بدأت العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا تؤثر سلباً في إنتاج وتصدير النفط الروسي، وبحسب بيانات شركة "أويل إكس" فإن إنتاج روسيا من النفط تراجع بنحو مليون برميل يومياً، من 11 مليون برميل يومياً خلال شهر مارس (آذار) إلى نحو 10 ملايين برميل يومياً في شهر أبريل (نيسان). وتتوقع وكالة الطاقة الدولية التي تقدم الاستشارات في مجال الطاقة للدول الصناعية الكبرى في الغرب، تراجع إنتاج النفط الروسي بشكل كبير إذا تم تشديد العقوبات الغربية على موسكو، بخاصة في حال حظر دول الاتحاد الأوروبي استيراد النفط من روسيا.
وبحسب تقديرات الوكالة فيمكن أن يصل الانخفاض في إنتاج النفط الروسي إلى نحو أربعة ملايين برميل يومياً.
وعلى الرغم من ذلك أشارت السعودية إلى تأكيد موقفها بالتعاون مع روسيا والدول المنتجة للنفط من خارج منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" ضمن تحالف "أوبك+" لضبط توازن السوق بين العرض والطلب.
وفي مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان إن بلاده "تأمل بالتوصل إلى ترتيب جديد حول اتفاق الإنتاج ضمن تحالف (أوبك+) الذي يضم روسيا"، وأشار الوزير السعودي إلى أن "على العالم أن يقدّر تماماً قيمة وأهمية تحالف المنتجين".
وينتهي الاتفاق الحالي لضمان توازن السوق، والذي بدأ العمل به في أبريل 2020 بعد ثلاثة أشهر، وتجري المشاورات من الآن بين دول "أوبك" بقياد السعودية وشركائها من خارج المنظمة في تحالف "أوبك+" بقيادة روسيا للتوصل إلى اتفاق جديد على حصص الإنتاج.
اتفاق توازن السوق
وبموجب الاتفاق الحالي يزيد تحالف "أوبك+" الإنتاج بمعدل 430 ألف برميل يومياً، وكان التحالف خفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً في عز أزمة وباء كورونا، مع انهيار الطلب العالمي وهبوط الأسعار إلى أدنى مستوياتها، ثم بدأ في رفع الإنتاج تدريجياً مع تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة الوباء وبدء زيادة الطلب، لضمان استقرار معادلة العرض والطلب في سوق النفط العالمية.
وتقول "فايننشال تايمز" إن السعودية تعارض الضغوط الأميركية والغربية لزيادة إنتاج النفط خارج اتفاق تحالف "أوبك+" لخفض الأسعار التي أخذت في الارتفاع منذ الحرب في أوكرانيا، ويدور سعر خام النفط خلال الفترة الأخيرة في نطاق فوق حاجز 100 دولار للبرميل، لكن تحركه ارتفاعاً وهبوطاً يظل في نطاق ضيق، ويعني ذلك أن حركة الأسعار تتعلق أكثر بالعوامل النفسية لدى المتعاملين في العقود الآجلة أكثر منها بالوضع الحقيقي للعرض والطلب في السوق، وهو ما يدعم وجهة نظر أعضاء "أوبك" و"أوبك+" بأن معادلة العرض والطلب لا تبرر زيادة الإنتاج أكثر من الزيادة المتفق عليها ضمن تحالف "أوبك+".
ونقلت الصحيفة عن وزير الطاقة السعودي قوله إن تحالف "أوبك+" سيزيد الإنتاج أكثر "إذا توفر الطلب" الذي يحتاج إلى تلبيته بزيادة في الإنتاج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من إنتاج روسيا الكبير من النفط إلا أن السعودية تظل أكبر المصدرين للخام بين أعضاء التحالف، إذ تستهلك روسيا داخلياً كميات أكبر من إنتاجها النفطي، وهناك بعض الدول في تحالف "أوبك+" لا تنتج حصصها بالكامل لأسباب تتعلق بوضع قدراتها الإنتاجية، كما أنه لا توجد سعة إنتاج إضافية بين دول التحالف (أكثر من 20 دولة منتجة ومصدرة للنفط) سوى في السعودية بقدر كبير، وفي الإمارات بقدر أقل.
