Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

4 ملايين عاطل من العمل في العراق وسط غياب الحلول

يدعو مراقبون إلى إيلاء القطاع الخاص أهمية أكبر من جانب الدولة

ساحة الرصافي في بغداد والتي تقع قرب أحد الاسواق المهمة في بغداد (اندبندنت عربية)

يبدو أن إيجاد حلول لملف العاطلين من العمل في العراق سيكون أمراً بعيد المنال خلال الفترة المقبلة، لعدم وجود رؤية واضحة لدى الدولة تتضمن توفير فرص عمل خارج القطاع العام الذي تضخّم في الأعوام العشرة الأخيرة لاستيعاب شريحة واسعة من الشباب العراقي، ما تسبب بضغط كبير على الموازنة العامة.
وفي وضع اقتصادي يفتقر إلى وجود قطاع خاص نشيط وواسع الانتشار في كل مجالات الحياة وسيطرة الدولة وتوغلها في قطاعات اقتصادية عدة، بات من الصعب إيجاد حلول سريعة لمشكلة البطالة في العراق إلا بعد تحديد اختصاصات الدولة في العمل الاقتصادي، الذي لا يزال يراوح بين خطة للإصلاح الاقتصادي طرحتها الحكومة في ورقتها البيضاء وتوجه برلماني واسع رافض لتقليص دور القطاع العام في الزراعة والصناعة.
وعلى الرغم من تحسن وضع الدولة العراقية المالي خلال الأشهر القليلة الماضية وارتفاع احتياطات البنك المركزي إلى اكثر من 70 مليار دولار وانخفاض معدل الديون الداخلية إلى 70 تيريلون دينار عراقي (حوالى 50 مليار دولار) وانخفاض الديون الخارجية إلى 20 مليار دولار، فإن هذه الأمور لم تؤثر في تحقيق إصلاح لملف البطالة في البلاد ل لأن الحكومة الحالية محدودة الصلاحيات ولا يمكنها اتخاذ قرارات استراتيجية في ما يتعلق بهذا الملف، على الرغم من إعلان وزارة النفط مطلع العام الحالي، عن تحقيق إيرادات إضافية من بيع النفط بلغت 16 مليار دولار خلال عام 2021.

4 ملايين عاطل

وكشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن وجود أكثر من 4 ملايين عراقي عاطل من العمل. وصرحت وكيلة الوزارة عبير الجلبي لجريدة "الصباح" الحكومية، أن "الوزارة سجلت أكثر من مليونَي عاطل من العمل في قاعدة بياناتها، وهناك أعداد مقاربة للعاطلين من غير المسجلين"، مبيّنة أن "ظاهرة تسوّل الشباب لا تنضوي أسبابها ضمن قلة فرص العمل بل تعود إلى أسباب اجتماعية متمثلة في التفكك الأسري وانتشار المخدرات، لا سيما في المناطق والمحافظات الفقيرة التي يلجأ أكثر أبنائها إلى العاصمة هرباً من واقعهم الصعب".
واتبعت الحكومة العراقية منذ أعوام نظاماً خاصاً بالرعاية الاجتماعية لمساعدة الفئات الأكثر حاجة للدعم ككبار السن والمطلقات والأرامل والعاطلين من العمل، وبموجب هذا النظام تم شمول أكثر من 1.6 مليون عراقي يتلقّون دعماً مادياً ما بين 70 دولاراً إلى 170 دولاراً شهرياً.

13.8 في المئة نسبة البطالة

من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي إن "النسبة التي تم تسجيلها خلال الأعوام الماضية وصلت إلى 13.8 في المئة". وأوضح في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "أجرينا أخيراً مسحاً لسوق العمل العراقية، وستكون للوزارة قريباً بموجب هذا المسح مؤشرات جديدة إلى نسب البطالة وسيتبيّن لنا، إذا انخفضت أو ارتفعت".

الاهتمام بالقطاع الخاص

وتابع الهنداوي أن "التوجه الحكومي هو لإيلاء اهتمام بالقطاع الخاص لأنه قادر على الإسهام في توفير فرص عمل واستيعاب الزيادات في سوق العمل العراقية"، لافتاً إلى أن "هذا التوجه يأتي بالتزامن مع عدم إمكانية توفير درجات وظيفية في مؤسسات الدولة بسبب التضخم الذي يشهده الجسد الوظيفي في البلاد".
ومنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، فتحت الحكومات العراقية المتعاقبة وبضغط من الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، الباب واسعاً أمام التعيينات في دوائر الدولة كجزء مهم من حملتها الدعائية للانتخابات، الأمر الذي رفع عدد العاملين في القطاع العام من 850 ألفاً عام 2003 إلى 4.5 مليون موظف وعامل حالياً.
ومع هذه الزيادة المرعبة في أعداد العاملين في القطاع العام وعجز الدولة عن تسديد رواتب جزء كبير منهم إلا عن طريق القروض واستيعاب أعداد جديدة من العاملين فيه، فإن حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تهدف من خلال قانون العمل والضمان الاجتماعي الجديد إلى تحويل الإقبال نحو القطاع الخاص وإقناع الشباب العراقي بالعمل فيه، بدلاً من التوسط ودفع الرشاوى للحصول على وظيفة محدودة الأجر.
وأشار الهنداوي إلى أن "الاتجاه إلى القطاع الخاص يتطلب توفير بيئة مناسبة للعمل في هذا القطاع، من ضمنها توفير ضمانات للعاملين فيه أسوة بالقطاع العام"، مبيّناً أن أحد أسباب العزوف عن العمل في القطاع الخاص هو عدم وجود ضمانات اجتماعية للعاملين، بالتالي عدم توفير بيئة مناسبة".

مجلس تطوير

وأوضح الهنداوي أن "وزارة التخطيط شرعت في تشكيل مجلس لتطوير القطاع الخاص برئاسة وزير التخطيط. والمجلس يعمل بشكل مؤقت لتوفير النظام الداخلي والأرضية المتكاملة للمجلس الدائم"، لافتاً إلى أن "المجلس سيأخذ على عاتقه التنسيق بين الحكومة وتشكيلات القطاع الخاص وفعالياته بشكل عام وسيكون له صوت في صنع القرار الاقتصادي".
وبحسب آخر إحصاء أجرته بغداد عام 2020، فإن محافظة الأنبار (غرب) سجلت أعلى نسبة بطالة بواقع 32.4 في المئة، فيما بلغت النسبة في محافظة كركوك 6.3 في المئة، وهي الأقل مقارنة ببقية المحافظات العراقية.
وبلغت نسبة البطالة في الريف 14 في المئة، مقارنة بـ13.2 في المناطق الحضرية.

النسبة تصل إلى 20 في المئة

بدوره، قال المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح إن الرقم الرسمي يؤشر إلى وجود 20 في المئة من البطالة الفعلية لقوة العمل". وأشار إلى "استمرار انخفاض مساهمة القطاعات الحقيقية بالنشاط الإنتاجي، إذ ما زالت مساهمة الصناعة التحويلية لا تشكل سوى 1 في المئة، مع موت شبه كامل للحِرف المحلية بسبب سياسة الانفتاح التجاري الاستيرادي غير المنضبط، فضلاً عن التطبيق غير المكتمل لقانون حماية المنتج الوطني"، مبيّناً أن "هذا الواقع لا يساعد كثيراً على توفير فرص عمل كبيرة".
وشهدت الأسواق العراقية منذ عام 2003 انفتاحاً غير مسبوق على استيراد السلع والبضائع وبأسعار رخيصة جداً أدت إلى انهيار الصناعة المحلية وتسريح آلاف العمال، قسم كبير منهم من المهرة، بشكل مفاجئ.

مشاريع متعددة

ولفت صالح إلى أن "مسألة الاستثمار في تنمية المشاريع الكبرى المدرّة للدخل والمشغلة للعمل هي الدولاب المركزي للتوظيف الكبير للعاطلين من العمل، فضلاً عن أهمية إشاعة تمويل مشاريع الشباب الصغيرة والمتوسطة ضمن حِزم مشاريع محفّزة مدروسة تقدمها الدولة بناء على اقتراح وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وسيُزجّ الشباب في هذه المشاريع وتتطور قوة العمل الشابة لتنمية نشاطات منتجة مفقودة بما فيها الحرفية منها التي اضمحلت". وأكد أن "البلاد بحاجة إلى برنامج تشغيل وطني شامل لضمان الاستقرار والازدهار".
ويعتمد الاقتصاد العراقي أساساً على تصدير النفط الخام في الحصول على وارداته المالية، وتشكل أكثر من 90 في المئة من إيراداته السنوية التي تذهب غالبيتها كرواتب ومنح لشرائح مختلفة من المجتمع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الأعداد أكبر

في السياق، قال رئيس مؤسسة "عراق المستقبل" للدراسات الاقتصادية منار العبيدي إن "نسبة البطالة الحقيقية أعلى من النسب التي تعلن عنها الحكومة لأن الأخيرة لا تملك إحصاءات دقيقة". وأضاف أن "هناك غير العاملين في سوق العمل الخاص، في ما يُسمّى بـ’سوق العمل العشوائي‘، إذ لا توجد قوانين لحمايتهم ولا توجد إحصاءات حول أعدادهم أو قوانين للضمان الاجتماعي خاصة بهم"، مشيراً إلى أن "المشكلة الحقيقية في العراق هي تنظيم سوق العمل".

مهن غير مسجلة

وأوضح العبيدي أن "هناك كثيراً من المهن غير المسجلة، بالتالي لا يتم ضمان حقوق العاملين فيها، ويكونون أشبه بالعاطلين من العمل، فهم لا يختلفون عن العاطل من العمل الا بأخذ الأجرة، إلا أنهم لا يملكون حقوقاً"، معتبراً أن "قياسات وزارة التخطيط غير دقيقة، نظراً إلى عدم توافر تعداد سكاني لدى العراق، فالعينات العشوائية لا يمكن قياسها على المجتمع، إذ إن بعض المدن تصل نسبة البطالة فيها إلى 50 في المئة مثل السماوة والديوانية والموصل".

معدلات هائلة

وتوقع أن تكون "نسبة البطالة في العراق كبيرة جداً، لا سيما أن عدد السكان يزيد بمقدار مليون شخص سنوياً، وعدد الخريجين يزدادون بمقدار 500 ألف شخص سنوياً"، مبيّناً أن "عدد العاطلين من العمل من بين هؤلاء الخريجين يصل إلى 350 ألفاً، بالتالي عددهم أكبر من الرقم التي أعلنته التقارير الحكومية".
واعتبر أن "بلداً يمتلك وفرة مالية، بينما نسب البطالة والفقر فيه عالية، يُعتبر فاشلاً في الإدارة لأن المعروف أن تلك النسب تُسجل في الدول الفقيرة التي لا أموال لديها".

مشاريع حقيقية

ودعا العبيدي إلى "تبني مبادرات لمشاريع حقيقية، فالناتج المحلي في قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة لا يمكن أن يوفر كميات كبيرة من فرص العمل"، مشيراً أيضاً إلى أن "الصناعة أصبحت متقدمة ولا تحتاج إلى كثير من الموظفين في المعامل بعكس السياحة والزراعة والخدمات والمصارف".
ولفت إلى أن "هذه القطاعات بحاجة إلى تطوير من خلال مبادرات تقوم بها الحكومة العراقية وعبر البنك المركزي لتشجيع العمل في تلك القطاعات"، مؤكداً أن "هناك نظرية في الاقتصاد تقول إن زيادة الناتج المحلي في قطاع من القطاعات بنسبة 1 في المئة، توفر فرص عمل تُقدّر بـ2 في المئة وهذا غير موجود في العراق".