Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يوسف عبدلكي يستوحي رباعيات صلاح جاهين تشكيليا

معرض في القاهرة يضم أعمالا للرسام السوري بجماليات الأبيض والاسود

رسمة ليوسف عبدلكي في المعرض (الخدمة الإعلامية)

رسم بالأبيض والأسود يمثل ثلاثة كائنات مخيفة وشرسة، لا يربطها بالطبيعة البشرية سوى سلاح وقيد حديدي في يد أحدهم. هذه الكائنات الثلاثة المرسومة تتأهب للانقضاض على رجل ضئيل الحجم، لا يملك سلاحاً سوى أقلام للرسم والكتابة ومكبر للصوت. أسفل الرسم نقرأ هذه الأبيات لشاعر العامية المصري الراحل صلاح جاهين: "أنا قلبي كان شُخشيخة أصبح جرس/ جلجلت به صحيوا الخدم والحرس/ أنا المهرج... قُمتو ليه خُفتو ليه/ لا في إيدي سيف ولا تحت مني فرس/... عجبي!!" وهي واحدة من الرباعيات الشهيرة التي كتب غالبيتها صلاح جاهين بين عامي 1959 و1962، وتحمل عدداً من الإسقاطات الاجتماعية والسياسية والإنسانية. 

يلتقط الفنان السوري يوسف عبدلكي هذه الومضات الشعرية ويحوّلها ببراعة إلى نصوص بصرية موازية تحاكي انسياب الكلمات واختزال المعاني في رباعيات جاهين. يعرض عبدلكي هذه الرسوم في قاعة مشربية في القاهرة حتى 28 أبريل (نيسان)، مهدياً إياها إلى روح صلاح جاهين، الذي تمر ذكرى رحيله هذا الشهر. 35 عملاً متوسطة الحجم رسمها عبدلكي بين عامي 2015 و2019 من وحي هذه الرباعيات. في هذه الرسوم الغرافيكية، يستحضر عبدلكي كذلك أسماء بارزة لخمس شخصيات مؤثرة في عالم الفن والغناء، وهم: المثال المصري محمود مختار في رباعية "خوض معركتها" والمصور محمود سعيد في رباعية "أوقات أفوق" والرسام الياباني هوكوساي في رباعية "تلال الموج" والدادائي الفرنسي مارسيل دوشان في رباعية "وسط الحطام" والمغني المصري الشيخ إمام عيسى في رباعية "يا عندليب"، وهي أشبه بتحيّة يرسلها عبدلكي إلى هذه الشخصيات عبر إشارات بصرية مستلهمة من أعمالهم.

رسوم ورموز

الأعمال التي يعرضها يوسف عبدلكي هنا تحمل جانباً دلالياً غنياً بالرموز، أبعد من كونها ترجمات بصرية لنصوص شعرية أو أدبية. يخلق الفنان لنفسه نسقاً موازياً ومستقلاً، فالعناصر المرسومة في لوحاته تتحوّل إلى رموز، وهي رموز تؤدي دورها ببراعة في سياق رؤيته الاحتجاجية إلى العالم من حوله. يرسم الفنان عناصره تلك وحيدة وغارقة في فضاء رمادي كي تؤدي دورها ببراعة في سياق رؤيته الاحتجاجية إلى العالم من حوله. فهو حين يرسم على سبيل المثال لوحة كبيرة، لا يرسم فيها سوى جمجمة وحيدة لحيوان، نجد المشهد مغلفاً بمشاعر الفناء والوحدة، وحين يرسم فردة حذاء في لوحة أخرى، يستدعي حالة سلطوية تتلذذ بقهر المخالفين وإذلالهم. بينما يؤكد في أعمال أخرى معاني الفقد أو الرحيل أو سلب الإرادة. وعلى الرغم من جماليات المشهد الذي صاغه عبدلكي ببراعة، إلا أن رائحة الفقد هذه التي غلفت العناصر المرسومة، تستدعي في كل مرة يُلقى النظر عليها كثيراً من المشاعر والأحاسيس المشابهة، من فراق ولوعة وأسى، وتشتبك مع عبثية الواقع على نحو ما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا الفراغ الرمادي الذي يعكس رؤية تراجيدية للحياة، والمتكرر في أعمال الفنان، هو نفسه المحيط بصورة الشهيد الملقى على الأرض والتي رسمها عبدلكي بعد اندلاع الثورة السورية. جثة وحيدة ملقاة على الأرض، لا يعرف هويتها أحد، الملامح الحادة لا تنبئ بعقيدة أو انتماء بعينه، تلك العيون المحدقة ربما ظلت معلقة على ملامح القاتل، أو مشهد الجموع وهي ترسم مشهداً جديداً للوطن. هي جثة وحيدة تائهة في فراغ المكان، تحيط بها الرماديات ويحتضنها ضباب أبدي، بينما يستمر المشهد العبثي ويزداد اشتعالاً مع مرور الأيام. فلوحة الشهيد تشارك بدورها على نحو ما في أعمال عبدلكي الرمادية الأخرى، في تبنّيها منطق الاحتجاج.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة