Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"البومردم" فرن الماضي الذي يطعم الليبيين خبزهم اليومي

تحولت صناعة خبز التنور إلى مصدر رزق لكثير من العائلات الفقيرة خصوصاً في شهر رمضان

يُعتبر خبز "التنور" الأكثر طلباً وشهرةً على المائدة الليبية في شهر رمضان (اندبندنت عربية)

خرجت الأفران الأرضية المدفونة أو ما يعرف في ليبيا باسم "البومردم"، من غياهب الذاكرة الشعبية إلى الاستخدام من جديد في الحياة اليومية، على الرغم من التدفق الهائل للمواقد الكهربائية الحديثة والتطور التكنولوجي في صناعتها، حتى تعددت أشكالها ومجالات استخدامها.

وتنشط صناعة "البومردم" في شهر رمضان بخاصة، حيث تستخدم في صناعة الخبز اليدوي التقليدي الذي تكاد لا تخلو منه موائد الطعام الليبي طيلة شهر الصوم، وتزدهر تجارته في الطرقات والمحال التجارية والأسواق الشعبية.

وما إن ينقضي شهر رمضان، حتى تبدأ الاستخدامات الأخرى للأفران الأرضية في الشواء وطهي الوجبات الخاصة في المزارع والرحلات للتلذذ بنكهتها المميزة، التي تعتمد على ضغط البخار لإنضاج ما يوضع في البومردم ليستوي على نار هادئة.

طريقة صنع الفرن

وبسبب زيادة الإقبال على صنع الفرن التقليدي المدفون في أغلب مناطق ليبيا، ازدهرت مصانع خاصة وصناع متخصصون في تجهيز "البومردم" الذي لا يستهلك مواد كثيرة أو باهظة الثمن.

ويقول إيهاب الوداوي، وهو حداد تخصص ضمن عمله في إعداد البومردم خلال السنوات الماضية، إن "صناعة الفرن المدفون، تبدأ بتجهيز حفرة بارتفاع متر ونصف المتر تقريباً على ارتفاع برميل الماء الحديدي العادي، ويفضل أن يتم الحفر في أرض طينية، لما للطين من خصائص معروفة في حفظ الحرارة". وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "بعد تجهيز الحفرة يتم إنزال البرميل الحديدي فيها، ثم يفتح خرطوم الماء في جوانبه حتى لا تبقى فراغات هوائية فيها، ثم يتم ضغط الطين بالكامل في الفراغات الجانبية وتقفل الجوانب بأسمنت حراري خاص".

ويتابع، "تنتهي مرحلة إعداد الفرن بوضع الحجر الحراري الأحمر بشكل دائري على فتحة البرميل، قبل أن يجهز الغطاء الذي يقص من البرميل أيضاً، بتجهيز يد خاصة له، والحرص على توسعته قليلاً حتى يقفل بالضغط، لعدم السماح بتسريب الحرارة التي يعتمد على حفظها بالداخل خلال عملية الطهي في البومردم بشكل كامل".

التنور

ويقول ناصر الوداوي، شقيق إيهاب ومساعده في صناعة الفرن الأرضي المدفون، إن "البومردم يستخدم لطهي الطعام وأيضاً لتجهيز خبز التنور المشهور في ليبيا، مع اختلاف يسير في طريقتي الطهي".

وأوضح أن "تجهيز الوجبات في البومردم يعتمد على الطهي بالبخار، عن طريق إشعال نار في كمية مناسبة من الحطب حتى تتحول إلى جمر، قبل إقفال الغطاء عليه بالضغط وسد كل الفراغات في الغطاء بالطين ووضع جزء من الجمر عليه، لضمان نضوج متوازن للوجبة من الأعلى والأسفل".

ويشير ناصر إلى اختلاف بسيط في طريقة طهي خبز التنور، "ففي تجهيز الخبز يشعل الحطب حتى يتحول إلى جمر أيضاً، ثم يلصق العجين الذي يجهز على شكل أرغفة دائرية حجمها أكبر قليلاً من الخبز العادي، ثم تلصق على جانبي الفرن من دون إقفال الغطاء، مع إضافة الحطب بشكل مستمر حتى ينضج الخبز".

الأغلى ثمناً

ويُعتبر خبز "التنور" هو الأكثر طلباً وشهرة على المائدة الليبية في شهر رمضان، ويعتمد بالأساس على دقيق القمح، وأيضاً على الفرن اليدوي المدفون في الطين، والذي يتحمل درجات الحرارة العالية، وغالباً ما يتم استخدام حطب الزيتون اليابس في تسخينه، لأنه سريع الاشتعال ولا يحترق بسرعة.
ويختلف خبز التنور الليبي عن نوع آخر ظهر منذ سنوات، فالتنور المحلي القادم من الريف، والمصنوع من الطين، هو ما يعطي الخبز مذاقه المميز.

ولا يُنظر إلى التنور بوصفه آلة بدائية، ولا إلى خبز التنور على أنه نوع تقليدي قديم، ضعيف الجودة أمام الأنواع الأخرى الحديثة، بل إن سعر هذا النوع من الخبز هو الأعلى، ووجوده على المائدة يبقى الأغلى حضوراً.
وتشتهر العجائز في ليبيا بصنع خبز التنور اللذيذ. ويبدأ تجهيز التنور بإشعال الحطب إلى أن يحترق تماماً، ويكون التنور عندها قد وصل إلى الحرارة المناسبة لاستواء الخبز.
ثم يرش قليل من الماء على بقايا الحطب في قعر التنور، ويكون الجمر عندها مبيضاً، وهو أنسب درجة للبدء في وضع العجين، قبل أن يلصق عجين الخبز على السطح الداخلي للتنور ويغلق. وعلامة نضج الرغيف هي تحول لونه إلى البني الفاتح. بهذه الطريقة البسيطة يصنع الخبز الليبي التقليدي والمشهور في أغلب المناطق الليبية، وتجهز العجائز عادةً للصغار أرغفة صغيرة خاصة بهم تسمى "القنان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


رزق الفقراء
وتحولت صناعة خبز التنور، في سنوات العوز الأخيرة بليبيا، إلى مصدر رزق لكثير من العائلات الفقيرة، خصوصاً في شهر رمضان، حيث ينتشر باعة هذا النوع من الخبز على الطرقات وفي الأسواق بشكل واضح.
في مدينة بنغازي مثلاً، تحولت مخيمات المهجرين من مدينة تاورغاء إلى مركز معروف لبيع خبز التنور، حيث تخصصت عجائز المخيم في صنعه بطريقة شهية، جعلت سكان المدينة يصطفون في طوابير للحصول عليه، على الرغم من غلاء ثمنه مقارنة بالخبز العادي.
وشكلت هذه التجارة الموسمية مصدر رزق ممتاز لسكان تاورغاء المهجرين، والذين يعرف القاصي والداني حكاية معاناتهم المتواصلة منذ عقد كامل.

ويقول سامي التاورغي، أحد باعة الخبز في "كامبو تاورغاء"، كما يعرف في بنغازي، إن "أهل المخيم أو أغلبهم باتوا يترقبون شهر رمضان بلهفة كبيرة بسبب الدخل المميز الذي توفره لهم تجارة خبز التنور في هذه الفترة".
ويرى أن "ما جعل خبز التنور طوق نجاة لسكان المخيم، هو تكلفة تجهيزه البسيطة، بالنظر إلى سعره وما يدر من أرباح، حيث يباع بنحو 3 دنانير (أكثر بقليل من نصف دولار)، فيما يباع الخبز العادي بدينار واحد لكل ثلاثة أرغفة أو أربعة".

شهي وصحي

أبوبكر الفزاني، صاحب إحدى المزارع، يستخدم البومردم باستمرار لتجهيز الطعام والخبز، ويعدد الميزات الخاصة بطريقة الطهي في هذا الفرن التقليدي، بالقول إن "الطريقة التي يطهى بها الخبز والوجبات في الفرن المدفون تعطيها ميزات كثيرة من الناحية الصحية ومن جهة الطعم، حيث يصنع الخبز من دون إضافة محسنات أو منكهات، مع تميزه بنكهة الحطب والفحم الخاصة، والتي يفتقد إليها الخبز المجهز في الأفران الكهربائية".

ويشير الفزاني إلى أن "الطعام المجهز في الفرن التقليدي له مزايا خاصة غير الطعم الشهي، بسبب نضوجه على نار هادئة وبحرارة متوازنة فهو في العادة يجهز من اللحم والخضروات فقط، من دون استخدام الزيوت الصناعية بأضرارها المعروفة".

 المكمور

ويُعد "المكمور" وجبة مشوية في البومردم من لحم الدجاج أو الضأن، أشهر الوجبات الليبية التي تعتمد على الطهي في الفرن المدفون.

وتجهز الوجبة بوضع اللحم في خلطة خاصة من البهارات مكونة من الثوم والزعتر والفلفل الأسود والملح والكزبراء، وقليل من الخل أو الليم، ويترك اللحم في هذه الخلطة لساعة كاملة، ويضاف إليه بعد ذلك بعض الخضروات مثل شرائح البطاطس والطماطم والفلفل الأخضر، ثم توضع في الفرن وتضغط بشكل كامل يمنع تسرب الحرارة لساعة ونصف تقريباً، حتى ينضج اللحم بشكل يجعله طرياً بشكل ملحوظ، يميزه عن اللحم المجهز في الأفران الكهربائية.

المزيد من منوعات