Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أعداد مهولة من البريطانيات يتعرضن للحقن القسري بالمهدئات

"ما كان يجدر بي أن أكون هناك. لا ينبغي لأحد أن يمكث في تلك الأماكن. كانت تجربة مؤلمة. شعرت كأني ارتكبت جريمة قتل أو شيئاً من هذا القبيل، وأن أمري قد انتهى"... مزيد من التفاصيل أسرّت بها شابة تدعى فيكي إلى مايا أوبنهايم

الفتيات دون سن 18 عاماً يتعرضن لأكبر عدد من عمليات الحقن القسري بالمهدئات بين جميع الفئات العمرية وفي صفوف الجنسين (غيتي)

من الإنصاف القول إن وحدات العناية النفسية مُحاطة بستار من السرية، وتبقى للناس خارج جدرانها لغزاً غامضاً. على هذا الأساس، بريطانيون كثر ستهزهم صدمة شديدة إذا ما اطلعوا على الممارسات التأديبية اللا إنسانية التي تشهدها أقسام الاضطرابات النفسية في كل أنحاء البلاد [المملكة المتحدة]. هناك، لا يتردد الموظفون باللجوء إلى القسوة، وأحياناً الوحشية، للسيطرة على مرضى يخرجون عن القواعد الصارمة المعمول بها في تلك الأماكن. أن يتكاثر عدد من العاملين [على مريض ما] ويستخدمون العنف لتقييده وحقنه مكرهاً بأدوية ذات تأثير نفسي قوي جداً، أو احتجازه في غرف معزولة، مجرد عينة من الممارسات الروتينية المتبعة في تلك المرافق.

والأكثر إثارة للصدمة أن النساء في وحدات العناية النفسية، كما تكشف البيانات، أكثر عرضة من الرجال للحقن رغماً عنهن وباستخدام القوة بأدوية ذات تأثير نفسي تؤثر في التركيب الكيماوي للدماغ والجهاز العصبي. في الواقع، ترسم بيانات "هيئة خدمات الصحة الوطنية" ("أن أتش أس" NHS)، التي اطلعت عليها "اندبندنت" حصراً، صورة مرعبة عن تلك الحال القائمة، وذلك في الفترة الممتدة بين أكتوبر (تشرين الأول) 2020 وفبراير (شباط) 2021. وتكشف الأرقام، التي قدمتها الدكتورة جيسيكا تايلور، عن أن "أن أتش أس" تنفذ شهرياً الآلاف من عمليات إعطاء المرضى قسراً عقاقير مهدئة، بل إن 63 في المئة من تلك العمليات تحدث في صفوف النساء.

الدكتورة تايلور، عالمة نفس تستكشف مسألة [استخدام القوة لحقن المريضات بأدوية مهدئة] في كتابها الجديد المعنون "مثيرة إنما مريضة نفسياً" Sexy but Psycho، تشير إلى أن الفتيات دون سن 18 عاماً يواجهن أكبر عدد من حالات الحقن القسري بالمهدئات عبر تقييدهن بين جميع الفئات العمرية وفي أوساط الجنسين، فيما تبين أن نسبة الرجال والنساء في الخدمة الصحية النفسية متساوية تقريباً، يوضح تحليل تايلور للبيانات أن الفتيات والنساء ما دون سن 34 عاماً يتحملن مكرهات 64 في المئة من جميع عمليات تناول عقاقير مهدئة رغماً عنهن.

وفي الوقت نفسه، اتضح أن الفتيات ما دون 18 عاماً واجهن الحقن القسري بالأدوية المهدئة بمعدل خمس مرات شهرياً، علماً بأنه رقم أعلى كثيراً مقارنة مع الفتيان من الفئة العمرية نفسها، الذين واجهوا التدبير عينه، إنما بمعدل مرتين شهرياً. لوضع الأمور في سياقها، وجدت الكاتبة النسوية، التي تدرس في بحثها مرضنة النساء في أماكن الصحة العقلية، أن الفتيات ما دون 18 عاماً يواجهن 20 في المئة من الحالات التي ترغم فيها الإناث بوسائل القوة على أخذ المهدئات، في حين أن الصبيان ممن هم تحت سن 18 عاماً يشكلون فقط ثلاثة في المئة من هذه الإجراءات التي تشهدها فئة الذكور عموماً.

لدى فيكي، التي آثرت الإبقاء على شهرتها طي الكتمان، تجربة مباشرة مع الاستخدام المتعمد للأدوية بغية إخضاعها أو تهدئتها. قيدت الفتاة البالغة من العمر 28 عاماً، الآتية من دورهام في شمال شرقي إنجلترا، وحقنت رغماً عن إرادتها بعقاقير مهدئة ثلاث مرات أثناء مكوثها في منشأة للصحة العقلية في شمال إنجلترا طوال شهرين تقريباً بين نهاية 2020 وأوائل 2021. "لقد كانت بيئة مؤلمة"، تقول مضيفة أنها "كانت أسوأ تجربة في حياتي. استغرقت وقتاً طويلاً جداً قبل أن أجد نفسي قادرة على التحدث بحرية حول هذا الموضوع".

شخصت فيكي بـالإصابة بـ"اضطراب الشخصية الحدي" [ثنائي القطب] borderline personality disorder و"اضطراب ما بعد الصدمة" post-traumatic stress disorder (اختصاراً PTSD) في سن مبكرة جراء مكابدتها شكلاً خطيراً من سوء المعاملة خلال طفولتها، لكنها كانت بارعة جداً في إبقاء المشكلات التي تشوب صحتها العقلية والنفسية بعيدة عن الأنظار. بعد أن توقفت عن تناول مضادات الاكتئاب، ازداد وقع "الأصوات" في رأسها سوءاً وشدة وحاولت الانتحار.

في نهاية المطاف، وجدتها جارتها وقد فقدت وعيها بعد أن حاولت الانتحار. على وجه السرعة، نقلت الفتاة إلى "مستشفى دارلينغتون"، حيث مكثت ليلتين كي تسترجع عافيتها. تشرح فيكي أنه قيل لها لاحقاً أنها ستحال إلى وحدة للأمراض النفسية في أي منطقة في إنجلترا نتيجة صدور قرار إلزامي بدخولها مصحة نفسية. الفتاة التي لا تحصل على مال إلا بشق الأنفس، وتواجه صعوبة في دفع فواتيرها، ظنت في البداية أن مثل هذا الخيار ربما يعود بالخير عليها، ولكن اتضح أنها كانت على خطأ كبير في افتراضاتها الأولى.

"في اللحظة التي أخذوا يمزقون حقائبي فكرت، ما الذي يحدث بحق الجحيم؟"، تتذكر فيكي موضحة، "كانوا يأخذون مني أشياء من قبيل شفرات الحلاقة. نزعوا مني هاتفي المحمول عنوة، ولم أسترده قبل مرور بضعة أسابيع عندما جاء أحدهم يزورني. هكذا، جن جنوني. هاتفي يشكل الأمان بالنسبة إليّ".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قالت فيكي إن احتجازها داخل جناح للرعاية النفسية أدى إلى تدهور جسيم في صحتها العقلية والنفسية. وكشفت عن أن المكان قد بدل حالها من "شخص لطيف يهتم بالآخرين" إلى شخص سريع الغضب والإحباط. تتذكر تجربتها الأليمة قائلة، "أينما ذهبت في ذلك المبنى، يرافقك ممرضون أو ممرضات. حتى لو قصدت دورة المياه لقضاء حاجتك. تجدهم ينتظرونك عند الباب. عندما تنام في الليل، يجلسون على كرسي في الخارج. كان الكرسي مثبتاً في إطار الباب طوال الليل، وما إن تنتهي نوبة عمل هذا الممرض حتى يحضر زميله. لم أكن أشكل خطراً على أي كان، لذا لم أكن بحاجة إلى من يجلس هناك طوال الليل يراقبني. لقد أعادتني هذه المعاملة إلى صدمة نفسية كابدتها في طفولتي".

قالت فيكي، إذ عادت بالذاكرة إلى أيام طفولتها، إنها أبلغت الشرطة بسوء معاملة تعرضت له من عائلتها، التي انقطعت علاقتها بها، لكنها في سن 15 عاماً كانت أكبر من أن توضع تحت رعاية مؤسسة حكومية. أوضحت الشابة أنها لم تكن الوحيدة في المنشأة الصحية التي يبقي طاقم العمل أعينه عليها دائماً، فقد واجه مرضى آخرون أيضاً تلك الإجراءات الصارمة. حتى إنه لم يسمح لها بالخروج إلى الحديقة لاستنشاق بعض من الهواء النقي مع أنها اقترحت أن تبقى تحت مراقبة الطاقم أثناء ذلك.

تتذكر فيكي، "يرافقونك حتى لتناول فنجان من الشاي. للحصول على ملعقة، على أحد العاملين أن يفتح الباب لك. شعرت حرفياً أني قد وضعت في حجز عقاباً لي على ارتكابي جريمة ما، ولكني كنت في الحققية في حال سيئة وبحاجة إلى المساعدة. لم يكن يجدر بي أن أكون هناك. لا ينبغي لأحد أن يمكث في تلك الأماكن. كانت تجربة مُؤلمة. شعرت كأني ارتكبت جريمة قتل أو شيء من هذا القبيل، وأن أمري قد انتهى".

لكن تقييد حركتها باستخدام العنف كان تدبيراً مؤلماً جداً... "على نحو عاصف"، وقعت الحادثة الأولى في ممر بسبب "أمر تافه". ذات يوم، رفضت فيكي، كما قالت، أن تتناول الحبوب المنومة. سرعان ما راحت "تضرب الجدران وتصرخ" إذ كانوا يحاولون إجبارها على تناول حبوب منومة في وقت متأخر من الليل. قالت إن الطبيب كان مُصرّاً على أنها بحاجة إلى أقراص تسمى "زوبيكلون" zopiclone لعلاج الأرق، لكنها شعرت بأن ذلك لم يبدُ صائباً، فقد أرادت أن تتعلم آليات التأقلم بدلاً من ذلك.

فيكي، التي تعمل الآن لدى "مايند" Mind، علماً بأنها مؤسسة خيرية رائدة في مجال الصحة العقلية والنفسية، توضح أنها "بعد أن رفضت تناول الحبوب المنومة، وضع الممرضون الأقراص في علبة بيضاء صغيرة، فأوقعتها من أيديهم. عندها، أمسكني ممرضان من أعلى ذراعي حرفياً في وضع يجعل من ظهري مواجهاً للجدار. وفي تلك الأثناء، كنت أقاوم وأركل بقدمي. كنت أحاول سحب نفسي بعيداً، لكنهما أسقطاني أرضاً. أمسك ممرضان آخران بساقي. كان الأمر مروعاً. ممرضان ثبتا ساقي، واثنان أمسكا بذراعي، وممرض آخر تولى أمر رأسي. جردوني من سماعتي الأذن. تعذر عليّ أن أسمع أي صوت. واعتراني شعور مزعج للغاية".

إذا كنت تتسبب لهذه الفتاة أو تلك بصدمة نفسية مراراً وتكراراً عبر حقنها بأدوية مهدئة قسراً كيف يمكنك أن تزعم بأنها تعاني مشكلة صحية عقلية ونفسية؟ إذا كانت صحتها العقلية والنفسية تزداد سوءاً فذلك مرده إلى أنك لا تنفك تقيد حركتها وتثبتها أرضاً. الدكتورة جيسيكا تايلور

قالت إن ذلك كله حدث على مرأى من الجميع وشعرت بإحراج شديد. تذكرت فيكي أن الممرضين قيّدوها إلى الأرض بينما هي مستلقية على ظهرها، موضحة أن تجربة نزع سماعتيها من أذنيها تركتها تواجه خوفاً مستمراً من أن شخصاً ما سيجردها من إحدى أداتي السمع عندما يعانقها. تتذكر فيكي الحادثة قائلة، "كل ما شعرت به إبرة تنغرس في ذراعي. لم تكن لدي أدنى فكرة عما يحدث لي. تركني ذلك أستسلم للنعاس".

قالت فيكي إنها في الحادثتين الأخريين قيدت لأسباب مماثلة شأن الحادثة الأولى، مشيرة إلى أن ذراعها ما زالت تحمل علامة تركتها إصابة تعرضت لها أثناء إعطائها دواء مهدئاً غصباً عن إرادتها، إلى حد أنها تخجل جداً من خلع سُترتها في العمل. من وجهة نظرها، يكمن مصدر المشكلة في حقيقة أن الموظفين لم يخضعوا للتدريب المناسب، مشيرة إلى أن هذا الخطأ يقع على عاتق النظام ككل وليس الممرضين كأفراد.

فيكي الآن في مكان يغمرها بالسعادة، كما قالت، بيد أن الفترة الزمنية التي أمضتها داخل وحدة الرعاية النفسية ما زال يترك تأثيراً بالغاً على حياتها، ولا تمر ليلة من دون أن تقضّ مضجعها تجارب قاستها هناك. تقول إنها كانت "بحاجة إلى آليات تكيف تردعها عن الاستسلام والانهيار أرضاً. كنت بحاجة إلى أشخاص يستمعون إلي."

الدكتورة تايلور، التي عملت سابقاً في "جامعة ديربي" University of Derby البريطانية كمحاضرة كبيرة في الطب الشرعي وعلم النفس الجنائي، والتي نهضت بالبحث حول الحقن القسري بالأدوية المهدئة ذات التأثير النفسي، ذكرت أنه كان عسيراً تحديد الأسباب وراء تضرر النساء أكثر بهذه المشكلة مقارنة مع الرجال، لكن مرد ذلك في تصورها إلى التحيز ضد المرأة. "السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي ربما يؤدي إلى ذلك غير كراهية النساء"، تخبر "اندبندنت"، موضحة أن "الحقن القسري بالمهدئات تدبير مؤلم جداً: يعمد حتى ستة أشخاص إلى شلّ حركتك. نتحدث هنا عن فتيات تتراوح أعمارهن بين 12 و13 و14 عاماً. لماذا يصار إلى حقنهن بأدوية مهدئة؟ وما تأثير ذلك على صحتهن في هذا العمر؟".

قالت تايلور إن الحقن عنوة بمهدئ قوي يعطي تأثيراً فورياً إلى حد ما لأن الحقنة تحتوي غالباً على "البنزوديازيبين" benzodiazepine، وهو مهدئ للأعصاب يبطئ حركة الجسم، لكن خبراء يحذرون من أن التخلص من أثره أكثر صعوبة مقارنة مع الهيروين. وتضيف تايلور، "تجدين نفسك على السرير عاجزة عن الحركة أو التحدث، ولست قادرة على مقاومة أي شخص. تشعرين أنك حبيسة جسدك".

وتشير عالمة النفس إلى أن تعرض النساء لعمليات تخدير قسرية أكثر من الرجال يمكن ربطها بحقيقة أنه مقارنة مع سخط النساء، يعتبر غضب الذكور وانفعالهم من الناحية الاجتماعية مقبولين أكثر ومن الأمور الطبيعية. وأضافت أنه عندما تغضب المرأة، تصنف بأنها مريضة ويعتبر غضبها جزءاً من الاضطراب العقلي، مشيرة إلى أن التباين [في معدل الحقن القسري بمهدئات الأعصاب] بين الجنسين يبدو بعيداً من المنطق عندما تضع في عين الاعتبار أن غالبية الهجمات ضد موظفي "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ينفذها رجال، ولكن الفريق الطبي، على ما تكشف تايلور، أكثر ميلاً إلى الاستعانة بوسائل أخرى لتهدئة الرجال في وحدات الطب النفسي، من قبيل اصطحابهم إلى غرفة ريثما يفتر غضبهم.

تضيف تايلور أنه حينما تخبرها نساء وفتيات أنهن قد تعرضن للحقن القسري بالأدوية المهدئة، يكن في هذه المرحلة قد تعلمن الامتثال للقواعد، نظراً إلى أن الأعراض عن ذلك يتهددهن بـ"خطر" كبير. وتضيف أنه "غالباً ما تحال الفتيات والنساء إلى أجنحة الصحة العقلية والنفسية نتيجة مواجهتهن صدمات نفسية حادة. ويصح القول إن شل حركتهن بمركبات مخدرة يفاقم الصدمة النفسية. أتوجه بسؤال إلى الطبيب النفسي، إذا كنت تتسبب لهذه الفتاة أو تلك بصدمة نفسية وألم مراراً وتكراراً باستخدام التهدئة القسرية، كيف يمكنك أن تزعم بأنها تعاني مشكلة صحية عقلية ونفسية؟ إذا كانت صحتها العقلية والنفسية تزداد سوءاً، فذلك مرده إلى أنك لا تنفك تطرحها أرضاً وتثبتها لاجماً أي حركة تصدر منها".

