Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الشربة" و"البوراك" عروس وسلطان المائدة الرمضانية في الجزائر

حضورهما من الثوابت رغم اللمسات العصرية التي طالت مطبخ البلاد

تسعى المرأة الجزائرية لتحضير "الشربة" بعناية فائقة (مواقع التواصل الاجتماعي)

على طاولة الإفطار الجزائرية، تحتفظ "الشربة"، بمكانتها كعروس متربعة على المائدة الرمضانية إلى جانب "البوراك"، الملقب بالسلطان، ليشكلا مشهداً لا يقاوم بحسب عشاقهما، ظل لصيقاً بعادات وتقاليد، يرفض سكان البلد التخلي عنها، على الرغم من اللمسات العصرية التي تطال المطبخ الجزائري.

ثوابت رمضانية

وتعد "الشربة"، من أهم الأطباق الجزائرية، ويعتبر حضورها تقليداً راسخاً لدى الأمهات الجزائريات منذ حلول شهر رمضان وإلى غاية انقضائه، وتقول السيدة نادية رحال، "لا يمكن تخيل مائدة رمضانية من دون شربة، الأمر شبه مستحيل بالنسبة للعائلة الجزائرية"، وتضيف، "هي عادة ورثناها عن أجدادنا وحافظنا عليها ووصلت إلى أولادنا، وتعتبر الشربة من ألذ الأطباق، إضافة لكونها غنية بالمكونات من خضار ولحم، وتعد وجبة كاملة بالنسبة للصائم، صالحة لكل زمان ومكان".

السر في "التحماس"

تولي ربات البيوت عناية فائقة لعملية تحضير "الشربة"، باعتبارها أول ما يتناوله الصائم بعد فراغه من صلاة المغرب، ولا يسمح للفتيات اللاتي يفتقدن للخبرة بالمغامرة في إعدادها من دون إشراف الأمهات اللاتي يقدمن التوجيهات اللازمة خصوصاً في شهر رمضان إذ يعد طبقاً رئيساً يتقاسمه أفراد المنزل.

وتقول سارة براهمي المتحدرة من ولاية المدية (70 كيلومتراً عن الجزائر العاصمة)، إن "الشربة" طبق أساس على المائدة الرمضانية، وترتكز مقاديرها على قطع اللحم، وخضار (حبة بصل، ثلاث حبات جزر، وحبة كوسا أو ما يعرف محلياً بالقرعة وحبتان من الطماطم، ويمكن إضافة حبة من البطاطا متوسطة الحجم).

ولا تنضج النكهة، تقول سارة، من دون إضافة التوابل على غرار الفلفل الأسود والأحمر (العكري) والزنجيبل ورأس الحانوت، والقرفة والملح، كما يعتبر الحمص المنقوع في الماء، من المكونات الرئيسة، ومعجون الطماطم الذي يعطيها لوناً أحمر شهياً، وفي قدر على النار، توضع ملعقتان من الزيت أو الزبدة، بحسب الرغبة، ويضاف إليها اللحم حتى يتقلى لمدة 10 دقائق تقريباً، وبعدها البصل المفروم وبقية الخضر، ومن ثم حبات الطماطم وبقية التوابل والحمص والملح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والسر كله يكمن في عملية القلي أو "التحماس" كما يسميه الجزائريون، ثم تُضاف كمية من الماء وتترك لتطبخ على نار هادئة، ليضاف إليها "الفريك" أو "شيشة المرمز"، وهو منتج غذائي معد من سنابل القمح أو الحنطة الخضراء (القمح الأخضر)، تحصد سنابلها وهي خضراء طرية قبل جفافها وتعرض للحرارة عن طريق حرقها، ثم تسحق بواسطة مطحنة تقليدية مصنوعة من الحجر الصلب.

وقبل أسابيع من حلول شهر رمضان، تدخل ربات المنازل في رحلة البحث عن أجود أنواع "الفريك" الذي يبلغ سعره نحو دولارين ونصف الدولار لكل كيلوغرام، وذلك حسب الجودة والنوعية.

حساء عالمي

ويتّم بعدها نزع اللحم والحمص، وطحن الخضار بخلاط الذراع، ويعاد الخليط فوق النار حتى يغلي، وثمة إضافات أخرى بعد الطهي، إذ يضاف على "الشربة" "القصبر" المعروف محلياً بـ"حشيش مقطفة" و"النعناع اليابس" ما يعطيها نكهة لذيذة.

واستطاع الجزائريون بمحافظهم على طبق "الشربة" على مدار عقود وتوريثه إلى أولادهم من إيصاله إلى العالمية، إذ صنف تقرير لشبكة "سي أن أن" مطلع عام 2022 "الشربة" الجزائرية في المرتبة السادسة في ترتيب أفضل 20 نوعاً من الحساء في العالم، وتختلف تسمية "الشربة" من منطقة إلى أخرى، إذ يطلق عليها سكان المناطق الغربية "الحريرة"، أما سكان الشرق فيسمونها "الجاري"، ويسميها سكان الوسط والجنوب بـ"شربة الفريك".

"البوراك" رفيق "الشربة"

ويفضل عاشقو "الشربة" تناول هذا الطبق الشعبي الشهير برفقة "البوراك" التقليدي وهو من المقبلات، المصنوع من أوراق "الديول" وهي عبارة عن رقائق عجينة من السميد، ويُحشى وفق أذواق وإمكانيات العائلات، إذ هناك من يفضل اللحم المفروم، كما يمكن استخدام الدجاج أو التونة أو الأسماك، ويضاف إليها البصل والبقدونس، والبطاطا والجبن، ويُقلى أو ويُوضع في الفرن ودهنه بالزبدة، ويمكن أن يتخذ شكلاً مربعاً أو مستطيلاً أو حتى دائرياً، حسب ميول الطاهي.

وفي شهر رمضان، تنتعش صناعة "الديول" من قبل ربات المنازل، وهي من المهن الرمضانية التي تعول العائلات عليها لرفع قوتها اليومي، ويتنشر الباعة في الأسواق للترويج لصناعتهم على أنها الأحسن، ويعد اختيار "الديول" عاملاً مهماً في الحصول على "بوراك" لذيذ.

ولهذه المقبلات شعبية في كل أنحاء الوطن، لكنها تعرف رواجاً رهيباً في الشرق الجزائري، خصوصاً بمدينة عنابة المتاخمة للحدود التونسية حيث تسمى "البريك"، إذ يضاف إليها البيض ومكونات أخرى، حسب الرغبة.

وبمقلاة فيها كمية من الزيت يترك حتى يسخن جيداً، توضع حبات "البوراك" في الزيت حتى يصبح لونها أصفر ذهبياً، لتسحب من المقلاة وتوضع على ورق خاص للتخلص من الزيت الزائد، مرفقة بشرائح من الليمون.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن "بوراك" "börek"، كلمة تركية، تعني "فطيرة"، وورثها الجزائريون عن الوجود العثماني في الجزائر (1509- 1830)، وظلت صامدة وباتت من أشهى المقبلات الرمضانية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

كما ورد في "الموسوعة الحرة"، التي نقلت عن كتاب "الغذاء والوليمة في روما القديمة" (2005)، لبارتيك فاس، أن "البوراك" أو "Börek" بالتركية أو "burek" " هي عائلة من المعجنات المخبوزة من عجينة رقيقة قشرية تُعرف باسم "phyllo" أو "yufka".

المزيد من منوعات