Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مباراة بين آباء عراقيين للفوز ببراعة التصويب على أبنائهم

مطالبات بضرورة وضع قوانين لحماية الطفولة ومخاوف من اتساع تلك الظاهرة

هو ليس عرضاً للسيرك أو برنامجاً للخدع البصرية، هو فيديو حقيقي لحادثة حقيقية بطلها أب عراقي من محافظة المثنى يجازف بحياة ابنه ويجعله شاخصاً للرمي بالرصاص الحي لغرض إثبات دقة التصويب التي يتفاخر بها.
يبدأ الفيديو بوجود الابن الذي يضع السيجارة في فمه ليأتي بعدها الأب حاملاً بندقية الكلاشينكوف وليصوب باتجاه الابن من مسافة خمسة أمتار تقريباً في مشهد يحبس الأنفاس، يشق صوت الرصاصة الصمت في المكان لتنطلق باتجاه الابن وتصيب السيجارة التي يضعها الابن في فمه، ليتفاخر بعدها الأب بدقة التصويب ويتحدى شخصاً آخر ويطالبه بـ "حضور الميدان" أي ليظهر شجاعته في دقة التصويب.
هذا الفيديو ليس الأول من نوعه، فخلال أقل من أسبوع انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو آخر من محافظة الناصرية، لأب يصوّب الرصاصة باتجاه رأس ابنته ليوضح دقة التصويب التي يتفاخر بها. ويُطلَق على هذا الرجل لقب "روبن هود"، وهو معتقل حالياً لدى القوى الأمنية لاستخدامه السلاح وتعريض حياة طفلة قاصر للخطر.

مظاهر التعنيف لا حصر لها

تنشر في العراق جرائم التعنيف التي يمارسها الأهل تجاه أبنائهم، فالأب الذي يكبل ابنه بالقيود والدماء تسيل من جسمه ويقف الابن متوسلاً والده لكي يكف عن ضربه، وأب آخر يعاقب ابنه لعدم أدائه واجبه المدرسي بضربه بقوة على منطقة الرأس، جرائم تسربها كاميرات الهواتف النقاله لتنتشر بعدها على وسائل التواصل الاجتماعي. وغالباً لا يحاسَب الجناة وهم الأهل. ولعل البيوت تخفي داخلها مشاهد أقسى من تلك التي تكشفها وسائل التواصل الاجتماعي بالصدفة.
مظاهر التعنيف تغيرت وأصبحت وسيلة للتسلية والتحدي في الحادثتين اللتين انتشرتا في وسائل التواصل الاجتماعي وهي جعل الأبناء شواخص للرمي. والخوف حالياً من دخول هذه الأفعال مجال التحدي وهوس التصوير أمام الكاميرات والتفاخر بدقة التصويب ما دام الأب لن يشعر بالمسوؤلية، فبالتأكيد لن يهتم بلحظة الخطأ التي ستكون قاتلة.
وأثارت هاتان الحادثتان استغراب واستهجان المختصين في مجال الطفولة، مطالبين بمحاسبة الآباء، فالخوف من تفشي سعار هذا التحدي بين الأهل، بالتالي سيكون الأبناء هم الضحايا.

 


عقوبات رادعة

يرى القانوني علي التميمي أن "قانون العقوبات العراقي يتيح  للأجهزة الأمنية في هذه الحالات، إلقاء القبض على الجاني من دون حاجة إلى قرار قضائي وفق المادة 102 من قانون الأصول الجزائية كما يحق للادعاء العام تحريك الإجراءات وفق المادة 5 من قانون الادعاء العام 49 لسنة 2017".
وأوضح التميمي أن "قانون العقوبات العراقي في مادته 383 ينص على الحبس مدة تصل إلى 3 سنوات لكل مَن عرّض حدثاً يقل عمره عن 15 سنة للخطر. وإذا توفي هذا الحدث نكون أمام العقوبة الواردة في المادة 411 من قانون العقوبات التي تعاقب بالحبس والغرامة، وإذا أصيب الصغير بعاهة تكون العقوبة وفق المادة 412 من قانون العقوبات وهي السجن 7 سنوات. كما يجوز سلب الولاية على الصغير من هذا الأب وفق المواد 32 و33 من قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


اضطرابات نفسية

من جهة أخرى، يعتبر أخصائي الطب النفسي، محمد رضا ورور، أن "هذا السلوك علاوةً على خطورته على حياة الطفل فهو يمثل خطراً حقيقياً على الصحة النفسية للطفل. وتؤدي هذه التجارب إلى تعرض الطفل لأعراض خوف وقلق شديد واضطرابات في النوم. ويعيش الطفل في ذكريات لمشاعر وأفكار وأعراض جسدية مشابهة لتلك التي عاشها خصوصاً عند سماعه أصوات رمي مرة أخرى أو أصوات شبيهة بالرمي أو عند مشاهدة صورة السلاح".
وختم ورور رأيه بالقول إنه قد يشخَّص الأطفال الذي يمرون بهذه الحالة بـ "اضطراب كرب ما بعد الشدة وإذا كانت سلوكيات سوء المعاملة كهذه متكررة ومستمرة فقد تؤدي إلى مختلف الاضطرابات النفسية مثل اضطرابات المزاج أو القلق أو الأكل أو اضطرابات الشخصية أو الإدمان على المدى القريب أو البعيد".

العدائية تجاه المجتمع

وأثارت هذه الظاهرة استهجان وانتقاد المختصين في مجال الطفولة، فأعرب هشام الذهبي، المسؤول عن "البيت العراقي للإبداع" الذي يحتضن أطفالاً ممَن فقدوا الرعاية الأسرية، عن مخاوفه حيال تغاضي المجتمع عن الجانب النفسي للطفل الذي يعيش هذه التجارب". واعتبر الذهبي أن "الطفل الذي يمر بهذه التجربة يمكن أن يتحول من طفل بريء إلى حدَث مجرم يرتكب أبشع الجرائم".
وتابع الذهبي أن "هذه الحوادث ستترك أثراً نفسياً على الطفل لأن مَن قام بهذا الفعل (الأب) هو مَن يُفترض أن يكون أكثر شخص يحمي الطفل، بالتالي سيفقد الطفل الثقة بجميع أفراد المجتمع وقد تجعل منه هذه التجربة شخصاً عدوانياً ومن الممكن أن يحاول أن ينتقم من المجتمع لأن أقرب الناس إليه عرّض حياته للخطر، بالتالي فإن فقدان الثقة بوالده سينسحب على بقية أفراد المجتمع.
في السياق، صرحت الناشطة المدنية المختصة، تقى عبد الرحيم، أن "فكرة استخفاف ولي الأمر بحياة الابن من أصعب التجارب التي يمكن أن يعيشها الطفل فيربي ذلك بنفسه شعوراً بالنقص والاستغناء فيبدأ بتقبل فكرة العدائية والتعايش معها من دون خوف أو رادع أخلاقي أو أنساني، وبذلك نكون أنتجنا أطفالاً مجرمين بسبب ما وقع عليهم من أفعال إجرامية بعيدة كل البعد عن الإنسانية.

لا حل إلا بقانون حماية الطفولة

أما الأخصائية النفسية نيران يوسف جبر، فأكدت على "ضرورة وجود قانون حقيقي يحمي الأسرة والطفل من التعنيف ويحاسب أي شخص يعتدي على الطفولة". ورأت جبر أن "خطر هذه الظاهرة هو أن تتحول إلى نوع من المنافسة والشجاعة وتجعل شخصيات أخرى تحذو حذو مَن يقومون بها... فالشخصيات السايكوباثية، المعادية للمجتمع، تحاول إيذاء الآخر بدم بارد من دون الشعور بالمسؤولية ومن دون مبالاة بأي مخاطر قد تحدث للآخر فعدم وجود رادع قانوني قد يشجع الآخرين على تكرار الأمر".
في السياق، يتخوف هشام الذهبي، من "تحول هذه الأفعال من تسلية إلى عملية تحدٍ تطاول أرواح الأطفال". وأكد الذهبي ضرورة تشريع قانون حماية الطفولة، الذي يرى أنه الحلقة المهمة للحد من هذه الأفعال. وقال إن "تشريع قانون لحماية الطفولة سيمنع مثل هكذا حالات وسيعطي منظمات المجتمع المدني الغطاء قانوني للتدخل ومنعها، ويعطينا الحق برفع دعاوى قضائية ضد الآباء الذين يرتكبون مثل هذه الانتهاكات".

 

المزيد من متابعات