يتواصل الجدل في تونس حول دور بعض الجمعيات الخيرية التي كثفت نشاطها والترويج له قبل أربعة أشهر من ثاني انتخابات تشهدها البلاد بعد ثورة 2011. ويبحث البرلمان التونسي تنقيح القانون الانتخابي ما فتح باب النقاش، بين مساندٍ ورافضٍ لتغيير قواعد اللعبة الانتخابية بمنع الإشهار السياسي وتمجيد الديكتاتورية والنظام السابق.
واتفقت الأحزاب الحاكمة على تمرير تعديلات حكومية للقانون الانتخابي، واستنفر الحزبان الحاكمان "النهضة" و "تحيا تونس" لتمرير مقترحات تقضي بعدم قبول ترشح مخالفي قانون الجمعيات والأحزاب، لكل من ثبت استغلاله للإشهار السياسي، بشكل يقصي رؤساء الجمعيات الخيرية وأصحاب المؤسسات الإعلامية من الترشح.
كما جرى الاتفاق على إبعاد الأحزاب، التي تمجد النظام القديم وتشيد بالدكتاتورية والإرهاب، عن المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة.
ودعت النهضة في بيان صادر عن مكتبها التنفيذي، إلى ضرورة حماية المسار الديمقراطي، وعدم السماح بأي تلاعب بالتجربة الوليدة، والتفاعل الإيجابي مع كل الاقتراحات التي تحقق هذا الغرض، واتخاذ كل التدابير القانونية لمنع التحايل على الناخبين وحماية الديمقراطية. وشددت على ضرورة التقيد الكامل بالمواعيد الانتخابية التي سبق وأعلنتها الهيئة العليا المستقلة لانتخابات بتونس، باعتبار أن ذلك استحقاق دستوري وكسب مهم للانتقال الديمقراطي ودليل نجاحه وصدقيته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عيش تونسي
وعرف في الآونة الأخيرة نشاط جمعية «عيش تونسي» جدلاً واسعاً في علاقته بالحملة الإعلامية المكثفة، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو من خلال المساحة التلفزيونية المهمة التي تحتلها أو من خلال بعض الوجوه الفنية الشعبية في تونس عبر الإشهار السياسي. وبحسب موقع الجمعية، فإنهم قاموا بأكبر استشارة شعبية في تونس اسمها "وثيقة التوانسة" مست أكثر من 400 ألف تونسي وتونسية في فترة ما بين شهري نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 ومارس (آذار) 2019.
"وثيقة التوانسة"، هي عبارة عن 12 نقطة أو ما تسميه الجمعية إجراء يمثل حلاً لمشاكل عبّر عنها التونسيون والتونسيات. وأثارت الحملة التي تقوم بها جمعية "عيش تونسي" مخاوف عدة بسبب إمكان تحولها إلى مشروع سياسي بغطاء جمعياتي، وبسبب جمعها لمعلومات دقيقة عن التونسيين وتوقعاتهم وآرائهم، فقد توظف في إطار إستراتيجية انتخابية.
حملات انتخابية خفية
كما تتهم هذه الجمعية بالارتباط الوثيق لإحدى عضواتها بمؤسسة "رامبورغ" الفرنسية، التي تتهم بدورها بالعمل على حماية المصالح الفرنسية في تونس، خصوصاً استغلال الثروات الباطنية. في المقابل، يرى رئيسها سليم بن حسن، أن هذه الاتهامات جاءت رداً على إعلان جمعيّته الحرب على الفساد، مؤكداً أن الهدف الأساسي من نشاطهم هو القضاء على الفوضى ووضع البلاد على "السكّة الصحيحة" وفق تعبيره.
كما يتّهم صاحب قناة "نسمة" الخاصة نبيل القروي بتوجيه المشاهدين والقيام بحملات انتخابية خفية، مستغلاً المساعدات التي تقدمها جمعيته الخيرية "خليل تونس" للتأثير في اختيارات الناخبين للتصويت لصالحه في الانتخابات الرئاسية التي ترشح لها عبر قناته الخاصة. يُذكر أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في تونس، سلّطت عقوبة مالية على القروي بسبب الظهور المتواتر له في البرنامج الخيري، والذي اعتبر بمثابة حملة ترويجية لشخصه وصورته أمام التونسيين، خصوصاً الطبقة الاجتماعية الهشّة.
ضرب مكاسب المجتمع المدني
وتعتقد أستاذة التعليم العالي في القانون سلوى الحمروني في مقال لها أننا "نعيش اليوم استعدادات حثيثة لانتخابات تشريعية ورئاسية بعد فترة حكم اتسمت بالتقلبات السياسية والإحباط والمخاوف".
ولاحظت الحمروني في هذا المجال "وجود العديد من المحاولات التي تقدم نفسها كبديل عن طبقة سياسية أثبتت فشلها وعدم قدرتها على السير بالبلاد نحو الأحسن"، إضافة إلى "تعدد الأنشطة الجمعياتية المرتبطة بطموحات سياسية مُعلنة أو خفية"، مفيدة في السياق ذاته "تكثّف الجمعيات الخيرية من نشاطها في المدة الأخيرة، والعديد منها يُرفق هذا النشاط بتحميل مسؤولية تدهور الوضع المعيشي للتونسيين للسياسيين وبخاصة من هم في الحكم".
وتقول الحمروني "إن ما نخشاه اليوم لا علاقة له بتخوف على الأحزاب السياسية وهي مسؤولة بدرجة كبرى عن اختلاط الأوراق وعن تفكك المشهد السياسي اليوم"، بل ما تخشاه الحمروني هو أن يكون الدور السياسي للجمعيات مدخلاً لضرب مكاسب المجتمع المدني ومنها أساساً المرسوم 88." وتضيف "نحن نحتاج اليوم وأكثر من أي وقت لمجتمع مدني صلب قادر على مراقبة الأحزاب ومحاسبتها إذا كانت في السلطة"، متسائلة "فماذا يبقى من صدقية هذه السلطة المضادة إذا أصبحت تعمل فقط على الوصول إلى السلطة؟ ".
20 ألف جمعية في تونس
وتخضع الجمعيات حالياً في تونس لأحكام المرسوم عدد 88 لعام 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر (أيلول) 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات، الذي تمّ إعداده من قبل لجنة الخبراء التابعة للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي واتّسم بطابعه التحرري في تأطيره لحريّة التنظيم، وألغي بموجبه القانون السابق للجمعيات (القانون عدد 154 لعام 1959 المؤرخ في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1959 المتعلق بالجمعيات)، لما شكّله من تضييق على العمل الجمعياتي. ويبلغ عدد الجمعيات في تونس 20 ألفاً و909 إلى حدود نوفمبر الماضي، وفق آخر الإحصاءات الرسمية.