التعاون مع روسيا
وفي تصريحاته للصحيفة البريطانية أشار وزير الطاقة السعودي إلى أن من المبكر الحديث عن شكل الاتفاق المقبل بين "أوبك" وشركائها في ظل عدم اليقين المحيط بالسوق، لكنه أكد مجدداً أنه لا يوجد نقص في المعروض من خام النفط في السوق.
وأضاف، "في ظل الاضرابات التي نراها حالياً سيكون من السابق لأوانه محاولة حسم الاتفاق، لكننا نعرف أن ما نجحنا في توفيره وضمانه حتى الآن يكفي كي يدرك الناس أن هناك أهمية وقيمة في ما فعلناه حين تعاونا معاً".
يذكر أن الضغط الأميركي لزيادة إنتاج النفط لا يتعلق فقط بالحرب في أوكرانيا وسعي واشنطن إلى أن تقلل أوروبا اعتمادها على الطاقة من روسيا، وبالتالي توفرها من مصادر أخرى، لكن هناك أسباباً داخلية أميركية أيضاً، فارتفاع أسعار المشتقات للمستهلك الأميركي في محطات البنزين تشهد يهدد فرص الحزب الديموقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في وقت لاحق من هذا العام. وتشير استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة إلى تراجع مستمر في شعبية إدارة الرئيس جو بايدن والحزب الديموقراطي.
لكن السعودية ترفض المشاركة في حصار و"خنق" روسيا، كما تشير "فايننشال تايمز"، وتحاول أن تبقى على الحياد في الصراع بين روسيا والغرب متمسكة بعدم "تسييس" قطاع الطاقة العالمي.
نقص الاستثمار
ولا ترى السعودية ومعظم الدول المنتجة والمصدرة للنفط أن من الصحيح زيادة المعروض عن حاجة الطلب العالمي، وكرر وزير الطاقة السعودي في حواره أن السبب في ارتفاع أسعار البنزين للمستهلكين يعود إلى نقص طاقات التكرير والضرائب والرسوم على المشتقات.
وأضاف، "العامل الحاسم في ذلك هو سعة طاقة التكرير وكيف يمكنك زيادتها، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة تراجعت طاقة التكرير في العالم بنحو أربعة ملايين برميل، 2.7 مليون برميل منها فقط منذ بداية أزمة وباء كورونا".
وسبق وأعلن الأمير عبدالعزيز بن سلمان خلال "مؤتمر مستقبل الطيران" الذي استضافته الرياض في وقت سابق من الشهر الحالي، أن الفارق بين أسعار المشتقات وأسعار النفط الخام يصل إلى نحو 60 في المئة بسبب نقص الاستثمار العالمي في تكرير النفط، مضيفاً أن قطاع الطاقة "لا يشجع على الاستثمار، وهو ما أدى إلى نقص الإمدادات" من المشتقات مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات وغيرها، وأن ذلك يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم الذي يضر بالمستهلك النهائي.
ويتفق كثيرون مع ذلك، إذ سبق أن صرح رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول في مقابلة مع "فايننشال تايمز" قبل أشهر، أن قطاع النفط والغاز بحاجة إلى استثمارات بمئات مليارات الدولارات كي يتمكن من تلبية الزيادة في الطلب العالمي، وأشار إلى أن الاستثمار في الطاقة المتجددة أو النظيفة، أي من الشمس والرياح وغيرها، يجب ألا يكون على حساب الاستثمار في النفط والغاز.
وأكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان في حواره مع الصحيفة البريطانية ضرورة إبعاد السياسة عن تحالف "أوبك+"، مضيفاً أنه ستظل هناك حاجة لهذا التحالف لتحقيق "الضبط المتوازن" للسوق في المستقبل.
وزاد، "يتطلب الوضع أن يجلس الجميع معاً ويركزوا على الأساسات بعيداً من الأقنعة وما تسمى الصوابية السياسية، فالأمر يتعلق بالتعامل مع الحقائق الموجودة وإيجاد الحلول لها".