Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حديث الفتنة" يعود إلى الجزائر بعد "صدام حفل الغناء"

إمام مسجد يشتم بمكبر صوت متجمهرين في احتفال موسيقي بمنطقة القبائل والسلطات المحلية تتدخل لفض النزاع

تحوّل النقاش الذي خلقته واقعة أمشدالة من طابع ديني إلى سياسي (أ ف ب)

"لعن الله من أيقظها"... مقولة تعبر عن لسان حال الجزائريين الآن، خوفاً من حدوث فتنة بين أبناء الشعب الواحد، حيث اندلع جدل واسع، بعد تداول لقطات مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، لحفل أقيم بعد صلاة التراويح في ساحة تقع بالقرب من مسجد وعدد من المنشآت والمرافق العامة وسط مدينة "أمشدالة" التابعة لإقليم محافظة البويرة، ليفاجأ الحضور بعد حوالى ساعة من بدء الحفل، بكلمات مسيئة في حقهم صادرة من إمام المسجد عبر مكبر الصوت، ما تسبب في غضب عارم، كاد أن يتحول إلى ما لا تُحمد عقباه.

مجموعة من الشباب حاصرت الإمام داخل المسجد، في محاولة للرد على ما تلفظ به، وبلغ الأمر حد تهديده، ما دفعه إلى توجيه نداءات استغاثة عبر مكبرات الصوت، ليتدخل عقلاء المدينة والسلطات المحلية لفض نزاع، لا أحد يمكنه توقع نتائجه.

الحادث خلّف حالاً من الاستنفار في مدينة "أمشدالة"، وجدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك من اعتبر إقامة الحفل نشاطاً ثقافياً تعيشه مختلف مناطق البلاد في الساحات العمومية، وحضوره حرية شخصية، بينما رأى آخرون أن ما حدث بمثابة تعدٍ على حرمة المسجد وقدسيته، في حين قال فريق ثالث إن الإمام تجاوز حدوده بشتم المواطنين ووصفهم بكلمات مسيئة، في وقت يمثل مؤسسة دينية مهمتها التربية، بينما ذهب البعض إلى بعيد، بإشارتهم إلى أن هناك أيادي خفية تحرّك مياه الفتنة الراكدة لأغراض خبيثة.

ومنعا لأي انزلاق، سارعت السلطات العمومية وشيوخ وعقلاء المنطقة، وفي ظل دعوات واسعة للتهدئة، إلى عقد جلسة صلح في اليوم التالي، حيث قدم إمام المسجد اعتذاره لسكان المنطقة على "عنفه اللفظي".

محافظة البويرة، قالت إنه بعد تصريح إمام مسجد الهداية بأمشدالة، برغبته في تقديم اعتذار علني لسكان المنطقة، عُقد لقاء صلح وتسامح في المسجد، وأضافت أن اعتذار الإمام كان نتيجة لمساعي أعيان المنطقة للتصدي لكل محاولات زرع البلبلة والفتنة، مشيرة إلى أن لقاء الصلح جرى بحضور كل من الوالي، ورئيس المجلس الشعبي الولائي، والسلطات الأمنية، ومدير الشؤون الدينية، ونخبة من الأئمة والمجلس العلمي لمديرية الشؤون الدينية، ورئيس الدائرة ورئيس المجلس الشعبي البلدي.

وتابعت المحافظة أن حادثة لفظية معزولة، وقعت بمدينة مشدالة، بمناسبة تنظيم حفل بالساحة العمومية للبلدية، بسبب انزلاق لفظي من شأنه المساس بمشاعر الناس، موضحة أن السلطات المحلية والأمنية وبعض المنتخبين وأعيان وجمعيات المنطقة، عند وقوع الحادثة، عملوا على بذل مساعٍ لتفادي إخراجها عن نطاقها، وسمحت باحتواء الوضع، وهي متواصلة، إلى جانب الإجراءات الإدارية الواجب اتخاذها.

معاقبة المتسببين

في المقابل، دعا المجلس المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية، في بيان، إلى معاقبة المتسببين في ما اعتبروه "إساءة لحرمة المساجد"، وقال إن "المساجد من جملة الشعائر التي يجب أن تحظى بكل أسباب الحماية من أي عدوان مادي أو معنوي"، وعليه "يطالب المجلس بتجريم أي إساءة أو انتهاك لحرمة المساجد، مهما كانت طبيعة وحجم الإساءة"، و"بمعاقبة المتسببين المباشرين في هذه الإساءة، واستعمال سلطة القانون لمنع مثل هذه الخروقات المشينة"، كما أشار إلى ضرورة حماية الأئمة من الاعتداءات والضغوط الممارسة عليهم، في أثناء تأديتهم لمهامهم في تربية المجتمع وتوجيهه وإرشاده، وحماية قداسة بيوت الله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحوّل النقاش الذي خلقته الواقعة من طابع ديني إلى سياسي، بعد توجيه نائب في البرلمان طلباً لوزير الداخلية لمعاقبة المتسببين بالترخيص للحفل، في وقت رفض آخرون ما قالوا إنها محاولة لاستغلال سياسي للقضية، بخاصة مع عدم رد السلطات الرسمية والحكومة على ما حدث وما ستتخذه من إجراءات.

أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، رابح لونيسي، يعتقد أن ما حدث كان مخططاً له بإحكام من أطراف تريد خلق بلبلة في مدينة معروفة بمحافظتها، وأخرجت الكثير من علماء الدين للجزائر، لكن لحسن الحظ تدخل السلطة والمجتمع. أجهض المخطط.

لونيسي قال لـ"اندبندنت عربية" إنه "لا يمكن أن نهمل أموراً عدة في تلك الحادثة، حيث جاءت بعد ضربات تلقتها الجماعات الإرهابية التي اعترفت عناصرها بارتباطها بتنظيمات في الخارج"، مستدركاً "يبدو أن الكثير مما كان يُخطط له لم يظهر بشكل جلي في تلك الاعترافات، لكن نبهت له افتتاحية العدد الأخير من مجلة الجيش عندما أشارت إلى مخطط لجماعات إرهابية لضرب الجزائريين بعضهم ببعض، وكذلك للتفريق بين الجيش والشعب". وختم قائلاً إن "الهدف من الواقعة خلق قلاقل في منطقة القبائل شبيهة بما حدث في 2001، ما يسمح للجماعات الإرهابية بإعادة انتشارها".

صدام ثقافي

من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع، مصطفى راجعي، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أنها حادثة محلية جداً بتأثير وطني، وخطورتها تكمن في أنها ذكّرت الجزائريين بطريقة مقتل الشاب جمال في منطقة القبائل خلال حرائق الصيف الماضي، إذ خلقت الواقعة جمهوراً محلياً غاضباً من شخص لا ينتمي للمنطقة، وينظرون إليه كمعتدٍ، مشيراً إلى أن ما وقع أظهر وجود ما سماه "كراهية فيسبوكية" لمنطقة معينة، من خلال فيديوهات وتعليقات خاطئة، وكأن المنطقة لها خصوصية تعارض خصوصيات المناطق الأخرى.

راجعي قال إن الواقعة تكشف أهمية توظيف قادة دينيين محليين من المنطقة ذاتها تكون لهم ثقافتها نفسها، ما يمكنهم من تأدية رسالة المسجد ودور الإمام في انسجام وتناغم مع المجتمع المحلي، مضيفاً أن ما حدث يعبر عن صدام ثقافي بين الإمام والشباب.

في المقابل، يشير الإعلامي المهتم بالشؤون الثقافية والسياسية، حكيم مسعودي، إلى أن تفاصيل ما جرى اتضحت بعد ساعات فقط من الواقعة، وهو أن الحفل منظم ومرخص له من قبل السلطات العمومية، بعد نهاية الوقت المخصص لصلاة التراويح، موضحاً أن تلك الحفلات تُنظم في شهر رمضان بكل مناطق البلاد برعاية وإشراف مديريات ودور الثقافة والشباب.

مسعودي أضاف أن الكثير من تلك الحفلات تقام في الساحات العمومية التي تحيط بها المساجد، إلا أن الإمام تجاوز حدود مهامه وصلاحياته بالتهجم على الجمع المشارك في الحفلة الغنائية، غير أنه استدرك وتقدم باعتذار، لم يستسغه المتهجمون من رواد "فيسبوك" وتهجموا على الإمام الذي تراجع عن خطئه، وأسقط حجتهم في شيطنة أهل المنطقة.

وتابع: "ما حدث يعبر عن مخزون كبير من الكراهية المستباحة ضد منطقة القبائل، في ظل عدم تطبيق القانون الذي يفترض أنه رادع لخطابات الكراهية والعنصرية التي غصت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما ينذر بخطر كبير على ما تبقى من تماسك للنسيج الاجتماعي".

المزيد من العالم العربي