Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ما زالت رهانات النصر والهزيمة في حرب أوكرانيا قائمة؟

القتال قد يستمر سنوات مع مزيد من الدمار وبوتين لن يخسر معركة الداخل

قبل بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي، كانت هناك تقديرات مختلفة لما سينتج عن هذه الحرب، فقد توقع الكرملين أن تكون مهمته سهلة في هزيمة الأوكرانيين، بينما توقعت كييف وواشنطن وحلف "الناتو" أن تكون الحرب استنزافية ومريرة للقوات الروسية، وأن تؤدي العقوبات إلى إطاحة نظام الرئيس فلاديمير بوتين، فهل ما زالت رهانات النصر والهزيمة من الطرفين على حالها بعد نحو سبعة أسابيع من اندلاع الحرب؟ أم أن الحرب ستكون طويلة مثلما كانت حرب السوفيات في أفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي؟

مرحلة جديدة

في وقت يؤكد فيه المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن "العملية العسكرية الخاصة" لموسكو في أوكرانيا قد تنتهي قريباً لأن روسيا تنجح في تحقيق أهدافها، تستعد أوكرانيا لمرحلة جديدة قد تكون أكثر تحدياً في حربها لصد الهجوم الروسي، وتتحول المعارك في شرق البلاد إلى تضاريس جديدة يمكن أن تمنح الروس ميزة أكبر، إذ يشير محللون عسكريون إلى أن المساحات الشاسعة في شرق أوكرانيا، سوف تعزز من قدرة روسيا على حشد تشكيلات ميكانيكية كبيرة من الدبابات والعربات المدرعة والمدفعية بعيدة المدى وإدارة معارك نارية واسعة أشبه بمعارك الحرب العالمية الثانية، ما سيجعل من الصعب على الأوكرانيين إدارة عمليات حرب العصابات ضد الروس، مثلما فعلوا في غابات الشمال والغرب، حيث وفرت الأشجار غطاءً للمقاتلين، للتسلل خلف الخطوط الروسية وإطلاق النار على الدبابات والمركبات المدرعة، باستخدام أسلحة مضادة للدبابات مثل "جافلين" التي قدمتها الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن الكثير من المعارك المنتظرة خلال أيام في الشرق، سيعتمد على ما إذا كانت القوات الروسية، ستكون قادرة على تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها في المرحلة الأولى من الهجوم، والتي تتراوح من فشل خطوط الإمداد والتحديات اللوجيستية وسوء التخطيط والمعنويات السيئة وتناقص الصواريخ الموجهة بدقة، إلى استخدام قوات غير متناسبة مع حجم المنطقة التي كانت تحاول الاستيلاء عليها، في وقت يشكك عديد من المراقبين الغربيين في أن القوات الروسية المنهكة بالفعل، لديها القوة الكافية للاستيلاء على المزيد من الأراضي من أوكرانيا، فضلاً عن أن روسيا حشدت عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، وتقوم بتجميع وحدات قتالية جديدة لتحل محل التي فقدت خلال الأسابيع الماضية، الأمر الذي يستغرق وقتاً لتجهيزها وتدريبها.

ومع إعلان عديد من دول حلف "الناتو" رغبتها في استمرار دعم أوكرانيا عسكرياً وتوفير أسلحة أكثر تطوراً من دبابات وطائرات وصواريخ مضادة للطائرات ذات مدى أبعد، تبدو الحرب في أوكرانيا مستمرة، سنوات عدة، على أقل تقدير، بحسب ما أعلن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي، وهو ما حذر منه أيضاً الأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ، الذي توقع صراعاً طويل الأمد يتجه إلى مرحلة أكثر تدميراً.

من الخاسر؟

لكن بينما يرى بعض المحللين في الولايات المتحدة وأوروبا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخسر معركة أوكرانيا، وأنه تخلى عن أهدافه القصوى على الأقل حالياً، بعد أن سحب قواته من حول كييف، وأن تركيزه الآن ينصب على أهداف متواضعة مثل السيطرة على الأراضي التي يكون قادراً على الاحتفاظ بها على المدى البعيد في شرق أوكرانيا وإقليم دونباس، إلا أن مراقبين آخرين يعتقدون أنه من المبكر الحكم على خسارة رهانات روسيا في أوكرانيا، وبخاصة أنها استدعت 135 ألف جندي من قوات الاحتياط، وتستعد لجولة أخرى تحت قيادة ألكسندر دفورنيكوف، وهو جنرال صارم ذو خبرة اكتسبها من القتال في سوريا.

كما أن الرئيس بوتين لم يخسر أيضاً بالشكل المتصور خارج ساحة المعارك، وتشير معظم الدلائل إلى أن المرحلة الجديدة في الحرب تعود بالفائدة على روسيا، فعلى الرغم من أن العقوبات بدأت تؤذي روسيا، فإن الصورة العامة تبدو مختلطة أيضاً، إذ يتوقع البنك الدولي الآن انكماش الاقتصاد الأوكراني بنسبة 45 في المئة، وقد يصل إلى 75 في المئة عام 2022، أي أربعة أضعاف الانخفاض المتوقع في الاقتصاد الروسي، وهو بنسبة 11 في المئة.

مكاسب لروسيا

 ويعود الضرر الأقل على روسيا إلى تضاعف عائدات موسكو الشهرية من تصدير الغاز ثلاث مرات عما كانت عليه قبل عام، فقد كسبت روسيا 9.5 مليار دولار من تصدير الغاز عبر خطوط الأنابيب، مقارنة بنحو 3.4 مليار دولار في العام السابق، فضلاً عن عائدات قدرها 1.3 مليار دولار أخرى من صادرات الغاز الطبيعي المسال المشحونة، وهكذا تجاوزت صادرات الغاز الروسي للمرة الأولى 10.8 مليار دولار، كما تجاوزت صادرات النفط 10.1 مليار دولار.

وعلى المستوى السياسي، تبدو الأمور وكأنها تتحرك في اتجاه مُواتٍ للرئيس بوتين، إذ بدأ القادة الغربيون مرة أخرى في السفر إلى موسكو ولقائه للوصول إلى تسوية في أوكرانيا، وهو ما تجسّد بلقاء المستشار النمساوي كارل نهامر كأول زعيم غربي يتعامل مع بوتين شخصياً منذ الهجوم على أوكرانيا، وفي الوقت نفسه لم يعرف بعد ما إذا كانت جهود الرئيس الأميركي جو بايدن لإبعاد الهند عن روسيا وإنهاء سياسة الحياد التي يتبعها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، قد أثمرت شيئاً خلال اللقاء الافتراضي الذي جمع بينهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي فرنسا، تقود مارين لوبن، التي تنافس بقوة الرئيس إيمانويل ماكرون على مقعد الرئاسة، كتلة سياسية متعاطفة مع روسيا، وأعلنت رغبتها في سحب القوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي من هيكل القيادة المتكامل لحلف "الناتو" حتى لا تقع فرنسا في صراعات ليست لها، الأمر الذي يعني أن لوبن التي يصفها أعداؤها بأنها "دُمية بوتين"، تهدد بتفكيك الوحدة الغربية ضد روسيا بسعيها إلى حل الاتحاد الأوروبي أو إبطاء الاندماج في الاتحاد الأوروبي على الأقل، وبغض النظر عما إذا كان ماكرون سيظل في قصر الإليزيه أم لا، فإن لوبن نجحت بالفعل في إثارة انعدام ثقة عميق الجذور في المؤسسات الأوروبية بحسب ما تقول صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، ما يعني أنه يمكن لبوتين الفوز حتى عندما تتعرض قواته للفشل في ساحة المعركة.

هدف إسقاط بوتين

لكن بوتين لم يخسر حتى الآن على الأقل معركته الداخلية في روسيا، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فمنذ بداية الحرب، راود الغرب بعض الأمل في إمكان تغيير النظام في موسكو وإطاحة الرئيس بوتين، وهو ما انزلق قبل أيام من شفتي الرئيس الأميركي جو بايدن في لحظات حماسية، غير أن هذا الأمل ظل ضعيفاً، فعلى الرغم من المستنقع العسكري والعقوبات الاقتصادية غير المسبوقة، يبدو وضع بوتين جيداً في استطلاعات الرأي وتقارير الاستخبارات على حد سواء، بعد أن نجح في تعزيز الدعم من الجمهور الروسي، وحشد أمة تشعر بنفسها محاصرة ظلماً حسب ما تصورها وسائل الإعلام الروسية.

ومن الواضح أن طموح الغرب في إحداث تغيير داخلي في السلطة الحاكمة الروسية لن يصل إلى أي شيء، فمن غير المرجح أن تنفصل الدائرة المقربة من بوتين عنه، لأسباب رسمها أناتول ليفين في صحيفة "فايننشيال تايمز" قبل أسابيع حين قال إن أعضاءها في الغالب لديهم الخلفية نفسها، ويشتركون في الآراء الجيوسياسية ذاتها، وهم أكثر احتمالاً بكثير للقتال لمدة طويلة في أوكرانيا، من الانقلاب على زعيمهم فجأة.

وحتى في الدائرة الأوسع للنخب الروسية، فقد ولدت الحرب حتى الآن تضامناً معادياً للغرب لأن هؤلاء الناس يفهمون أن حياتهم مرتبطة الآن بروسيا فقط، وهذا هو المكان الذي يحتاجون إليه، ولأن العقوبات المفروضة من الخارج، والحرب الاقتصادية، غالباً ما تؤدي إلى تعزيز القوة الداخلية للنظام المستهدف، مثلما حدث مع كوبا وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا، فضلاً عن العراق قبل الهجوم الأميركي عام 2003، وغالباً ما تكون النتيجة هي استمرار معاناة الناس وتحمل النظام.

ومع افتراض ضئيل بتلاشي دعم بوتين مع تزايد الآلام الاقتصادية نتيجة للعقوبات الغربية، فلن تكون القوى التي ولدت من رحم المعاناة الروسية قوى ليبرالية، بل من المرجح أن يكون أي تغيير في القيادة الروسية، مشابهاً لخلافة نيكولاس مادورو في فنزويلا لهوغو شافيز، أي إنه يأتي بشخصية مشابهة لبوتين.

صراع مجمد

وفي حين يؤكد المسؤولون الأميركيون، ومنهم جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، أن أوكرانيا لن تخضع لروسيا، فهذا ينبع من أن الغرب لم يكن ليتحمل خسارة أوكرانيا في الحرب، وهو مصمم على بذل كل الجهود العسكرية والاقتصادية والسياسية لوقف محاولات روسيا تحقيق مكاسب على الأرض الأوكرانية، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى صراع مجمد يدّعي بوتين النصر فيه من خلال السيطرة على بعض الأراضي الأوكرانية، وهو ما يتوقع أن يؤدي إلى ضغوط لترك العقوبات الاقتصادية سارية على روسيا، ومواصلة الحرب إلى أجل غير مسمى بوسائل أخرى.

وحتى في غياب الحرب المفتوحة، ستظل روسيا من وجهة نظر الغرب، عدواً للسلام في أوروبا، وتهديداً للأجيال القادمة وللمصالح الأميركية، ما يدفع إلى صنع سياسات ضد موسكو تقلل من الثروة والقوة الروسية، كنوع مبرر للدفاع عن النفس، سواء بالنسبة لتأمين الحدود الشرقية لأوروبا، أو من أجل ضمان السلام الأميركي الأوسع.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير