Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العائدون من القتال مع "داعش" إلى تونس... من يُخفي آثارهم؟

التوافق السياسي بين حزبَي نداء تونس والنهضة الإسلامية تسبب في إغلاق الملف وعدم الوصول إلى نتائج

عدد التونسيين الذين توجّهوا إلى بؤر التوتر هو نحو 2929 (غيتي)

ما زالت محاولات فكّ رموز ملف العائدين من بؤر التوتر تثير جدلاً كبيراً في تونس، على مستويات عدة، منها سياسي متمثل في صعوبة فتح هذا الملف والتحقيق مع المتسببين فيه، ومنها ما هو أمني يتعلق بكيفية التعامل مع هؤلاء في السجون أو خارجها.

"حلق لحيته الكثيفة ولبس الجينز المحبذ لديه، ورجع إلى حياته السابقة، في محاولة منه لمحو ما علق بمخيلته من أهوال داعش التي عايشها وهو يتحسر ندماً على ما اقترفه. فهو يعاني أزمة نفسية بسبب ما مرّ به". هذا ما يقوله منذر عن شقيقه أنيس (27 عاماً)، وهما يعيشان في "دوار هيش" أحد أكبر الأحياء الشعبية في تونس العاصمة.

سافر أنيس، وفق رواية أخيه، إلى سوريا بطريقة عادية عبر تركيا أواخر عام 2013، وفي أواخر عام 2015، انتقل إلى الرقة، وقد انشق عن التنظيم مع مجموعة من المقاتلين متعددي الجنسيات. ووفق رواية أخيه، رفض أنيس والمجموعة تنفيذ عمليات قتل جماعي. وقام مع رفاقه، بمساعدة وسيط، بتزوير جوازات سفر ليبية في تركيا، ومنها سافروا إلى ليبيا وتحديداً إلى مصراتة، ثم تسلل أنيس إلى تونس في أبريل (نيسان) 2016 بمساعدة "مهرب بنزين". ويخضع أنيس الآن إلى مراقبة إدارية ويعيش حياته الاعتيادية كأن شيئاً لم يكن.

ثغرات قانونية

يقول الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية سفيان الزعق إنه "يتم التعامل مع العائدين من بؤر التوتر قضائياً في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب"، مضيفاً "في ضوء الجرائم التي ارتكبها هؤلاء يحكم عليهم، إما بالسجن وتعيين جلسة في انتظار محاكمتهم، أو يبقون قيد الإقامة الإدارية". وترى المتخصصة بقضايا الإرهاب منية العرفاوي أن ملف العائدين من بؤر التوتر يشكو من ثغرات قانونية عدة تعرقل عمل القضاة، وأهمها عدم وجود مستندات تثبت قتال هؤلاء في بؤر التوتر. تضيف أن "العديد منهم ذهبوا إلى سوريا بطرق قانونية عبر تركيا، ولم يثبت عليهم أي جرم مدوّن. وتثبت أوراق جوازاتهم بأنهم لم يغادروا تركيا". وأفادت بأن العديد منهم غادر السجن لعدم إثبات قيامه بجرائم إرهابية في سوريا.

تتفاوت أعداد التونسيين الذين التحقوا بتنظيم داعش، من تقرير إلى آخر. ووفق دراسة أعدها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وصل عددهم إلى 2900 شخص، قُتل منهم 552 شخصاً حتى مارس (آذار) 2018، وعاد إلى تونس 970 آخرون. هذه الأرقام تخالف كثيراً الروايات التي ادعت أن تونس هي البلد الأول المصدر للإرهاب في العالم.

وكان الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني وليد حكيمة، أكد خلال مؤتمر صحافي أن عدد التونسيين الذين توجّهوا إلى بؤر التوتر هو نحو 2929. ورفض الناطق الرسمي لوزارة الداخلية التونسية سفيان الزعق، كشف عدد هؤلاء المقاتلين خارج السجون، مؤكداً أن "لا خوف من إفلات أي عنصر منهم من العقاب وأن الأمن التونسي مسيطر تماماً على الوضع".

مخاوف أمنية وتنسيق دولي

لكن بدرة قعلول، مديرة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية، ترى عكس ذلك، وتقول إن "الوضع ما يزال خطيراً، خصوصاً أن هؤلاء الإرهابيين باتوا خبراء في ميدان الحرب والقتال والتخفي". تضيف أن "وجود هؤلاء أحراراً، له تأثير سلبي في المجتمع بجعلهم رموزاً قيادية يتأثر بها الشباب، خصوصاً أنهم لم يحاسبوا على الجرائم التي اقترفوها". وتتخوف قعلول، من أن تكون الوجهة المقبلة للإرهاب بعد الشرق الأوسط هي شمال أفريقيا. وتتوجس من أن تساعد الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها المنطقة في تنامي الظاهرة. وتسأل عن تهريب السلاح من ليبيا إلى تونس.

وكشف وزير داخلية تونس هشام فراتي، خلال مؤتمر صحافي في 7 يناير (كانون الثاني) 2019، عن أن وزارة الداخلية تنسق مع نظيراتها من الدول الغربية في ما يتعلق بمسألة العائدين من بؤر التوتر، على أن يتم تبادل المعلومات والمعطيات في خصوص بعض الأشخاص المعنيين.

ومن أخطر ما تكشفه دراسة أعدها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، تحت عنوان "الإرهابيون العائدون من بؤر التوتر في السجون التونسية"، وقد أعلنها في مايو (أيار) 2018، أن غالبية العائدين من أصل 80 التقاهم معدو الدراسة، تتراوح أعمارهم بين 25 و29 عاماً، وظروفهم المادية والاجتماعية غير مستقرة، و90 في المئة منهم من المتعلمين.

طمس الحقيقة

وفي خصوص البحث عن المسؤول الحقيقي في تسفير المقاتلين إلى سوريا والعراق، تقول ليلى الشتاوي، الرئيسة السابقة للجنة التحقيق في التسفير في مجلس نواب الشعب، إنه "منذ تأسيس اللجنة في فبراير (شباط) 2017، أستدعي أشخاص وجهات لهم علاقة بملف التسفير، من أجل الاستماع إليهم وجمع المعلومات". وتأسف من أن التوافق السياسي بين حزبَي "نداء تونس" و"النهضة الإسلامية" تسبب في إغلاق الملف وعدم الوصول إلى نتائج. ويعلن المحامي المختص في القانون الجنائي الدولي عماد بن حليمة أنه بدأ تشكيل فريق عمل لمباشرة إجراءات التتبع في ملف التسفير ضد قيادات إسلامية في عاصمة غربية، مضيفاً أن تونس وقّعت اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب. لكنه يستدرك قائلاً إنه "لا يمكن حكومة يشارك فيها إسلاميون فتح مثل هذا الملف".

في ضوء ذلك، ليس غريباً أن تكون آخر حالة استنجاد بجمعية إنقاذ التونسيين العالقين في الخارج، وفق رئيسها محمد إقبال بن رجب، حصلت في 2017، حين لجأت إليها إحدى الأسر بهدف استرجاع ابنها من سوريا. وعلى الرغم من ذلك، لم يُقفل هذا الملف إنما تراجع لأسباب دولية.

المزيد من العالم العربي