Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحالف الحروب واللصوص والسياسة ينهب الآثار العربية

تعتزم الولايات المتحدة إعادة أكثر من 17 ألف قطعة نُهبت من العراق في إطار صفقة تاريخية اعتبرت جزءاً من حملة عالمية للحد من الاتجار غير المشروع

متحف اللوفر في باريس (أ ف ب)

بحسب تعريف منظمة "اليونيسكو" للمتاحف، فإنها ليست مجرد أماكن تُعرض وتُحفظ فيها القطع والأعمال الفنية، بل تؤدي دوراً رائداً في تدعيم الاقتصاد الإبداعي على الصعيدين المحلي والإقليمي. ويزداد حضور المتاحف أكثر فأكثر في الحياة الاجتماعية بوصفها منابر للحوار والنقاش، تجري فيها معالجة القضايا الاجتماعية المعقدة. ونتيجة النمو الهائل الذي شهده قطاع السياحة الثقافية في العقود الأخيرة، ارتفع عدد المتاحف في العالم من 22 ألفاً عام 1975 إلى 95 ألفاً اليوم. وبحسب المنظمة الدولية، خلال فترات النزاع أو الاضطرابات المدنية التي شهدتها بلدان مثل مصر وأفغانستان والعراق ومالي، تعرضت فيها المتاحف للخطر بسبب اللصوص الباحثين عن قطع قيّمة، اتخذت "اليونسكو" سلسلة من التدابير لحماية المتاحف وإصلاحها. كما تعمل المنظمة على بناء قدرات أخصائيي المتاحف لتمكينهم من صون المجموعات، وإعداد قوائم جرد لها وتوثيقها من أجل الإسهام في مكافحة عمليات الاتجار غير المشروع بالقطع الثقافية.

الاتجار غير المشروع

الاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية لا يرتبط فقط بالحروب التي تعرضت لها الدول العربية، والتي جرى خلالها تهريب آلاف القطع الأثرية المهمة من العراق، وقبلها من لبنان ومن سوريا وتحديداً مدينة تدمر ومن اليمن وليبيا ومصر، التي ما زالت تكافح لصوص المقابر ومهربي الآثارات منذ زمن المصريين القدماء، الذين تدل بردياتهم التي تركوها أن سرقة القبور الملكية وقبور النبلاء كانت سائدة حينذاك. وقد وضعت نصوص كثيرة تحرم سرقة القبور وفتحها وإلا سيتعرض السارق للعنة الآلهة. وقد أشيعت روايات كثيرة حول موت غريب لعلماء آثار ولسارقي القطع الأثرية بعد دخولهم إلى المقابر.

ثم كانت حملة نابليون بونابرت إلى الشرق وتحديداً مصر، حيت بدأ اكتشاف الآثار المصرية القديمة بشكل واسع. وقد تم تهريب مئات القطع الأثرية إلى المتاحف الأوروبية في تلك الفترة، وامتد الأمر حتى زمن محمد علي باشا، الذي أهدى عدداً كبيراً من القطع الأثرية للحكومات الغربية، وعلى رأسها فرنسا وإنجلترا لمشاركتها في شق وافتتاح قناة السويس. ويقول المصريون، إن محمد علي كان يتخلى عن القطع الأثرية لأنه ليس مصرياً، ولأن هذه الآثار لا تعنيه مباشرة.

لا نعرف الكثير عن القطع الأثرية المسروقة، التي يتم تداولها في عالم تجارة القطع الأثرية غير الشرعية، وهي سوق ضخمة حول العالم تقدر بعشرات مليارات الدولارات، ولكننا نعرف عن القطع الأثرية العربية أو تلك التي وجدت في دول عربية حالية لحضارات قديمة، على رأسها المصرية والفارسية والرومانية ومن ثم الإسلامية والعثمانية توالياً، الموجودة في المتاحف العالمية، أبرزها متحف اللوفر والمتحف البريطاني. فهذه القطع التحفية بعضها تم الحصول عليه بنقله مباشرة من مكانه إلى المتحف قديماً أو حديثاً برضى أو عدم رضى الحكومة المسؤولة عن هذه الآثارات، وهناك القطع التي يشتريها المتحف من سارقيها أو مالكيها أو التي يستعيرها من أجل عرضها.

على سبيل المثال، في المتحف البريطاني وتحديداً في قسم الشرق الأوسط للحضارات والثقافات القديمة والمعاصرة من العصر الحجري الحديث حتى الوقت الحاضر، هناك مجموعة واسعة من المواد الأثرية والفنون القديمة من بلاد ما بين النهرين (العراق) وإيران والشام (سوريا والأردن ولبنان وإسرائيل)، والأناضول (تركيا) والجزيرة العربية وآسيا الوسطى والقوقاز، كما ورد في موقع المتحف البريطاني الإلكتروني. وتشمل أبرز مقتنيات المجموعة النقوش الآشورية والكنوز من المقبرة الملكية في أور وكنز أوكسوس والعاج الفينيقي ومكتبة آشور بانيبال للألواح المسمارية من نينوى. أما المجموعة الإسلامية فتتضمن مجموعات أثرية من العراق وإيران ومصر، إضافة إلى مجموعات من الأعمال المعدنية المرصعة من إيران وسوريا ومصر في العصور الوسطى، وخزف إزنيق من تركيا. ويحتفظ القسم أيضاً بالمجموعات الإثنوغرافية من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وتشمل هذه المنسوجات والمفروشات والمجوهرات والأشياء الأخرى المتعلقة بالحياة اليومية. ودائماً تعاد بحسب المتحف البريطاني. أما القطع الأثرية المنهوبة من العراق حديثاً، خلال حرب 2003 وبعدها، فلم تكن جزءاً من مجموعة المتحف الخاصة، ولم تُعرض هناك إلا بعد أن صادرتها الشرطة من تاجر في لندن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي محاولة لتلميع صورته دولياً وعبر الثقافة الأممية، يعلن المتحف البريطاني أنه كافح لإعادة القطع الأثرية المنهوبة إلى بلدها الأصلي. وعلى نحو مماثل، فشل متحف فيكتوريا وألبرت في إعادة الكنوز الأثيوبية المنهوبة من الحملات البريطانية، لكن بشرط الاحتفاظ بهذه العناصر في المتحف على سبيل الإعارة.

ومن المعروف أن المتحف البريطاني أجبر نيجيريا في الخمسينيات على شراء جزء صغير من مجموعة منحوتات بنين برونز، التي يعود تاريخها إلى القرن الـ16 والقرن الـ17، هذا على الرغم من أن المتحف حصل عليها عندما غزت القوات البريطانية مدينة بنين سنة 1897، وأصابت السكان المحليين بمأساة كبيرة في إطار حملة عقابية.

حروب الآثار وآثار الحروب

ويروي زهير ماجد من صحيفة "الوطن" قصة مروحية إسرائيلية غطت في منطقة قريبة من مدينة صور في جنوب لبنان خلال الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، لكن تلك المروحية لم تشترك في المعارك، بل حملت أحد النواويس قبل أن تعترف السلطات الإسرائيلية بسرقة قبر أحيرام أحد الملوك الفينيقيين لمدينة صور. وكان الاعتقاد الإسرائيلي أن الناووس يحتوي على معلومات مهمة حول الوجود اليهودي في المنطقة.

لو أردنا الاختصار حول موضوع نهب الآثار العربية، يمكننا القول، إن كل جيش محتل دخل إلى المنطقة نهب كثيراً من آثارها، ولكل جيش أسبابه والآثار التي يختارها لنهبها، التي قد تسهم في تأكيد روايته للتاريخ. فالجيش العثماني نهب كثيراً من تراث البلاد التي خضعت لسلطته ما يقارب القرون الخمسة، وكذا فعل الجيشان الفرنسي والبريطاني خلال مرحلة الانتداب وقبلها. وما القطع الأثرية المهمة والكثيرة في متاحف هاتين الدولتين إلا دليل على حجم عمليات نقل الآثار التي وقعت في فترات زمنية مختلفة. ثم سرق عناصر "داعش" و"النصرة" وعصابات الآثار ما يكفي من آثار سوريا والعراق. وكان المتحف التونسي قد تعرض لمحاولة نهب لولا وقوف الثوار التونسيين صفاً واحداً أمام المتحف لمنع السارقين من دخوله، والأمر نفسه تكرر خلال انتفاضة المصريين في عام 2011، حين كانت جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، تعمل في السر والعلن على تدمير الآثار بكونها تخالف تعاليمهم الدينية.

