبية والمخجلة. وهذا أمر مثير للقلق". وخلص إلى استنتاج مفاده بأن الدول الغربية ستضطر إلى الاعتراف "بالواقع الذي يتهيأ على الأرض، وبأنه من غير الممكن الحد من المصالح الحيوية الروسية والروس أينما كانوا، من دون عقاب".

المزيد من تقارير