Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتدخل مواقع التواصل الاجتماعي في التصعيد بين روسيا والغرب؟

محللون يتحدثون عن خطورتها وغياب المعايير التي تحدد عبرها الصفحات أو الشخصيات التي يجب حظرها

أعطت مرحلة تجميد الصراع والنزاعات في مختلف أنحاء العالم في ظل جائحة كورونا، والانهيار الاقتصادي الذي أصاب دول العالم بالشلل التام نتيجة الإغلاقات المستمرة، فرصة لبعض الدول من أجل إعادة ترتيب أوراقها، وتقييم تحالفاتها من جديد، ومحاولة نسج أخرى مع تقليل أو تحييد الأعداء من خلال منظور أولوية الأمن القومي لدولهم.

ما نشاهده هذه الأيام من تصعيد خطير على الحدود الأوكرانية - الروسية، وحول شبه جزيرة القرم، يشير إلى تجاوز فترة تجميد النزاعات بسرعة، وعودة المواجهات من جديد بوتيرة أقوى، بدأت هذه المرة من المنطقة التي كانت جزءاً من الفضاء السوفياتي السابق، مروراً بالشرق الأوسط، وصولاً إلى الصراع المشتعل تحت الرماد بين الدول الأفريقية على المياه، لتكتمل بذلك ملامح جزء من الحدود الجديدة لخريطة جيوسياسية لعالم جديد، بتحالفات ولاعبين جدد.

وبالتزامن مع إحياء التحركات الأوكرانية للتقارب مع الغرب ومحاولة الانضمام إلى حلف الناتو، وهو الشيء الذي يثير حفيظة موسكو، ودفع روسيا إلى حشد قوات عسكرية ضخمة على تخومها مع أوكرانيا، كرد فعل على التحركات الغربية بالقرب من حدودها، وفي مناطق استراتيجية أخرى مهمة لها، حيث يقدر عدد القوات الموجودة على الحدود الروسية – الأوكرانية، اليوم، بحسب التقارير، نحو 82 ألف جندي روسي، مقارنة بـ4 آلاف خلال الفترة الماضية، يستمر التصعيد الكلامي والحرب الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن وبعض الدول الأوروبية، لا سيما بعد أن أعلنت الخارجية الروسية، طرد 5 دبلوماسيين بولنديين رداً على طرد وارسو دبلوماسيين روس، كما أعلن سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، نية بلاده طرد 10 دبلوماسيين أميركيين من روسيا كرد بالمثل على التصرف الأميركي، مشيراً في الوقت ذاته إلى طلب الكرملين من السفير الأميركي في موسكو مغادرة البلاد لإجراء مشاورات مع حكومته.

الجدير بالذكر، قيام موقع "يوتيوب" المعروف في وقت سابق، بحجب قناة "روسيا اليوم" الناطقة باللغة العربية على منصاتها، التي يقدر عدد المشتركين فيها بـ5.5 مليون مشترك، لتعيد رفع الحجب بعد ذلك، وأكدت إدارة الموقع أنه خطأ غير مقصود، وستحاول معالجة الأمر من أجل عدم تتكرر ذلك مرة أخرى.

ما جرى يعيدنا بالذاكرة إلى أحداث الولايات المتحدة التي رافقت وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، لا سيما الاشتباكات والفضائح بينه والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بينها حجب حسابات ترمب على مواقع التواصل الاجتماعي، والرفض الهائل للشركات الكبرى للتعاون معه، وهنا يمكن لروسيا ومواطنيها، الذين تابعوا الأحداث التي جرت في الولايات المتحدة، توقع العديد من الأشياء المهمة واستخلاص العبر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت هذه المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا التدخل الواضح والمكشوف لشركات تكنولوجيا المعلومات والتقنية في السياسة، والوقوف إلى جانب أحد أطراف النزاع، وجاء الحادث بمثابة مفاجأة غير سارة للغاية، ليس فقط لدونالد ترمب، ولكن أيضاً للسياسيين ورجال الأعمال في جميع أنحاء العالم.

وتجدر الإشارة إلى حقيقة أن قيام الولايات المتحدة منع الاتصالات وحركة النقل ليست جديدة، فخلال الحرب في العراق قام البنتاغون بتشويه بيانات GPS التي تلقتها القوات العراقية، وفي عام 2012، تركت وحدة خاصة تابعة لوكالة الأمن القومي، نتيجة لمحاولة فاشلة لتثبيت "خطأ"، كل سوريا من دون الإنترنت، وفي عام 2015 تكررت قصة فساد نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في سوريا أيضاً، والملاحظ أن جميع عمليات الإغلاق السابقة كانت من قبل الوكالات الحكومية، ولم تكن متعلقة بالشبكات الاجتماعية.

ما جرى في الولايات المتحدة يعد انتهاكاً صارخاً لكثير من مبادئ تلك البلاد، بغض النظر إذا كانت صحيحة أو خاطئة، حيث إن طريقة التعامل تلك، تستخدمه دولة مع المجرمين والمنظمات المتطرفة، وعادة مثل هذه الحالات، تكون مبنية على حكم قضائي من قبل محكمة مختصة لذلك، إلا أن مؤسسي مواقع التواصل الاجتماعي تصرفوا بطريقة مسيسة وغير قانونية، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام عديد من المحللين للتحدث عن خطورة مواقع التواصل الاجتماعي ودورها في العالم، وما هي الآلية أو المعيار التي تحدد فيها الصفحات أو الشخصيات التي يجب أن تحظر وتقيد استخدمها لهذا المواقع، لكي لا تكون منبراً لتهديد السلم الأهلي في البلدان، أو إثارة النعرات الطائفية والقومية أو الترويج لأيديولوجيات عابرة للحدود.

ويؤدي التأثير المتزايد لوسائل الإعلام الجديدة في الأحداث بالمنطقة والعالم، إلى تفاقم مسألة من يسيطر على هذه المواقع ومدى حيادية هذه السيطرة فيما يتعلق باللاعبين السياسيين المحليين، والدوليين كذلك، وإذا قرر القادة الأميركيون منع وحجب خصومهم داخل البلاد، فلن يمنعهم أي شيء من فعل الشيء نفسه، إذا لزم الأمر، مع الخصوم في الخارج كذلك.

منذ أحداث ما يسمى الربيع العربي في عدة دول، كان لمواقع التواصل الاجتماعي الدور الأكبر في تحريك الشارع المحلي لهذه الدول، وكانت آنذاك طريقة تعاطي هذه الشبكات للكثيرين مجرد تعبير عن آراء الشعوب، لا سيما أن المستخدمين الذين كانوا يحركون هذه الشعوب في دولهم، تمكنوا ببراعة كاملة من دغدغة مشاعر وعواطف الناس في كل مكان من العالم، وعلى وجه الخصوص شعوب دولهم.

إلا أن الروس والصينيين أدركوا خطورة ذلك مبكراً، وعملوا على إنشاء شبكات تواصل اجتماعية خاصة بمجتمعاتهم، لتقليل أثرها فيهم، ولم تكتفِ الصين بذلك، بل أنشأت تطبيقات مثل تطبيق "تيك توك" الشهير، الذي أثار ضجة كبيرة عندما حاول ترمب حظر التطبيق لمنع أي تأثير صيني على مواطني بلاده، بحسب رأيه.

في السياق ذاته، منذ انتشار مواقع التواصل الاجتماعي في العالم عموماً، أخذت هذه الظاهرة منحى مختلفاً عن هدف التواصل والترابط بين الأشخاص، وأصبحت كسلاح أكثر فتكاً من أسلحة الدمار التقليدية، ومع تصاعد النزاع في العالم مجدداً، قد تكون مواقع التواصل الاجتماعي، اليوم، إحدى أهم الأدوات المتقدمة للحرب النفسية بين الدول.

يبقى القول، إنه إذا استمر الاتجاه لاستخدام الإقفال، فقد يتم فصل وحجب أي سياسي، بمن في ذلك قيادات دول بأكملها، بقرار من الولايات المتحدة، عن أكبر الشبكات الاجتماعية، وبذلك تهدد الهيمنة الكاملة على المنصات والخدمات الخارجية للاتصالات بشكل خطير سيادة أي من البلدان، ما يجعل الأنظمة السياسية معرضة للخطر الهائل، والسكان عرضة للتلاعب الخارجي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل