بين إعادة بعث العلاقات الثنائية والبحث عن حصة إضافية من الغاز، قام وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان بزيارة "مفاجئة" إلى الجزائر جاءت بعد مغادرة رئيس حكومة إيطاليا وفي حقيبته اتفاق لزيادة صادرات الغاز إلى بلاده، وقد حظي والوفد المرافق له باستقبال رسمي.
"ارتباك" و"ضرورة"
وتأتي زيارة لودريان، في ظروف تكشف عن "ارتباك" فرنسي، لا سيما أنه لم يعلن عنها رسمياً من قبل وإنما تم الحديث عنها إعلامياً، كما أن توقيتها الذي تزامن مع السباق الأوروبي المحموم على الغاز الجزائري الذي انطلق على أثر الحرب الروسية - الأوكرانية وتصاعد التوتر بين الجزائر والمغرب وإسبانيا بسبب قضية الصحراء الغربية، جعل الزيارة الفرنسية إلى الجزائر تأخذ عدة قراءات.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي أنه "لا غنى" عن التعاون بين البلدين من أجل استقرار المنطقة.
وصرّح لودريان عقب محادثات مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة والرئيس عبد المجيد تبون "إننا نواجه أيضاً تحديات إقليمية، وفي مقدمتها الإرهاب. ولذلك فإن تعاوننا في مجال الأمن واستقرار بيئتنا الإقليمية لا غنى عنه، في البحر الأبيض المتوسط كما في أفريقيا".
وأضاف أنه يولي أهمية بالغة لوجوده في الجزائر، مؤكداً أن "الزيارة هدفها الاستمرار في العمل الذي بدأناه في ما يخص إعادة بعث العلاقات الثنائية المهمة لدى الطرفين، التي نتمنى أن تكون مستمرة في الاجتماع المقبل للجنة الوزارية العليا المشتركة الجزائرية - الفرنسية"، وأشار إلى أن البلدين تجمعهما علاقات تاريخية عميقة وإنسانية متعددة تجمع بين الشعبين على ضفتي المتوسط، كما "نواجه تحديات إقليمية في مقدمتها الإرهاب والتعاون الأمني، من أجل استقرار محيطنا الإقليمي المتوسطي والأفريقي وتطور الوضع في منطقة الساحل، والحاجة إلى استئناف مسار الانتقال في ليبيا".
وأوضح لودريان أن اللقاء مع الرئيس تبون سمح بتناول عدة ملفات حساسة، وذلك في جو من الثقة وروح التضامن، مضيفاً أن البلدين يتقاسمان تحديات كبرى، في الوقت الذي يشهد فيه العالم تطور الوضع في أوكرانيا وانعكاساته على أمن أوروبا والاستقرار الدولي وعلى تنويع تموين أوروبا بمواد الطاقة.
زيارة أوروبية
وبالنظر إلى أن فرنسا ليست زبوناً كبيراً للجزائر في مادة الغاز، عكس إيطاليا وإسبانيا، فإنه يمكن تصنيف الزيارة في خانة ترأس فرنسا للاتحاد الأوروبي وأحد الفاعلين في مساعي إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، كما أن الرئاسيات الفرنسية يبدو أنه كان لها نصيب من المناقشات لوزن الجالية الجزائرية التي تعتبر الكبرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان لودريان، قد قام بزيارة أولى للجزائر في ديسمبر (كانون الأول) 2021، في محاولة لنزع فتيل الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، ليعود السفير الجزائري في فرنسا لاستئناف مهامه في باريس في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي.
طي الأزمة أو التصعيد؟
في السياق، يعتبر الباحث في الشؤون المغاربية، سعيد هادف، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن زيارة لودريان تأتي في سياق مساعي فرنسا من أجل استعادة امتيازاتها بالجزائر ومعالجة الأزمة التي تعمقت بين البلدين منذ حراك 22 فبراير (شباط)، وقال إنه ينبغي قراءتها أولاً بالزيارة الأولى التي سبقتها نهاية العام الماضي والتي أحدثت انفراجاً في العلاقات، وثانياً بعد اتساع الفجوة بين الجزائر وإسبانيا والتقارب الجزائري الإيطالي، وثالثاً بعد نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي سمحت لكل من إيمانويل ماكرون ومارين لوبن بالانتقال إلى الجولة الثانية.
ويواصل هادف: هل جاء لودريان بعروض ترضي الجزائر وتعيد العلاقة إلى سابق عهدها؟ وهل جاء بتحذيرات تحمل الجزائر على مراجعة مواقفها من فرنسا؟ هذا ما سيتضح بعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسيات الفرنسية، مضيفاً أن ما قد يحدث هو مجرد ترميم للعلاقة المتأزمة، أما إعادة بناء هذه العلاقة بشكل جيد مشروط بتغير النظامين وبروز نخبة في الدولتين تكون قادرة على تجاوز العوائق النفسية والأيديولوجية التي تعيق التواصل بين البلدين، وختم أنه بعد الرئاسيات ستبني فرنسا موقفاً واضحاً مع الجزائر إما بطي الأزمة أو بالتصعيد.
وضع يفتقر إلى آليات المساومة
من جانبه، يرى الحقوقي عابد نعمان، أن الزيارة غير معلنة وغير مجدولة بأجندة ما يعني أن الأمر يكتسي طابع الضرورة الملحة، وهو ما كشفه تحفظ باريس عن كشف تفاصيلها حتى للرأي العام الفرنسي، موضحاً أنه "لا نستبعد أن تكون الزيارة مرتبطة بإمدادات الغاز، ثم إن الحرج الذي تمر به فرنسا اقتصادياً واجتماعياً بسبب الأزمة الروسية - الأوكرانية، وفي ظل القرارات التي تبنتها الجزائر بخصوص التجارة الدولية، فإن فرنسا فعلاً تمارس التسول".
ويتابع نعمان "بخصوص استغلال الجزائر الفرصة لتحقيق مصالح، فإن مسألة المصالح منها ما هو في تقاطع مع المواقف الثابتة ما يجعلها تسقط في فخ الازدواجية لو انساقت وراءها، وهي المتعلقة بإمداد الطاقة الذي يخضع لحسابات، حيث لا يجب أن تمس بمواقف الجزائر الثابتة تجاه المجتمع الدولي، ولا تخدم أي طرف معادٍ بصفة مباشرة أو غير مباشرة في خضم المحاور الدولية الظاهرة والعميقة، ومنها ما هو جدير بالافتكاك لا سيما أن لودريان تطرق إلى ملفات الذاكرة والوضع في دول الساحل، وهذا يعني أن هناك العديد من الصناديق الفرنسية سوف تفتح شيئاً فشيئاً من دون أي مقابل طالما أن باريس في وضع يفتقر إلى آليات المساومة على الصعد كافة".
تهدئة ظرفية مرحلية
إلى ذلك، يعتقد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، عباس كحول، أن فرنسا تواجه تحديات في دول الساحل وبسبب الحرب الروسية - الأوكرانية وأزمة الطاقة، وكذلك بخصوص المواعيد الانتخابية وأهمية الوعاء الانتخابي من المهاجرين، موضحاً أن الاستقطاب الدولي للجزائر في هذه الظروف، من روسيا ومن إيطاليا، بات يؤرق فرنسا التي تسعى وتسارع الزمن للحفاظ على مصالحها في الجزائر في ظل الفتور في العلاقات واختلاف وجهات النظر، وعليه فإن الزيارة هي لتهدئة ظرفية مرحلية.
ويشدد كحول على أن الملفات المطروحة بين البلدين ثقيلة وبحاجة إلى مبادرات فعلية من فرنسا، وفي هذه الحالة هي مجرد إشارات فقط، مبرزاً أنه على الجزائر أن تنتقل وتبادر بتوظيف الدبلوماسية الاستراتيجية، عبر أوراق الضغط المتاحة دبلوماسياً واقتصادياً، إقليمياً ودولياً. وختم أنها زيارة تهدئة وتطمين قبيل الانتخابات الرئاسية الفرنسية بالنظر إلى أهمية الجزائر بالنسبة إلى المصالح الفرنسية والاستقطاب الدولي اتجاهها، والتقييم مرتبط بمبادرات فرنسا اتجاه الجزائر بعد الانتخابات.