وسط مساعٍ لإعادة فتح بعض مواقع إنتاج النفط الليبي وتصديره، التي ما زالت موصدة منذ أكثر من شهر من قبل مناهضين لحكومة الوحدة في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، أطلقت المؤسسة الوطنية للنفط تحذيراً مفاجئاً من كارثة بيئية وشيكة نتيجة استمرار إقفال ميناء الزويتينة، شرق البلاد.
وأثار هذا التحذير ضجة في ليبيا، بين مؤيد للبراهين الفنية التي أوردتها المؤسسة في بيانها الذي طالب بفتح الميناء في أقرب وقت ممكن، وبين من اعتبره محاولة من المؤسسة للضغط على المحتجين في داخله لإعادة فتحه واستئناف التصدير.
بالتزامن مع هذا الجدل، فجّر رئيس الحكومة الجديدة المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا، مفاجأة أخرى، بقوله إن إيرادات النفط ما زالت تضخ في حسابات حكومة الدبيبة، على الرغم من الاتفاق على تجميدها وصرف الميزانيات الخاصة بالمرتبات والسلع فحسب.
كارثة محدقة
ناشدت المؤسسة الوطنية للنفط، السبت 30 أبريل (نيسان)، الجهات المسؤولة السماح لها بتشغيل ميناء الزويتينة فوراً لتخفيف المخزون والحصول على سعات تخزينية، محذرة من وقوع كارثة بيئية وشيكة في الميناء الواقع على بعد 140 كيلو متراً غرب بنغازي.
وأكدت المؤسسة، في بيان، أنها "تبذل ما في وسعها من أجل حل المختنقات التي تواجهها في إزاحة خام أبو الطفل والزويتينة وتخزينها في الخزانات المخصصة في ميناء الزويتينة".
وأشارت إلى أنه "بسبب الخاصية الشمعية لخام أبو الطفل، إذ يحتاج إلى التحريك والتسخين المستمر، فإنه سيحدث تجمد بالخط، بالتالي تكون الخسائر فادحة قد تصل إلى فقدان تشغيل الخط بالكامل"، داعية إلى "السماح بتشغيل الميناء فوراً، أو على أقل تقدير السماح بشحن شحنة واحدة لتخفيف المخزون والحصول على سعات تخزينية إضافية في الميناء لاستيعاب ما هو موجود بالخط".
وبيّنت المؤسسة، في بيانها الذي نشرته على موقعها الرسمي، الأسباب الفنية التي تحتم استئناف العمل من حقل أبو الطفل الذي يصدر الخام الذي ينتجه من ميناء الزويتينة، قائلة إن "خام أبو الطفل ينتج من حقول أبو الطفل والرمال ويوضع في خزانات مخصصة له تحتوي على سخانات ونظام تدوير، قبل أن يضخ إلى ميناء الزويتينة، وذلك بإزاحته بخام الميناء وبمعدلات محسوبة بدقة".
وتابعت المؤسسة، "ما زاد الأمر سوءاً هو التوقف المفاجئ للعمليات في ميناء الزويتينة، مما اضطر المؤسسة الوطنية للنفط وشركاتها إلى إضافة ضخ خام آمن إلى المنظومة بالزويتينة، وذلك لضمان إزاحة كاملة لخام أبو الطفل الموجود في الخط إلى ميناء الزويتينة، ومنه إلى الخزانات المخصصة لذلك للمحافظة على درجة حرارته منعاً للتشمع".
ضغط على الخزانات
وأوضح البيان أن "هذا الخط يتسع لكمية تزيد على مليون برميل، وتُزاح بطريقة منظمة، وكذلك تتم جدولة البواخر الشاحنة لهذه الخامات بدقة، إذ يتم التصرف بها بطريقة سليمة، وليس لديها السعة التخزينية الكافية لاستيعاب خام أبو الطفل، وذلك بسبب التسربات التي بدأت تحدث في هذه الخزانات كلما وصل ارتفاع الخزان إلى مستوى معين، يؤدي إلى ارتفاع وزن الخام، بالتالي لن يتحمل قاع الخزان هذا الوزن ويبدأ التسرب، وتحدث كارثة بيئية".
تهويل أم حقيقة؟
واختلفت ردود الفعل في التعامل مع بيان المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، بين من اعتبره تهويلاً وتضخيماً للتداعيات الفنية لتوقف الإنتاج والتصدير، لحشد مزيد من الضغط المحلي والدولي على المحتجين الذين يصرون على تحقيق مطالبهم قبل فتح الحقول والموانئ المغلقة، وبين من ساند المؤسسة ودعم حججها الفنية وطالب بتحييد ورقة النفط عن المناكفات السياسية.
ويرى الكاتب فرج حمزة أن "بيان المؤسسة يحتمل الأمرين تضخيم تداعيات الإغلاقات النفطية، مع وجود جانب حقيقي بشأن الأضرار الفنية التي يتسبب بها هذا الإغلاق".
ويتوقف حمزة عند "تزامن هذا التحذير من كارثة بيئية وشيكة مع تزايد الضغوط الدولية لفتح حقول النفط بأسرع وقت، خصوصاً في البيانات الصادرة عن الولايات المتحدة ومجلس الأمن، نهاية الأسبوع الماضي، ما يعزز الفرضية القائلة إن البيان محاولة لرفع مستوى الضغط كي تفتح الموانئ والحقول، من دون الحاجة إلى تقديم تنازلات وقبول شروط المحتجين فيها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، يعتقد المتخصص في الشأن الاقتصاد، علي الفايدي، أن "التكلفة المادية والأضرار الفنية التي تنجم عن عملية وقف الإنتاج لا يمكن إنكارها من أي طرف محايد لا ينظر إلى الأمور بمعيار التوجه السياسي".
ويحذر الفايدي من نتائج استمرار إغلاق الحقول والموانئ النفطية، قائلاً إن "الاقتصاد الليبي ريعي وهش، بالتالي هو سريع التأثر بأي أزمة تطاول القطاع النفطي، وقد بدأت هذه الآثار تظهر بعد تراجع صرف الدينار بشكل يومي منذ بدء موجة الإغلاقات، مما يؤثر بشكل بديهي على أسعار السلع ويضع ضغطاً جديداً على جيوب المواطنين".
وقال إن "الآتي أسوأ، مع تأثر الشبكة الكهربائية من نقص إمدادات الغاز التي تعتمد عليها للتشغيل، ما ينذر بانقطاعات طويلة في التيار الكهربائي بعد فترة من التحسن الملحوظ في هذه الأزمة".
خسائر يومية
في المقابل، قال وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة، محمد عون، إن "الأضرار التي لحقت بالدولة الليبية جراء الإغلاقات وصلت إلى نحو 600 ألف برميل من الخام يومياً، مما يعني خسائر يومية تقدر بنحو 60 مليون دولار".
وأضاف عون "بحساب سعر بيع بمتوسط 100 دولار للبرميل، تبلغ الخسائر 60 مليون دولار على الأقل يومياً، والإغلاقات تؤثر على المدى الطويل حتى على الأنابيب التي تنقل النفط، وهي تؤثر على سُمعة الدولة في العالم وفقدان وضعها في السوق الدولية".
شهر على الأزمة
وتشهد ليبيا منذ بداية أبريل إغلاقات لعدد من المنشآت النفطية بعد إقدام محتجين في ميناء الزويتينة شمالاً وفي أوباري والمناطق المجاورة لها في الجنوب الغربي، على إغلاق حقول النفط وإيقاف الإنتاج وتصدير النفط، احتجاجاً على عدم تسليم حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة، مهامها للحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب برئاسة باشاغا.
واجتمع باشاغا نهاية أبريل الماضي مع شيوخ منطقة الهلال النفطي وأعيانها، الذين اشترطوا لإعادة الإنتاج بقاء ريع النفط في حسابات المؤسسة الوطنية في المصرف الليبي الخارجي، إلى حين تسلم الحكومة المكلفة من النواب.
باشاغا يفجر مفاجأة
في سياق الأزمة النفطية، فجّر باشاغا، مفاجأة جديدة، قائلاً إن "إيرادات من بيع النفط ما زالت تحول إلى حكومة الدبيبة، على الرغم من وجود توافق على الاجتماع بين الأطراف في ليبيا، وتنظيم آلية هذه المصروفات وحصرها في أبواب المرتبات والدعم، لكن هذا لم يتم، وقرأنا بيان السفارة الأميركية الذي سلط الضوء على هذا المشروع، وكذلك هناك حالياً أطراف تسعى لعقد اجتماعات لوضع وتنظيم حل لهذه المسألة بالكامل".
وأضاف باشاغا، "نحن لسنا راضين عن إغلاق الموانئ والحقول النفطية، ولكن هذه الإجراءات يرى من قام بها أنها نتيجة للظلم الذي يعانونه جراء عدم التوزيع العادل للثروة في البلاد وغياب التنمية عن مناطقهم، ولقد ذهبت إلى من قام بإقفال النفط وجلست معهم واستمعت إلى مطالبهم، وسنعمل في الحكومة على تلبيتها لإنهاء هذه الأزمة بشكل جذري".