Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انهيار حاد لمستوى الادخار في تونس وسط تداعيات صعود التضخم

بيانات للبنك المركزي تشير إلى أن تراجع الاقتصاد الموازي وضعف الاستثمار يزيدان الضغوط على الاستقرار المالي للبلاد

لجأت الدولة التونسية إلى تغطية النقص الحاصل عن طريق تمويلات خارجية (أ ف ب)

كشف البنك المركزي التونسي عن تراجع حاد في حجم الادخار الوطني، بحكم النقص المسجل في نسبة الادخار بالنظر إلى إجمالي الدخل الوطني المتاح. وورد ذلك بسبب انخفاض المداخيل الذاتية والعمومية، ما أدى إلى ضعف في مشاركة الادخار العام في تمويل رأس المال. وقد لجأت الدولة إلى تغطية النقص الحاصل عن طريق تمويلات خارجية، على الرغم من تراجع السحب من أموال الاقتراض وتدفق الاستثمار الخارجي. ونبه ملاحظون في هذا الشأن من خطورة تعطل القطاعات الاقتصادية وخصوصاً الاستثمار، الذي يؤثر تراجع تمويله على مؤشر النمو بصفة مباشرة. ويصعب في واقع الحال تمويل الاستثمار بسبب الشح الكبير في الإدخار.

انهيار تاريخي

وقد تراجعت نسبة الادخار من 9.2 في المئة  سنة 2019 إلى 4 في المئة سنة 2020، وهو أضعف مستوى بلغه منذ عشرات السنوات، وفق البنك المركزي.

وبين أن التداعي القياسي لكل من الناتج المحلي الإجمالي وإجمالي الدخل الوطني المتاح، أثر على الإدخار الوطني. وقد أتى نتيجة الضغوط التي خلفتها أزمة "كوفيد – 19" على مداخيل مختلف العناصر الاقتصادية.

وانخفضت المداخيل الذاتية 5.3 في المئة. وارتفعت النفقات الجارية 13.4 في المئة. وعلى هذا الأساس، كان الفارق بين الموارد الذاتية والهبات والنفقات الجارية بما في ذلك فوائد الدين العمومي سالباً بـ 3 مليارات دينار (1.06 مليار دولار)، بعد أن سجل فائضاً في سنة 2019.

ودفعت الظروف الراهنة إلى عدم تمكن موارد الادخار الوطني من تأمين سوى حوالى 30.4 في المئة من إجمالي تكوين رأس المال الثابت، و37.2 في المئة من حاجيات التمويل الداخلي، بما فيها تغير المخزونات.

وقد تراجع فارق التمويل بين الاستثمار والادخار الوطني من 8.4 في المئة إلى 6.8 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بين سنة وأخرى. ويعكس ذلك  حجم تقلص الاستثمار في السنوات الأخيرة.

تمويلات خارجية

وعملت تونس على تغطية فارق التمويل بين الاستثمار والادخار الوطني  بواسطة تمويلات خارجية. وتم ذلك على الرغم من الانخفاض الكبير للسحوبات من أموال الاقتراض متوسط وطويل الأجل. والنقص مسجل في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والصعوبات التي تواجهها تونس للنفاذ للأسواق المالية الدولية، بسبب تداعيات أزمة "كوفيد-19"، وتدهور ترقيم تونس السيادي من قبل وكالات التصنيف الائتماني.

وتوقع البنك المركزي التونسي أن يتحسن مستوى الادخار الوطني نسبياً، من دون استعادة نسبته التاريخية، بسبب استمرار الظرف الاقتصادي الصعب. كما ينتظر ازدياد الحاجيات للتمويل نظراً للانتعاشة التدريجية المتوقعة للاستثمار.

تهريب أموال

نسبة الادخار المسجلة في تونس سنة 2020 هي الأدنى على الإطلاق، لم تشهدها البلاد منذ حصولها على الاستقلال، هذا ما ورد على لسان المحلل الاقتصادي عبد الجليل البدوي. واعتبر النسبة نتيجة بديهية لتراجع مؤشر النمو في تونس، الذي راوح معدل 1.6 في المئة في العشرية الأخيرة، وبالتحديد من سنة 2011 إلى حدود سنة 2019، إلى أن سجل انهياراً إثر الأزمة الصحية سنة 2020 وبلغ 9.3 سلبي. وأدى ذلك إلى تزايد الاستهلاك على حساب المداخيل، بالتالي انعدام القدرة على الادخار. كما تسبب تدهور القدرة الشرائية لدى التونسيين بعجز العائلات عن الادخار. ويعود ذلك إلى التضخم الذي يشهد نسقاً تصاعدياً بعد أن بلغ 5 في المئة سنة 2020.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الادخار العمومي، فهو يعكس الظروف المالية للقطاع العام في تونس وعجز المالية العمومية، إذ يرتبط نزول مستوى الادخار العمومي بأزمة الجباية التي لا تلعب دورها الأساسي، وهو تمويل الخزينة العمومية. كما تعجز المؤسسات العمومية عن تحقيق الأرباح، بل بلغ البعض منها مرحلة الإفلاس.

في حين يمثل تهريب الأموال إلى الخارج عاملاً مهماً في تراجع مستوى الادخار، وهو ما تعتمده عائلات ومؤسسات على حد السواء. كما تزيد معضلة الاقتصاد الموازي من تعميق النقص، فادخارات الناشطين في الاقتصاد غير المنظم لا توجه إلى المؤسسات المالية المنظمة، وهم يستولون على نسبة كبيرة من الثروة التي لا تخضع للمصاريف والمعاملات.

هي عوامل اجتمعت لتضرب الادخار وتقلصه، ومن غير الممكن حالياً ترتيبها وفق خطورتها، لكن من المتاح محاربتها. فالحلول تتمثل في التأسيس لاقتصاد يخلق الثروة، ومحاصرة التهريب، ويشجع على الاستثمار والادخار، أما نسبة الفائدة في تونس فهي مرتفعة ومثقلة لكاهل المستثمر، لا تشجع على الاستثمار مقارنة مع البلدان المجاورة. فتكلفة الاستثمار مرتفعة أدت إلى العزوف عن بعث المشاريع وإنتاج الثروة، ما نتج عنه استثمار غير ديناميكي. فتكلفة الإنتاج مرتفعة في تونس، تخضع إلى زيادات متواترة تضاف إلى التضخم المستورد وتراجع الدينار. لذلك وجب مراجعة آليات الإنتاج لوضع ظروف ملائمة لخلق الثروة.

اختلال التوازنات

 أدت الانعكاسات السلبية للأزمة الصحية إلى تراجع الادخار في تونس 5.2 في المئة سنة 2020، بسبب تراجع الادخار لدى الأعوان الاقتصاديين كافة، انطلاقاً من مؤسسات الدولة مروراً بالشركات وصولاً إلى الأسر، وفق محمد سويلم المدير العام السابق للسياسات النقدية في البنك المركزي التونسي. وتسبب اختلال التوازنات المالية العمومية في نقص الادخار لدى الدولة، علاوة على تدهور الوضعية المالية لشركات عمومية مثل فوسفات قفصة، وشركة الخطوط التونسية، وصناديق التقاعد، والشركة التونسية للأنشطة البترولية.

ويؤدي انخفاض الادخار رأساً إلى عدم القدرة على تمويل الاستثمار، لذلك  لجأت تونس إلى الادخار الأجنبي لسد الفجوة أي إلى التداين، ما ينعكس سلباً على قدرة تونس على تطوير الاستثمار وبلوغ نسبة نمو عليا.

علماً أن نسبة الادخار بلغت حوالى 21 في المئة من إجمالي الناتج المحلي سنة 2010. بينما مثلت نسبة الاستثمار حوالى 26 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في السنة ذاتها.

وتترجم الوضعية الحالية انهيار الاقتصاد ككل، فقد نزلت تونس 8 درجات في سلم التصنيف الائتماني في غضون السنوات الـ10 الماضية.

ما يفسر ارتفاع الهامش القرضي بـ10 نقاط مئوية، وتكلفة التأمين على  المخاطر للسندات التونسية بأكثر من 8 مرات مقارنة مع 2010. فقد مرت من 100 نقطة قاعدية سنة 2010 إلى 840 نقطة في الوقت الراهن.

اقرأ المزيد