Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تترقب كارثة "بيئية" تهدد الحياة البحرية

غرق باخرة وهي محملة بكميات كبيرة من النفط والقطاع السياحي في مواجهة الأزمة الجديدة

يبدو أن المصائب لا تأتي فرادى، إذ إن تونس ما انفكت تلاحقها المصائب والصعوبات الاقتصادية والمالية الجمة، وبالكاد تسعى إلى حلحلة الأمور، لتجد نفسها هذه المرة في مواجهة أزمة جديدة تتمثل في  إمكانية حصول كارثة بيئية بحرية، إثر جنوح باخرة وغرقها وهي محملة بكميات كبيرة من النفط في أحد أهم سواحل تونس الغني بالثروة السمكية في خليج قابس "جنوب شرق" القريب جداً من أحد أهم الوجهات السياحية العالمية جزيرة جربة الواقعة في جنوب شرقي البلاد.

وكانت سفينة إيكسلو الحاملة لراية غينيا الاستوائية والمحملة بحوالى 750 طناً من مادة الغازوال، القادمة من ميناء دمياط المصري والمتجهة إلى مالطا، قد تعرضت لصعوبات يوم الجمعة 15 أبريل (نيسان) 2022، حالت دون مواصلة مسارها نظراً لسوء الأحوال الجوية، وقد تم إنقاذ طاقم السفينة المكون من 7 أفراد قبل غرق السفينة.

وأوضحت وزارة النقل التونسية في بيان رسمي اليوم الأحد "أن السفينة كانت قد رست في ميناء صفاقس من 4 إلى 8 أبريل (نيسان) الجاري للقيام بتغيير الطاقم والتزود بالمؤن وإجراء بعض الإصلاحات الخفيفة دون عمليات تجارية".

تخوف من حصول كارثة بيئية

وما إن حصل الحادث البحري وغرقت السفينة المحملة بكميات مهمة من مادة الغازوال، حتى تحرك النشطاء في مجال حماية البيئة في تونس وإطلاق صيحة فزع من إمكانية حدوث كارثة بيئية حقيقية قد تهدد كامل خليج قابس الهش من الناحية البيئية.

وأعرب النشطاء بخاصة البحارة عن تخوفهم من تسرب الغازوال من السفينة الغارقة، ما قد يهدد خليج قابس الذي يعد أهم مفارخ الأسماك في تونس بخاصة أحد أبرز مواطن الصيد البحري.

تخوف جدي وحقيقي

وأفاد النشطاء بأنه في حال وصول كميات الغازوال إلى خليج بوغرارة فإن الحياة البحرية ستنتهي في المنطقة لمدة لا تقل عن عشرات السنوات، وفي حال وصول التلوث إلى بحيرة "البيبان"، وهي أهم منطقة لإنتاج السمك في تونس ستنهار منظومتها البيئية بالكامل ونهائياً.

كما حذر النشطاء من أن إمكانية تسرب المواد البترولية ووصولها إلى سواحل جربة جرجيس، سيهدد الموسم السياحي بشكل جدي، ولن يأتي السياح إلى هذه المناطق التي تتمتع بشواطئ خلابة لفترة قد تصل إلى أكثر من خمس سنوات إلى حين انتهاء التلوث البحري.

كما أن تلوث خليج قابس سيعني مباشرة اختفاء أنواع من الأسماك نهائياً من العالم، ومنها التن الأحمر وبعض الأنواع من القشريات (جراد البحر).

الجيش التونسي يتدخل

وحرصاً على الإسراع في تطويق الحادث البحري يتولى جيش البحر التونسي بتعليمات من الرئيس قيس سعيد، الإشراف على عمليات التدخل للحيلولة دون وقوع تلوث بحري بسواحل قابس بعد غرق السفينة التجارية الأجنبية، وفق بلاغ صادر عن الوزارة فجر الأحد. 

وأضافت الوزارة أنه تم تسخير كل الوسائل الوطنية المتاحة بالتنسيق والتشاور مع الجهات المتدخلة واللجان الجهوية لمجابهة الكوارث.

كما يتم التعاون مع الدول الصديقة التي عبرت عن رغبتها في تقديم المساعدة لتونس في كل ما يتصل بالتدخل العاجل والسليم في المجال واتخاذ كل التدابير اللازمة لتطويق مكان السفينة والحيلولة دون تسرب الغازوال إلى البحر تجنباً لكارثة بيئية بحرية.

تجدر الإشارة إلى أن عمليات الغوص انطلقت صباح اليوم لمعاينة وضعية السفينة التجارية التي غرقت في سواحل قابس.

التحقيق في ملابسات الحادث

في المقابل، أعلنت وزارة النقل عن الشروع في التحقيق البحري في حادثة غرق سفية إيكسلو قبالة سواحل مدينة قابس، بحسب ما يستوجبه القانون البحري الوطني والاتفاقيات الدولية المعروفة وحفظاً لحقوق الدولة التونسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينت الوزارة، أن الأمر يتعلق "بالوقوف على الحيثيات الحقيقية للحادث والتثبت من طبيعة نشاط السفينة المذكورة والتعرف على تحركاتها خلال المدة الأخيرة، واتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة في ما ستؤول إليه نتائج التحقيق".

وكانت عمليات الغوص لمعاينة وضعية السفينة "إيكسلو" الغارقة قبالة سواحل مدينة قابس، قد انطلقت صباح اليوم بالتوازي مع تنفيذ عمليات التدخل لتطويق السفينة بإشراف وزيري النقل، ربيع المجيدي، والبيئة ليليا الشيخاوي.

وأضافت الوزارة "أن الاستعدادات جارية حالياً لفرضية شفط كمية المحروقات، حيث سيتم في هذا الإطار وضع حواجز للحد من انتشارها وتطويق مكان غرق السفينة مع إرسال غواصين لمعاينة وضعية السفينة ومكان تسرب المحروقات، لاتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع أي تلوث".

لن نخرج سالمين
 

"لن نخرج سالمين" بهذه المقولة قدمت ريم الدرويش الشواشي أستاذة جامعية متخصصة في البيوتكنولوجيا في تدوينة على صفحتها في "فيسبوك" تفسيرات علمية وتقنية لعملية تسرب المواد البترولية وطرق احتوائها.

وأوضحت أن الغازوال يتكون من خليط من الهيدروكربونات المشتقة من البترول تحتوي جزيئاتها ما بين 14-20 ذرة من الكربون. وتابعت أن طرق احتواء تسريب المازوت تبقى مرتبطة بنوعية وكمية الزيت المنسكب، وبحسب الأحوال الجوية، عبر تركيز الحواجز المطاطية (Oil Booms)  لمنع النفط من الانتشار أكثر وتجميعه باستعمال  Oil Skimmers، ثم رش بقعة الزيت بمواد كيماوية (Dispersants) أو مواد تساعد على توزع جزيئات الزيت المنسكب لتستقر تحت الماء  وزيادة نسبة المغذيات (Nutrients) النيتروجين والفوسفور، بخاصة النيتروجين ضروري لزيادة أعداد البكتيريا للقيام بعملية التحلل فالإحراق، ويتم ذلك بتجميع بقعة الزيت وإحاطتها بحواجز مقاومة للحريق، ومن ثم إحراق البقعة في مكانها.

وأشارت المتخصصة إلى أن عملية الإحراق تخضع لإجراءات وقائية، ولها تأثيرات بيئية بسبب المركبات الغازية مثل أكاسيد الكربون والكبريت والنيتروجين المتحولة بتركيز متفاوت في الهواء.

قلق وانشغال

موقف الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (المنظمة الفلاحية النقابية) عبّر عنه ساسي علية عضو المكتب التنفيذي المكلف بالصيد البحري، مبدياً انشغال وقلق كل العائلة الفلاحية والبحرية في تونس من إمكانية وقوع كارثة بيئية من شأنها أن تحيل حوالى 15 ألف بحار تونسي إلى البطالة.

وشدد على أن خليج قابس الذي يعد محضنة البحر الأبيض المتوسط يعاني لعدة عقود من تلوث الوحدات الصناعية في المحافظة التي تسكب كميات كبيرة من السوائل الكيماوية غير المُعالجة مباشرة في البحر ما أثر في إنتاج الصيد البحري.

ومن مبررات الخوف الشديد من تسرب المواد النفطية من الباخرة المنكوبة إمكانية توقف تصدير سلطعون البحر الذي بات يمثل مورداً مهماً للوحدات المنتصبة في الجهة.

وأشار إلى أن خليج قابس يوفر لوحده حوالى 35 في المئة من إنتاج تونس من الأسماك. وأكد علية ان التداعيات الكبيرة في صورة حصول تسرب للمواد النفطية هو القضاء على نشاط الصيد البحري في خليج قابس لفترة لا تقل عشر سنوات واصفاً المسألة بالكارثية.

وتابع أنه تم إحداث خلية أزمة على مستوى المنظمة الفلاحية لمتابعة التطورات الحاصلة في الغرض، كاشفاً عن حصول تسرب لبعض الكميات البسيطة من المواد البترولية من محركات الباخرة، راجياً أن لا تتسرب كميات أخرى من الخزانات الممتلئة بالمواد البترولية.

تخوف القطاع السياحي

من ضمن الانعكاسات السلبية لفرضية وقوع تسرب للغازوال من السفينة الغارقة في خليج قابس هو امتداد رقعة هذه المادة الخطيرة والملوثة بفعل الرياح والتيارات البحرية إلى مناطق مجاورة وتحديداً جزيرة جربة ذات الصيت العالمي السياحي.

وفي هذا الإطار، أبدى جلال الهنشيري نائب رئيس الجامعة التونسية للنزل (الوحدات الفندقية) انشغالاً واضحاً من الحادث البحري القريب جداً من أهم الوجهات السياحية وهي جزيرة جربة وبدرجة أقل مدينة جرجيس.

وقال إن القطاع السياحي ممثلاً في المهن يتابع عن كثب هذا الحادث البحري معرباً عن أمله في ألا يحصل تسرَب للمواد البترولية المحملة في خزانات الباخرة ما قد ينجم عنه حصول تداعيات سلبية بيئية في المقام الأول وضرر للموسم السياحي في المقام الثاني.

وتستعد تونس وفق المتحدث لموسم سياحي واعد بعد عامين أجوفين بفعل تداعيات ازمة "كوفيد 19" التي أثرت بشكل سلبي على القطاع وعلى مداخيل تونس التي تجنيها من القطاع.

وأقر جلال الهنشيري أنه في حال حصول تسرب للغازوال من خزانات السفينة فإن المهنة ليست لها الإمكانات اللوجيستية لتنظيف الشواطئ وتهيئتها.

وعما إذا تمت ملاحظة إلغاء حجوزات سياحية جراء الحادث البحري أكد المسؤول في الجامعة التونسية للنزل أنه إلى حد الآن لم تلغ الحجوزات في انتظار متابعة تطورات الحادث.

وأعلن في المقابل أن الموسم السياحي الصيفي يبعث على التفاؤل من خلال عودة بعض الأسواق التقليدية لتونس على غرار فرنسا وألمانيا وإيطاليا مع تأكيد لمواصلة حضور أسواق جديدة مثل بولونيا وتشيكيا.

من جهة ثانية، أقر الهنشيري أن القطاع السياحي التونسي قد يفقد هذا العام حضور السياح الروس بسبب الحرب المستعرة الدائرة رحاها بين روسيا وأوكرانيا.

وخلص بالتأكيد على أن السياحة التونسية ستشرع في استعادة انتعاشها بداية من 2022 من خلال بلوغ 50 في المئة من الحجوزات والليالي المسجلة في عام 2019.

وكانت تونس عاشت على وقع أزمة جنوح سفينة فلاش المالطية قرب جزيرة مالطة (أقصى الشمال) منذ سنة 2012، المحملة بالنفط استمرت إلى حدود 2014 في ظل مخاوف من تسرب هذه المادة.

وأقرت اللجنة الوطنية للوقاية ومكافحة حوادث التلوث البحري، في 12 ديسمبر (كانون الثاني) 2014 خطة تتضمن الاتصال بمجهز الباخرة المالطية "فلاش" لاستئناف البحث عن حلول لوضعيتها في ظل اعتراض هذا الأخير على تفريغها. وقامت اللجنة الفنية المشتركة لإنقاذ الباخرة بشفط نحو 2040 طناً من المواد النفطية، وتقليص حمولة الباخرة من الفحم الحجري من 120 ألف طن إلى نحو 80 ألف طن.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي