على الرغم من الحديث عن تفكيك المجموعة، ارتفع سعر سهم "أتش أس بي سي" المصرفية في بورصات آسيا، الثلاثاء، بنسبة أكثر من 1 في المئة في بورصة هونغ كونغ، أي بأكثر من ثلاثة أضعاف متوسط الارتفاع في مؤشر "هانغ سنغ" الذي ارتفع بنسبة 0.3 في المئة. ويتوقع أن يبدأ سهم البنك على ارتفاع في أول تعاملات الأسبوع في أوروبا، حيث كانت الأسواق الأوروبية مغلقة، الاثنين، بمناسبة عطلة عيد العمال. وكانت أسهم البنك قد ارتفعت بنسبة 1.7 في المئة ببورصة لندن لدى إغلاق آخر أيام التعاملات الأسبوع الماضي.
وكان بنك "أتش أس بي سي" (واسمه اختصار بالحروف الأولى لمجموعة شركة هونغ وكونغ وشنغهاي المصرفية) تصدر عناوين الأخبار الاقتصادية في عطلة نهاية الأسبوع، بعد تقارير أفادت بسعي مجموعة "بينغ آن" الصينية، التي تملك نسبة 8 في المئة من أسهم المجموعة المصرفية، وهي أكبر مساهم فيها، لتفكيك المجموعة وفصل العمليات الآسيوية للبنك العالمي عن أعماله في أوروبا وأميركا.
القيمة السوقية لمجموعة "أتش أس بي سي" تزيد على 124 مليار دولار، ما يجعل البنك في الترتيب 97 بين أكبر الشركات في العالم حسب القيمة السوقية. وحقق البنك، الذي يوظف نحو 220 ألف موظف في فروعه بأنحاء العالم، عائدات قاربت 50 مليار دولار العام الماضي (49.55 مليار دولار عائدات في 2021).
إنهاء الازدواجية
يرى بعض المحللين في السوق أن الصين تريد تفكيك البنك الكبير الذي يتخذ من لندن مقراً له لإنهاء "ازدواجية عملياته" في آسيا والغرب، وذلك في إطار تحسب الصين لتعرضها لمزيد من العقوبات الاقتصادية والحصار المالي الأميركي والغربي. وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، الثلاثاء، أن البنك "يتمزق في سياق التوتر الجيوسياسي بين الصين والغرب، بخاصة بعد تقديم البنك أدلة للمحققين في الولايات المتحدة قادت إلى إلقاء القبض على المدير المالي لشركة (هواوي) الصينية مينغ وانغو في عام 2018".
وذكر تقرير لوكالة "بلومبيرغ" أن أكبر المساهمين النشطين في المجموعة المصرفية العالمية سيؤيد تقسيم البنك استناداً إلى أن فرعاً منفصلاً مدرجاً في آسيا من الممكن أن يحقق قيمة أعلى لحاملي الأسهم. وأضاف التقرير أن مجموعة التأمين الصينية "بينغ آن" أجرت مباحثات مع البنك حول فكرة فصل عمليات بنك "أتش أس بي سي" الآسيوية، وإدراج أسهمها في بورصة هونغ كونغ ككيان مستقل. ووفقاً لمصادر مطلعة على الأمر، فإن المجموعة الصينية تعتقد أن هذا الانفصال سيلقى تأييداً واسعاً من المستثمرين.
كانت القيادات المالية والتنظيمية في الحكومة الصينية عقدت اجتماعاً في 22 أبريل (نيسان) الماضي مع ممثلي البنوك الصينية والبنوك الأجنبية العاملة في الصين، ومنها بنك "أتش أس بي سي"، لبحث سبل حماية الأصول الصينية الدولارية في حال تعرض بكين لعقوبات أميركية وغربية.
لكن بغض النظر عن حسابات السياسة والتحوط الصيني الاستباقي لاحتمال تعرضها لعقوبات على طريقة تعامل الغرب مع روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، فإن هناك مبرراً اقتصادياً لإقبال المستثمرين في السوق على شراء سهم "أتش أس بي سي"، ما أدى إلى ارتفاع سعره، على اعتبار أن إنهاء ازدواجية وضع المجموعة العالمية يمكن أن يحسن أداءها بشكل ملحوظ في المستقبل. فحسب بيانات المجموعة المالية للعام الماضي 2021، تأتي نسبة 65 في المئة من أرباح البنك قبل الضرائب من السوق الآسيوية، مقابل نسبة 20 في المئة فقط من الأرباح تأتي من أوروبا، بينما نسبة 15 في المئة الباقية من عمليات البنك في أميركا وبقية أنحاء العالم.
إعادة الهيكلة
لذا، قد تكون مطالب مجموعة التأمين الصينية والمساهم الأكبر في المجموعة المصرفية فرصة لزيادة عائدات البنك وأرباحه من السوق الآسيوية، في حال فصل عملياتها هناك كشركة مستقلة مسجلة في البورصات الآسيوية. وتسمح للبنك العالمي أيضاً بالتركيز على تحسين الأداء في السوق الأوروبية وبقية الأسواق العالمية الأخرى.
يذكر أن مجموعة "أتش أس بي سي" الحالية هي نتاج عمليات استحواذ واندماج أجراها البنك في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي. منها على سبيل المثال شراء "أتش أس بي سي" لبنك "ميدلاند" البريطاني في تسعينيات القرن الماضي.
ويمر بنك "أتش أس بي سي" حالياً بعملية إعادة تنظيم عالمية تهدف إلى تركيز موارده على تنمية أسواقه الآسيوية الرئيسة، باعتبارها توفر للبنك أفضل فرص للنمو، حسب تقرير "بلومبيرغ". وتستهدف هذه التغييرات الاستفادة من الثراء المتصاعد في الصين، وانفتاح البلاد مالياً، وفي الوقت نفسه التوسع في أسواق أخرى في مناطق مختلفة من آسيا. لذا، يوجه البنك أموالاً بمليارات الدولارات نحو آسيا، في حين أنه يغلق أو يتخارج من عملياته غير الرابحة في أوروبا والولايات المتحدة.
ونقل البنك بالفعل جزءاً كبيراً من إدارته العليا من لندن إلى هونغ كونغ، في إطار عملية التحول، ويشمل ذلك نونو ماتوس، الرئيس التنفيذي لقطاع الثروة والخدمات المصرفية الشخصية، وباري أوبيرن، الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال المصرفية التجارية العالمية، لكن المقر الرئيس للبنك يظل في بريطانيا.
وربما يتبع تقسيم البنك أو تفكيكه أسلوب مجموعة "برودينشال" للتأمين، التي فصلت فرعها الآسيوي عن عملياتها في بريطانيا عام 2019، لكنها احتفظت بإدراج أسهمها في لندن. وحين أعلن "أتش أس بي سي" نتائجه الفصلية للربع الأول من العام الثلاثاء الماضي قال إنه "من غير المرجح أن يستمر في شراء أسهم الخزينة هذا العام لأن انخفاضاً في أحد المؤشرات المهمة على قوة رأس المال سحب الأضواء من تحقيق البنك أرباحاً أفضل من المتوقعة".
إيون ستيفنسون، رئيس البنك للشؤون المالية، قال في مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ" إنه إضافة إلى نتائج الأعمال، فإن مصرفه يسير في الاتجاه الصحيح نحو دعم أسهمه. وأضاف: "نحن لسنا منغلقين أمام سماع الآراء المختلفة، لكننا نعتقد أن تنفيذ هذه الاستراتيجية سوف يحقق قيمة كبيرة لحاملي الأسهم على مدى 12 إلى 18 شهراً القادمة".
ولدى سؤاله، خلال انعقاد الجمعية العمومية السنوية للمساهمين يوم الجمعة الماضي بشأن التحول في آسيا، قال الرئيس التنفيذي نويل كوين، إن البنك يدير معظم استثماراته نحو تنمية أنشطته في هذه المنطقة. وأضاف، "هذه الخطوة تعني تحولاً أكبر نحو استثماراتنا في آسيا".