عادت العملة التركية إلى تصدر أسوأ عملات الأسواق الناشئة مجدداً في مقابل الدولار خلال العام الحالي، إذ سجلت خسائر جديدة مقابل الدولار الأميركي بنسبة واحد في المئة لتصبح الورقة الأميركية بنحو 15.10 ليرة.
وعلى الرغم من سلسلة خفض الفائدة التي يتبناها البنك المركزي التركي منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، إضافة إلى تحركات الحكومة لاحتواء أزمة التضخم العنيفة التي تواجه البلاد، لكن سوق الصرف تشهد تقلبات حادة لتتجاوز العملة المستويات المنخفضة التي وصلت إليها في مارس (آذار) الماضي، عندما تضررت من مخاوف حيال الحرب في أوكرانيا، والليرة الآن منخفضة بواقع 12 في المئة عن مستواها في نهاية 2021، وكانت قد هوت بنسبة تقترب من 60 في المئة خلال العام الماضي.
وفي سبيل دعم الليرة وخفض أسعار الفائدة أقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إقالة أكثر من محافظ للبنك المركزي خلال الأعوام الأخيرة، كما تدخلت الحكومة بشكل مباشر من خلال الاعتماد على الاحتياط في دعم العملة مما تسبب في انهيار احتياط النقد الأجنبي لدى البلاد إلى مستويات غير مسبوقة.
التضخم عند أعلى مستوى خلال 20 عاماً
وفي الوقت نفسه قفر تضخم أسعار المستهلكين في السوق التركية خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي 69.97 في المئة على أساس سنوي. وتأتي أرقام التضخم العالية في تركيا وسط أزمة حادة في ارتفاع أسعار السلع الأولية بصدارة الغذاء والطاقة والنقل والمواصلات، وتعد نسبة التضخم المسجلة أخيراً الأعلى منذ فبراير (شباط) 2002 عندما سجلت مستوى 73.16 في المئة.
وعلى أساس شهري بلغت نسبة التضخم في الوسط 7.25 في المئة مقارنة مع مارس الماضي، بينما بلغت نسبة التضخم منذ مطلع العام الحالي نحو 31.71 في المئة وفق بيانات هيئة الإحصاء التركية، بينما بلغت نسبة التضخم على أساس سنوي نحو 57.20 في المئة، وسجلت 22.88 في المئة منذ مطلع العام الحالي.
ويواجه الأتراك ارتفاعات غير طبيعية في أسعار السلع الرئيسة وسط ثبات في الأجور ومطالبات محلية بضرورة مواءمة الأجور مع النفقات الفعلية خلال 2022، وأمام هذه الزيادات تواجه الصادرات التركية إلى الخارج تحديات متزايدة ناجمة عن تراجع تنافسيتها أمام أسواق أخرى بصدارة أسواق شرق وجنوب شرقي آسيا التي تعتبر مصدراً للمواد الخام والمصنعة، وأسعارها تقل عن أسواق أوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعتبر الزيادة في الأسعار جزءاً من أزمة اقتصادية فاقمتها جائحة كورونا، وفي الوقت نفسه أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى حدوث قفزة في أسعار الغاز والنفط والحبوب، ويأتي تسجيل التضخم مستويات قياسية بعد سلسلة من عمليات خفض لمعدلات الفائدة منذ سبتمبر الماضي بسبب الضغوط الصعبة التي يمارسها الرئيس التركي على البنك المركزي.
عجز التجارة الخارجية يقفز 75 في المئة
ووفق وكالة "رويترز" قال المحلل الاستراتيجي تيموثي آش من "بلوباي" لإدارة الأصول، إن "الأمر يتعلق بزيادة أسعار الغذاء والطاقة، كما يتعلق أيضاً بالفشل المذهل للسياسة النقدية في تركيا، والفشل الذريع والكامل لسياسة أردوغان النقدية غير التقليدية".
وكان انخفاض العملة التركية خلال العام الماضي ناجماً عن دورة تيسير وخفض لأسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس بدأت في سبتمبر الماضي، مما أدى إلى ارتفاع مستمر في أسعار المستهلكين أججته تداعيات الهجوم الروسي على أوكرانيا، وأظهرت البيانات أن الارتفاع في أسعار المستهلكين كان بقيادة قفزة بنسبة 105.9 في المئة في قطاع النقل الذي يشمل أسعار الطاقة، وقفزة أخرى بنسبة 89.1 في المئة في أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية.
وعلى أساس شهري كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية هو الأكبر، إذ ارتفع 13.38 في المئة في وقت صعدت فيه أسعار المنازل 7.43 في المئة.
وتقول الحكومة التركية إن التضخم سينخفض في إطار برنامجها الاقتصادي الجديد الذي يعطي الأولوية لأسعار الفائدة المنخفضة لتعزيز الإنتاج والصادرات بهدف تحقيق فائض في الحساب الجاري، ومع ذلك يتوقع الاقتصاديون بقاء التضخم مرتفعاً لبقية عام 2022 بسبب الحرب، مع متوسط تقدير للتضخم في نهاية العام عند مستوى 52 في المئة.
وأظهرت بيانات حديثة من معهد الإحصاء التركي أن عجز التجارة الخارجية ارتفع 75 في المئة على أساس سنوي إلى 8.17 مليار دولار في مارس الماضي، مدفوعاً بزيادة في الواردات بـ 30.7 في المئة. وأوضحت البيانات أن الواردات بلغت قيمتها الإجمالية نحو 30.88 مليار دولار خلال شهر مارس، بينما ارتفعت الصادرات 19.8 في المئة إلى 22.71 مليار دولار.
وتهدف تركيا في إطار برنامج اقتصادي جديد إلى تحقيق فائض في رصيد المعاملات الجارية من خلال زيادة الصادرات مع الحفاظ في الوقت نفسه على أسعار الفائدة منخفضة.
دعم الليرة يهوي باحتياط النقد الأجنبي
وفي ما يتعلق باحتياط البلاد من النقد الأجنبي، كشفت بيانات رسمية عن استنزاف صافي الاحتياط منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مما يعود إلى تحركات الحكومة والبنك المركزي من أجل وقف انهيار الليرة التركية التي وصلت إلى مستوى 18.4 ليرة للدولار خلال تعاملات نهاية العام الماضي. واعترف الرئيس التركي بهبوط إجمالي احتياطات البنك المركزي من 120 إلى 115 مليار دولار خلال أسبوع واحد فقط، وهو ما أرجعه مراقبون إلى ضخ الدولار لوقف انهيار الليرة التركية.
وأعلن البنك المركزي خمسة تدخلات مباشرة في السوق خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي للحد من انهيار الليرة، وقال مصرفيون إنها كلفت ما بين ستة و10 مليارات دولار، واعترف البنك المركزي بأن التدخل الأول في أول ديسمبر كان بمبلغ 844 مليون دولار، والثاني بأكثر من 500 مليون دولار.
وأصدرت وزارة الخزانة والمالية في تركيا مبادئ توجيهية للتنفيذ من جانب البنوك في ما يتعلق بودائع الأجل (ستة إلى 12 شهراً) بالعملات الأجنبية.
ووفقاً لهذه المبادئ فإن الحد الأدنى لسعر الفائدة هو سعر الفائدة الرسمي للبنك المركزي التركي البالغ 14 في المئة، في حين سيكون الحد الأقصى لسعر الفائدة عند 300 نقطة أساس.
وتضمنت تلك المبادئ التوجيهية أن أسعار الصرف المرجعي في بداية ونهاية آجال الاستحقاق ستكون مماثلة لأسعار صرف الليرة التركية في مقابل الدولار واليورو والجنيه الاسترليني التي يعلنها البنك المركزي يومياً، وكانت الليرة تراجعت لمستويات قياسية خلال الفترة الماضية بضغط من خفوض البنك المركزي المتتالية لأسعار الفائدة.