Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعني صمود الاقتصاد الروسي فشل العقوبات الغربية؟

العديد من الشركات الآسيوية ما زالت حريصة على وجودها في موسكو

تتوالى عمليات تخارج الشركات الأجنبية من السوق الروسية مع استمرار الحرب الأوكرانية (غيتي)

كشف بنك "جي بي مورغان"، عن أن الاقتصاد الروسي نجح في تحقيق أداء أفضل من التوقعات على الرغم من العقوبات الغربية، مع اتجاهه للركود المحدود هذا العام، وأوضح البنك الاستثماري الأميركي أن استطلاعات معنويات الشركات في روسيا تشير إلى ركود محدود ما يمثل رؤية صعودية مقارنة بتوقعات البنك السابقة.

وكان البنك قد توقع في شهر مارس (آذار) الماضي انكماش الناتج المحلي الإجمالي في روسيا بنسبة 35 في المئة خلال الربع الثاني من هذا العام، مع انكماش الاقتصاد في إجمالي العام الحالي بنسبة سبعة في المئة، لكنه عاد ليؤكد أن اقتصاد روسيا يبدو في حال أفضل من التوقعات، بالنظر إلى بيانات تشمل استهلاك الكهرباء والتدفقات المالية، في حين أشار البنك الأميركي، إلى أنه على الرغم من الأداء الأفضل من التوقعات للاقتصاد الروسي، فإنه لا يزال بعيداً عما كان يمكن أن يحققه في حال عدم تعرضه للعقوبات الغربية بسبب غزو أوكرانيا.

ضغوط صعبة مع تخارج الشركات

في الوقت نفسه، ومع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، تتوالى عمليات تخارج الشركات الأجنبية من السوق الروسية، الأمر الذي يضغط على الاقتصاد الروسي، ويدفعه، كما يتوقع الاقتصاديون، إلى ركود عميق نتيجة معدلات التضخم المرتفعة، وتقلبات عملته المحلية "الروبل" مقابل الدولار الأميركي، ومع ذلك، تتمتع روسيا باقتصاد قوي بفضل موارد الطاقة والمحاصيل الزراعية، التي يعتمد عليها العالم بشكل كبير، ما يجعله صامداً في الأمد القصير أمام العقوبات الغربية حتى الآن، كما يمكن النظر إلى بقاء بعض الشركات الأجنبية، بخاصة الآسيوية، في السوق الروسية، كنقطة ارتكاز في صالح استقرار نشاطه الاقتصادي، وتعويض خروج الشركات الأوروبية والأميركية منه.

وتباينت مواقف الشركات الدولية من ممارسة أنشطتها داخل السوق الروسية، بين الانسحاب والتعليق والاستمرار، وذلك في أعقاب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وقدرت وكالة "موديز" عدد الشركات التي أوقفت أنشطتها أو خرجت تماماً من السوق الروسية بأكثر من 400 شركة دولية، ومن المتوقع تخارج المزيد من الشركات الأخرى مع تصاعد العقوبات الغربية على موسكو، لا سيما بعد استبعادها من النظام المالي العالمي "سويفت"، وبالتوازي مع ذلك، أدى تخارج تلك الشركات إلى تسريح جماعي للعمال، وشهدت روسيا انتقال ما يصل إلى 200 ألف روسي، معظمهم من الشباب وكثيرون منهم من المهنيين المهرة، إلى دول مثل جورجيا وأرمينيا ودول البلطيق وتركيا.

في المقابل، هددت روسيا بمصادرة أصول الشركات المُنسحبة منها، مؤكدة أنها تعمل على خطوات لتأميم الشركات العامة المملوكة في الأساس لمساهمين أجانب، وهذه الخطوة هي رد على العقوبات التي فرضتها الحكومات الغربية، التي أظهرت أنها أكثر حدة مما توقعه الكرملين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من تزايد عدد الشركات المنسحبة أو التي علقت أنشطتها في روسيا، فإن العديد من الشركات المتعددة الجنسيات الأخرى لم تتخذ إجراءات مماثلة بمقاطعة أو سحب استثماراتها من السوق الروسية، ومن بينها "آيسر"، و"لينوفو" و"علي بابا" و"أسوس"، و"أوشان التجزئة"، و"كارفور"، و"غلينكور" و"هواوي"، و"الخطوط الجوية التركية"، و"شيومي" وغيرها، وبعض من تلك الشركات آسيوية والأخرى أوروبية.

النمو يتحول إلى انكماش عنيف

وعلى الرغم من صمود الاقتصاد الروسي حتى الآن، فإن العقوبات الغربية الأخيرة على موسكو تبدو قاسية للغاية، فبخلاف تضرر شركات الطاقة الروسية، استهدفت العقوبات أيضاً بنوكاً روسية رئيسة تقوم بتمويل القطاعات الصناعية الاستراتيجية والعسكرية في روسيا، وأبرزها "سبير بنك"، هذا بالإضافة إلى خسائر قطاع الطيران الروسي نتيجة لإغلاق المجالات الجوية الأوروبية أمامه، وهو بالطبع سيضر الطرفين الروسي والأوروبي.

في مذكرة بحثية حديثة، ترى وكالة التصنيف الائتماني "موديز"، أن الاقتصاد الروسي يمر حالياً بحال غير مسبوقة من هروب الشركات الأجنبية، وأنه على أعتاب الدخول في مرحلة انكماش، وفي 25 مارس الماضي، ارتفع التضخم السنوي في روسيا إلى 15.7 في المئة، وهو أعلى مستوى له منذ سبتمبر (أيلول) 2015.

ويرى بنك "غولدمان ساكس" أن العقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي، التي تعيق دفاعه عن "الروبل"، قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم إلى مستوى 17 في المئة بحلول نهاية العام الحالي، ويتوافق هذا الرقم مع زيادة سعر الفائدة لدى البنك المركزي الروسي بأكثر من الضعف إلى 20 في المئة قبل خفضه مرة أخرى إلى 17 في المئة، وهي زيادة ضرورية لجذب الودائع للبنوك الروسية، كما سجل معدل البطالة في روسيا مستوى قياسياً، إذ من المرجح أن يرتفع إلى 7.4 في المئة في الربع الثاني من عام 2022، لكن هذا يعتمد على مسار الصراع العسكري في أوكرانيا.

وفي ما يتعلق بتوقعات النمو الاقتصادي الروسي لعام 2022، فإنها تراجعت من اثنين في المئة قبل العقوبات الغربية إلى سالب سبعة في المئة، مع توقع انخفاض الإنفاق المحلي العام والخاص بنسبة عشرة في المئة أو أكثر، وستؤثر ضوابط التصدير التي تفرضها الدول الغربية، لا سيما على السلع والتكنولوجيا المستخدمة في التنقيب عن النفط واستكشافه وإنتاجه، على قدرة روسيا على إنتاج الطاقة وتصديرها، ما يقوّض نمو الاقتصاد الروسي.

ورجح البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة عشرة في المئة هذا العام، حيث تسببت الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية في أعمق ركود لروسيا منذ أوائل التسعينيات، وعلى الرغم من صمود النظام المالي الروسي، يرى البنك أنه من المتوقع تراجع الناتج المحلي الإجمالي الروسي في عام 2023 مع تحقيق نمو منخفض للغاية على المدى الطويل.

دفع الاقتصاد الروسي إلى الانهيار

في الوقت نفسه، تعد العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا في ظل حرب أوكرانيا، من أشد العقوبات التي تم فرضها على الإطلاق، ومن المرجح أن يكون لها تأثير كبير في النظام المالي والاقتصادي في موسكو، وتختلف العقوبات المفروضة حالياً على روسيا بشكل جوهري عن نظيرتها المفروضة عليها من الغرب في عام 2014 بسبب ضمها شبه جزيرة القرم ودعمها الانفصاليين في شرق أوكرانيا، التي كانت متواضعة إلى حد كبير، وذلك مقارنة بعقوبات الحظر الكامل التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد إيران وكوريا الشمالية.

لكن يتمتع الاقتصاد الروسي بالعديد من المقومات التي قد تجعله يتحمل وربما يتجاوز تبعات العقوبات الحالية، ومنها موارد الطاقة الضخمة التي تحتاجها أوروبا بشدة، والإنتاج الكافي من الغذاء، والطاقات البشرية التي تتمتع بمستوى عال من الكفاءة، وتشير المعطيات إلى تراجع تأثير العقوبات في الاقتصاد الروسي على عكس بدايتها، وذلك على الرغم من شن الغرب حرباً اقتصادية على روسيا، حيث حظرت واشنطن بيع مجموعة واسعة من البضائع الروسية، وانسحبت العشرات من الشركات الكبرى، وجمّد عدد آخر من الدول مجتمعة ما نسبته 60 في المئة من الاحتياطات الدولية للبنك المركزي الروسي، بهدف دفع الاقتصاد الروسي إلى الانهيار.

وخلال الأسبوع الذي أعقب بداية حرب أوكرانيا، انخفض "الروبل" الروسي بأكثر من الثلث مقابل الدولار، وانهارت أسعار أسهم العديد من الشركات الروسية، ولكن بعدها تراجعت الفوضى في الأسواق الروسية، وارتفع سعر صرف الروبل بشكل ملحوظ مقارنة بالقيم الهزيلة في بداية مارس الماضي، وبات الآن يقترب من مستواه السابق قبل الحرب مدفوعاً بسلسلة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الروسية، والتي ساعدت في استقرار الأسواق، ولعل أبرزها قرار تسوية مدفوعات الغاز بـ"الروبل".

مخاطر التخلف عن سداد الديون قائمة

وعلى الرغم من العقوبات الغربية القاسية، لكن شركات آسيوية عدة ما زالت حريصة على وجودها في السوق الروسية، والحفاظ على حصصها بمشاريع الطاقة والبنوك وتجارة التجزئة المملوكة لها هناك، بما يخدم المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للدول الممثلة لها، إذ رفضت اليابان انسحاب شركاتها من مشروعي "سخالين-1" و"سخالين-2"، معتبرة إياهما ضروريين لأمن الطاقة في اليابان، وحتى قبل الحرب الأوكرانية، كانت التقديرات تذهب إلى أن الصين تعتبر حليفاً اقتصادياً وسياسياً رئيساً لموسكو، حيث يمكن الاعتماد عليها في دعم الاقتصاد الروسي، والحصول على التكنولوجيا والسلع التقنية التي حظر الغرب حصول موسكو عليها، وهو أمر سترحب الأخيرة به بطبيعة الحال.

وعلى جانب آخر، تخطط الحكومة الروسية لتقديم مزيد من الحوافز المالية للشركات المحلية، لتشجيعها على المشاركة في الأنشطة الاقتصادية التي تخارجت منها الشركات الأجنبية، وقد يمثل ذلك دعماً كبيراً للشركات وتعزيز صمود الاقتصاد الروسي في المستقبل القريب.

في السياق ذاته، فإن سياسة انفتاح روسيا أمام الشركات الآسيوية، بالإضافة إلى دعم الشركات المحلية، ستلعبان دوراً جوهرياً في مساندة الاقتصاد الروسي في الأجل المنظور، وهذا ما لم تنجح ضغوط الولايات المتحدة على الصين والهند وغيرهما من حلفاء روسيا في تقويض علاقتهم الاقتصادية بالأخيرة، وعلى الرغم من صمود الاقتصاد الروسي حتى الآن، فإن مشكلة التخلف عن سداد الديون تبقى قائمة، فقد تعرض بنكا "جي بي مورغان تشيس" و"غولدمان ساكس" لضغوط من أجل تسليم معلومات شاملة عن العملاء الذين يتداولون الديون الروسية، بحسب تقرير.

وذكرت وكالة "بلومبيرغ"، نقلًا عن خطابات تم إرسالها من السيناتور إليزابيث وارن، والنائبة الأميركية كات بورتر إلى الرؤساء التنفيذيين في البنكين، أن المسؤولين طالبا بإعلان قوائم العملاء الذين يستثمرون في الديون الحكومية وسندات الشركات الروسية منذ بدء الصراع في أوكرانيا. كما تشمل المطالب المرسلة إلى البنكين الحصول على تفاصيل حول أنواع وأحجام الاستثمارات، والمكاسب المحققة إذا وجدت، وكان بنكا "جي بي مورغان" و"غولدمان ساكس" قد أعلنا في شهر مارس الماضي خفض أعمالهما في روسيا، على خلفية العقوبات الغربية ضد موسكو بسبب حرب أوكرانيا.

اقرأ المزيد