وفي خضم كل هذه الحروب السائدة في المنطقة، لا بد من تذكر المأساة الأكثر قسوة على الثقافة العربية التي كانت بمثابة إخفاء لأهم ما تميز به العرب من تحضر وثقافة قبل غزو المغول في عام 1258، واحتلالهم عاصمة الخلافة العباسية أي بغداد على يد هولاكو، الذي سرق ذهب قبابها وأتلف الكتب القديمة والنفيسة التي كانت تضمها بغداد عاصمة الثقافة العالمية في حينه. وتقول بعض الروايات إنهم وضعوا الكتب في نهر دجلة كي تعبر عليها الخيول فكانت كارثة حقيقية، حيث تحول لون النهر إلى اللون الأسود بسبب الكميات الهائلة من الكتب التي ألقيت فيه.

وبعد سقوط العراق في الحرب الأميركية عام 2003، تم نهب كثير من الآثار من قبل مافيات دولية كالأختام الأسطوانية والتماثيل والفخاريات. فقد تم إحصاء سرقة أكثر من 15 ألف قطعة. ويعترف آثاريون عراقيون بأن الأمور ظلت على هذا النحو حتى وصول "داعش"، عندها وقع الضرر بنسبة 100 في 100، خصوصاً في ما يتعلق بالآثار والكنائس والمزارات والجوامع، إضافة إلى قيامه بسرقة آثار الحضر وأشور والنمرود، وتفجير جامع النبي يونس الذي يحوي عدداً من الطبقات الأثرية المهمة التي تعود إلى فترات آشورية. وتؤكد أبحاث معنية بالآثار، ظهور آثار سومرية عدة هي عبارة عن ألواح حفرت عليها أساطير بلاد ما بين النهرين بالكتابات المسمارية في متاحف متنقلة بين تل أبيب وبعض العواصم، على الرغم من أنها لا تعرف كيف وصلت إلى هناك. ويؤكد مسؤول في حق المتاحف العراقية، أن عمليات نهب المتاحف العراقية في عام 2003 أدت إلى سرقة 15 ألف قطعة أثرية، تمكنت الوزارة من استرداد 4200 منها.

الآثار المصرية والعراقية على رأس القطع المطلوبة في العالم

وفي تقرير مصري حول الآثار المصرية المفقودة، تبين أنه في مرحلة الضعف السياسي تحولت قناصل الدول إلى العمل بتجارة الآثار، ونجحت في نقل كثير منها وخصوصاً النادرة إلى بلادهم. ففي إيطاليا وحدها، يوجد 18 مسلة مصرية إلى جانب ملايين القطع النادرة التي يضمها متحف اللوفر في باريس وفيه القبة الفلكية لمعبد دندرة. وكذلك متحف برلين في ألمانيا وفيه رأس الملكة نفرتيتي، والمتحف البريطاني وفيه حجر رشيد وبرديات سرقة المقابر وبردية هارس التي يبلغ عدد صفحاتها 179 صفحة، إضاقة إلى قيام بعض حكام مصر بإهداء قطع من الآثار المصرية الأصلية. فقد أهدى محمد علي باشا ملك فرنسا لويس فيليب مسلة فرعونية مقابل ساعة القلعة، وأهدى الخديوي عباس وسعيد باشا جميع معروضات أول متحف للآثار الفرعونية المقام في أحد قصور المماليك في الأزبكية، لولي عهد أمبراطور النمسا. كما أهدت الحكومة المصرية مجموعات كبيرة من الآثار مثل معبد دندرة الصغير بالنوبة، إلى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عام 1974. كما أهدت معبد دابور إلى الحكومة الإسبانية المقام حالياً في ميدان مدريد. وأثناء عملية تفجير سيارة مفخخة استهدفت مديرية أمن القاهرة، تأثرت مقتنيات المتحف الإسلامي كثيراً، وسقطت جدران ذات أشكال إسلامية، كما تم تحطيم أوان زجاجية تعود لعصور إسلامية. وكانت قد اشتعلت النيران في عام 2011 في المبنى الأثري الذي يطل على ميدان التحرير، ويضم المجمع العلمي، وقد أتى الحريق على 200 ألف كتاب نادر أهمها وصف مصر.

ونشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، أن الولايات المتحدة أعلنت عن عزمها إعادة أكثر من 17 ألف قطعة أثرية نُهبت من العراق، في إطار صفقة تاريخية بين وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية ووزارة العدل الأميركية. واعتبرت هذه الصفقة جزءاً من حملة عالمية للحد من الاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية.

المزيد من منوعات