كذلك قالت الطبيبة النفسية، إن امرأة أسرت إليها أخيراً أنها تعرضت لاعتداء جنسي مرات عدة من قبل مريض آخر عندما كانت محقونة بعقار مهدئ للأعصاب. توضح تايلور أن تلك المريضة "كانت عاجزة عن الحركة. لم تستطع التحدث أيضاً. ولا جدوى من الإبلاغ عن ذلك لأن أحداً لن يصدقك نظراً إلى أنك تحت تأثير المهدئ - سيعتقدون أن حلماً راودك أو أنك تهلوسين".

في كتاب الدكتورة تايلور، يرد أن النساء والفتيات أكثر عرضة بسبع مرات لتشخيص إصابتهن بـ"اضطراب الشخصية الحدي" مقارنة مع الرجال والفتيان، كذلك الأمر بالنسبة إلى القلق، والاكتئاب، واضطراب الهلع، والرهاب، والأفكار الانتحارية، ومحاولات الانتحار، و"اضطراب ما بعد الصدمة"، واضطرابات الأكل.

لوسي مكاي، المتحدثة باسم "إنكويست" Inquest، علماً بأنها مؤسسة خيرية رائدة تنظر في الوفيات المرتبطة بهذه الحالة، ذكرت أن البيانات الجديدة حول التفاوت بين الجنسين في عمليات الحقن القسري بمهدئات الأعصاب تشكل "دليلاً إضافياً" على إحجام خدمات الصحة العقلية والنفسية عن "دعم أعداد صادمة من النساء الشابات والفتيات بطريقة آمنة وبكفاءة". مكاي، التي تضطلع المنظمة، حيث تعمل بتحقيقات في شأن الوفيات التي تشهدها أماكن الرعاية العقلية والنفسية، والاحتجاز لدى الشرطة، والسجون، ومراكز إيواء المهاجرين، حذرت من أن الحال السيئة للصحة العقلية والنفسية في المملكة المتحدة تفلت من زمام السيطرة منذرة بـ"أزمة" مقبلة.

وتضيف مكاي في هذا الصدد، أنه "من الواضح أن الموظفين يعتمدون على ضبط النفس بالأدوية التي تترك تأثيراً كيماوياً في الدماغ والجهاز العصبي عوض اللجوء إلى التهدئة. كذلك ثمة نقص في الحصول على الرعاية الذي ربما يمنع هذه الأزمات في المقام الأول. في الغالب، تعاني الشابات والفتيات في أماكن الصحة العقلية والنفسية أصلاً من صدمة نفسية كبيرة، وجُلّ ما تفعله هذه الحوادث أنها تزيد الطين بلّة. قانون استخدام القوة في مجال الصحة العقلية والنفسية، المعروف اختصاراً باسم قانون "سيني" Seni’s Law، أقر في 2018 ويهدف إلى خفض اللجوء الضار إلى مثل تدبير إعطاء المهدئات قسراً ومنعه في نهاية المطاف. لقد بدأ الآن في مرحلة متأخرة، ونأمل في أن يتحدى الممارسات الضارة المستمرة التي أبرزتها هذه البيانات".

اعتمد "قانون سيني" في 2018 من أجل الحد من استخدام الاستخدام القسري للمهدئات على المرضى في مؤسسات الرعاية العقلية والنفسية. سمي القانون تيمناً بشاب بريطاني يدعى أولاسيني لويس، كان يبلغ من العمر 23 عاماً، عندما توفي عام 2010 في "مستشفى بيثليم الملكي" Bethlem Royal Hospital في لندن بعد أن عمد ستة من عناصر الشرطة إلى تقييده طوال أكثر من 30 دقيقة مستخدمين القوة "المفرطة". لجأ لويس طواعية إلى الدعم والرعاية النفسيين بعد معاناته اضطرابات في الصحة العقلية والنفسية. وتوفي الشاب بعد ثلاثة أيام من تقييده عنوة.

جون ريد، أحد الخبراء في العلاج النفسي القسري في المملكة المتحدة، تعرف للمرة الأولى إلى التقييد القسري أثناء عمله كممرض في وحدات الطب النفسي. يشرح قائلاً: "بدأ اهتمامي بعد رؤية أشخاص مقيدين بالقوة من دون داعٍ. إنها تجربة مؤلمة بالنسبة إلى الجميع، بمن في ذلك الموظفون".

عندما سُئل عن البيانات التي تُظهر الفجوة بين الجنسين في التقييد القسري بالأدوية المهدئة، قال الدكتور ريد، البروفيسور في "جامعة شرق لندن"the University of East London الذي زاول الطب النفسي الإكلينيكي طوال 20 عاماً تقريباً، إن "صدمة" اعترته "حقاً"، علماً بأن الأمور نادراً ما تترك لديه هذا الوقع، كما يضيف. "معظم حوادث العنف في وحدات الطب النفسي تشمل الذكور، كما الحال في المجتمع، لذا فإن [الأرقام] تدق ناقوس الخطر بقوة"، كما يقول. "لا أملك تفسيراً. شأن أي شخص آخر، افترضت أن الأمر سيكون في الاتجاه المعاكس. أنا مصدوم ومندهش. في رأيي، تحتاج هذه المسألة إلى تحقيق حكومي عاجل. إننا إزاء مشكلة مهولة".

وقال الدكتور ريد إنه لا ينبغي تقديم هذه الأدوية لمن هم دون 18 عاماً تحت أي ظرف من الظروف نظراً إلى أنها ذات مفعول قوي جداً وتنطوي على انعكاسات محتملة تلحق الأذى بالمريض. وفي بعض الأحيان، كما شرح، يحقن المرضى رغماً عنهم بأدوية مضادة للذهان في حين أنهم لا يريدون تناولها لأنها تتركهم فريسة آثار جانبية شديدة الوطأة.

الحال أن "الموظفين لم يخضعوا لتدريب صحيح على تهدئة المواقف العنيفة المحتملة. بحوث كثيرة بينت أن تدريب الموظفين بشكل كافٍ وجيد على التعامل مع المواقف العدوانية يخفض استخدام العلاج القسري. ثمة مشكلة في النظام. الموظفون محملون بأعباء تفوق طاقتهم. إذا لم يكن لديك العدد الكافي من العاملين والخوف يكبلك، سوف تلجأ إلى استخدام القوة والعنف"، في رأي الدكتور ريد.

بعد الكشف عن البيانات الخاصة بالحقن القسري بالأدوية المهدئة، قال متحدث باسم "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" إنهم "ملتزمون" بالحد من استخدام "الممارسات التقييدية، من بينها التقييد بالأدوية ذات الأثر النفسي" في جميع أنواع خدمات الصحة العقلية والنفسية، مشيراً إلى أن خططاً محددة قد وضعت بغية التصدي لهذه المشكلة.

وأضاف المتحدث باسم الهيئة، أن "الحرص على حصول المرضى على الرعاية الصحية العقلية والنفسية المناسبة التي تلبي احتياجاتهم في المجتمع على أفضل وجه يمثل أولوية بالنسبة إلى (أن أتش أس)، ومنذ 2015 انخفض عدد المرضى المقيمين بمقدار الثلث تقريباً".

ويضيف الدكتور ريد أن التهدئة القسرية بالأدوية باستخدام التقييد تترك النساء "عُرضة للأذى النفسي مرة أخرى" في وحدات الطب النفسي لأنهن أصبحن "مضطربات عاطفياً" بعد تعرضهن للإيذاء والعنف.

"عوض مساعدة هؤلاء الرجال والنساء على التصدي لأمور التي تجعلهم يعانون اضطرابات نفسية، علماً بأنها تتلخص غالباً في التعرض لصدمة نفسية ومواجهة تجارب سلبية وممارسات عنف واغتصاب، نشخص إصابتهم باضطراب عقلي ونفسي وهمي ثم نعكف على علاجهم. لذا، ليس مستغرباً أن الأشخاص في مستشفيات الأمراض النفسية يزدادون حزناً وكرباً. لا أحد يستمع إلى حاجاتهم. يفقدون السيطرة على مقاليد حياتهم ويعتريهم غضب شديد. في الحقيقة، تدريب الأطباء النفسيين يشوبه خلل ما، إذ تراهم مهيئون جداً لوصف الأدوية وتصنيف المرضى، في حين لا يولون مسائل الصدمة النفسية اهتماماً كافياً"، ختم الدكتور ريد.

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات