يبدو أن صبح الانفراج بين الجزائر والمغرب ليس قريباً، بعد "تحذير" وجّهته الجزائر إلى إسبانيا من محاولة تزويد المغرب بأية "قطرة" من الغاز، وفق اتفاق مع الرباط كانت مدريد كشفت عنه، يقضي بتوفير إسبانيا حاجات المغرب من الغاز عن طريق نقله عبر الأنبوب المغاربي الأوروبي.
إثارة ملف ظاهره خافت وباطنه يغلي
وأعادت صحيفة "إل موندو" الإسبانية، إثارة ملف التوتر الجزائري المغربي مجدداً، الذي وعلى الرغم من أن ضجيجه بات خافتاً في الظاهر، إلا أن باطنه لا يزال يغلي ويحمل مفاجأة في المستقبل، بحيث أبرزت أن الجزائر حذّرت من إقدام إسبانيا على إرسال الغاز الآتي من الجزائر إلى المغرب بطريقة عكسية، وذلك رداً على تصريحات إسبانية تحدثت عن تزويد المغرب بالغاز عبر أنبوب "المغرب العربي- أوروبا".
وقال مسؤول إسباني للصحيفة "لقد حذرونا خلال المفاوضات بأنه لا يجب أن يصل جزيء واحد من الغاز الجزائري المرسل إلى إسبانيا، للمغرب"، لافتاً أن الحكومة الإسبانية لا تمتلك نيّة إرسال الغاز الجزائري إلى الرباط، وموضحاً أن الجزائر تلقّت بقلق كبير خبر استيراد المغرب للغاز بطريقة عكسية من إسبانيا عن طريق الأنبوب الجزائري الأوروبي، الذي تخلت عنه الجزائر.
وأشارت الصحيفة إلى أن التحذير جاء خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، مع نائبة رئيس الحكومة الإسبانية تيريزا ريبيرا في 26 فبراير (شباط) الماضي، لكن لم يتم الكشف عن فحواه، وشددت على أن مدريد تلقّت الرسالة وتفاعلت معها بشكل فوري، إذ أوقفت كل الخطط التي تم رسمها بعد طلب الرباط رسمياً مدّها بالغاز الطبيعي للخروج من أزمة الطاقة الخانقة التي تعانيها.
طمأنة بعد تعهد
في السياق ذاته، أعلنت الرئاسة الجزائرية أن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، أكد في اتصال هاتفي مع الرئيس عبد المجيد تبون أن الجزائر شريك موثوق لبلاده في مجال الطاقة، وأضاف أنه يتطلع إلى العمل على تطوير تعزيز التعاون القائم بين البلدين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت إسبانيا في وقت سابق عن أنها ستساعد المغرب على ضمان أمنه في مجال الطاقة عبر السماح له باستيراد الغاز عبر خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي، الذي كانت الجزائر تستخدمه لتصدير الغاز إلى أوروبا قبل أن تتوقف عن استعماله نهاية (أكتوبر) تشرين الأول الماضي. وقالت وزارة التحوّل البيئي الإسبانية في بيان إن "المغرب طلب دعماً لضمان أمنه في مجال الطاقة على أساس علاقاتنا التجارية، وإسبانيا ردّت إيجاباً كما كانت ستفعل مع أي شريك أو جار".
وأضافت أنه سيكون بمقدور الرباط الحصول على الغاز الطبيعي المسال من الأسواق الدولية، وإيصاله إلى مصنع لإعادة التحويل في شبه الجزيرة الإسبانية، واستخدام خط أنابيب الغاز المغاربي لنقله إلى المملكة".
بين الاستهلاك الإعلامي و"التأجيج"
في المقابل، يرى الباحث في الشؤون المغاربية، المغربي يحيى بن طاهر، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه في ما يخص لغة "التحذير" الواردة في قصاصة "إل موندو"، لا تعدو كونها للاستهلاك الإعلامي، أو "التأجيج".
وقال إن التحذير يحيلنا على علاقة عمودية بين طرفين، والحال أن العلاقات الدبلوماسية الجزائرية الإسبانية تبدو أفقية مبنية على المصالح، وهو أيضاً ما ينطبق على العلاقات الإسبانية المغربية، مضيفاً أن تعبيرات الجار الشمالي للبلدين المغاربيين متكررة في الجار والشريك والموثوق به، لكنها سرعان ما تضطرب بين الفينة والأخرى، مثلما هي العلاقات المغربية الإسبانية قبل أكثر من عام مثلاً، لكنها سرعان ما ستعود إلى طبيعتها لوجود ثابت للجوار، وأيضاً لواقع المصالح المتبادلة بين الطرفين.
ويواصل بن طاهر أن اشتراط الجزائر على إسبانيا ألّا تبيع غازها للمغرب، كان فحوى اتصال رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وقد طمأنه الأول حول هذه المسألة. وعليه، حين يصل الأمر إلى هذا المستوى من الأجوبة الشافية، لا مجال للمرجع الإعلامي الذي لا يمكن إلا أن يزيد الطين بلّة في وحل علاقات متشنجة، مبرزاً أن الإسبان أوضحوا، في وقت سابق، أن الغاز الذي سيتم بيعه للمغرب، يتم تكريره في إحدى محطات تكرير الغاز في إسبانيا. وقال إن المسألة تبدو معقدة، مشيراً بخصوص تأمين المغرب لحاجاته من الغاز الطبيعي، إلى أن المملكة اختارت قبل أكثر من عقد، طريقاً استراتيجياً آخر في علاقاتها الدولية، مؤسساً على تعدد الشركاء الاستراتيجيين، ومنه يمكن أن تضمن رصيدها الطاقوي من أميركا وروسيا والصين، إضافة إلى إسبانيا ودول الخليج.
شرط "سياسي" على صفقة "تجارية"
من جانبه، يعتبر الناشط السياسي المغربي محمد سالم عبد الفتاح في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن التركيز على شرط "سياسي" ضمن صفقة يُفترض أنها محض "تجارية"، ليس أمراً جديداً، ولا معنى لتناول خطوة كهذه في ظل الإعلان الجزائري الرسمي عن رفض تجديد عقد تصدير الغاز إلى إسبانيا عبر المغرب. وعليه، فالأمر يتعلق باستمرار التصعيد السياسي والإعلامي إزاء المغرب منذ قرابة عام، مبرزاً أنه في ظل السياق الحالي الذي تشهده أوروبا، لا مجال أصلاً للحديث عن تحويل صادرات الغاز الموجهة إلى أوروبا نحو جهة ثالثة.
ويتابع أن المغرب أقرّ مجموعة من الآليات التي ستسهم في توفير هذه المادة الحيوية، منها آلية صندوق المقايضة التي يضبط من خلالها أسعار المحروقات محلياً، فضلاً عن تكريسه لتحالفات وتفاهمات استراتيجية تهم دولاً مصدرة للغاز، وفي مقدمتها دولة قطر، بالتالي، المغرب سيتأثر بالتأكيد بصعود أسعار الغاز وعدم استقرارها، لكن تأثره سيكون مرتبطاً بتقلبات السوق وقانون العرض والطلب، وليس معنيّاً بأي تصريح جزائري يهمّ تعاقدات مع جهات أخرى تدخل في نطاق السيادة الجزائرية والشأن الداخلي الجزائري بالدرجة الأولى.
العودة إلى سياسات جوار سلمية
في المقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الجزائري عبد القادر عبد العالي أنه على ضوء التطورات الدولية الأخيرة والمتعلقة بأحداث الحرب في أوكرانيا، سيزداد الطلب على الغاز الجزائري، وهي فرصة أيضاً لكي تمارس الجزائر ضغوطاً على إسبانيا، في ما يُعتبر عقوبات اقتصادية جزائرية على المغرب، برفض تحويل الغاز إلى المملكة.
وأبرز أن الجزائر تستهدف ثني المغرب ودفعه إلى التراجع عن ممارساته الاستفزازية والعودة إلى سياسات جوار سلمية تمكّن من تحسين العلاقات الثنائية التي تمثل استحقاقاً مغاربياً، وختم أن التصريح الإسباني يعكس تزايد أهمية الجزائر في المرحلة المقبلة، واحتمال تحوّلها إلى بديل جزئي للغاز الروسي باتجاه أوروبا.
الإسبان يحاولون موازنة علاقاتهم الثنائية
من جانبه، يقول الباحث في العلاقات الدولية عدنان محتالي أن التحذير الجزائري جاء بناء على أخبار عن نيّة مدريد في تزويد المغرب بجزء من الغاز الجزائري الموجّه إلى إسبانيا. وقال إن الإسبان يحاولون موازنة علاقاتهم الثنائية مع الجزائر والمغرب، وذلك لامتلاكهم مصالح في البلدان، مضيفاً أن الإسبان يعلمون أن المغرب يعاني أزمة طاقوية حادة منذ قطع الإمداد الجزائري، وستشتد معاناته مع الارتفاع الجنوني لأسعار الغاز وندرته بسبب توجيه كل الناقلات نحو أوروبا في سبيل تعويض الغاز الروسي. وعليه، فالخطوة الإسبانية نابعة من تخوّف من انفجار للجبهة الاجتماعية المغربية، وما سينتج منه من اضطرابات وهجرة غير شرعية نحو الأراضي الإسبانية.