Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مفكرتان بخط تشارلز داروين تظهران بعد 22 سنة على اختفائهما

أعادهما مجهول بطريقة غامضة وأرفقهما برسالة تحمل أمنيات بفصح سعيد

تضمن أحد دفتري الملاحظات رسم "شجرة الحياة" الشهيرة بقلم تشارلز داروين، التي توضح كيف يمكن للأنواع الحية ذات الصلة أن تتباعد انطلاقاً من سلف مشترك (مكتبة جامعة كامبريدج)

في ظروف غامضة، فقدت مكتبة "جامعة كامبريدج" البريطانية منذ 22 سنة دفتري ملاحظات كان العالم البريطاني تشارلز داروين ضمن صفحاتهما الصغيرة تأملاته الأولى. وفي الشهر الماضي، بطريقة يلفها غموض مماثل، عادت المفكرتان إلى حيث تنتميان من دون أن يشوبهما أي خطب أو تغيير، ما عدا رسالة قصيرة مرفقة تتمنى "فصحاً سعيداً" لأمينة المكتبة التي تركها الحدث مغمورة بالبهجة، وفق ما جاء في صحيفة "نيويورك تايمز".

في الحقيقة، "سعيدة" بالكاد تصف رد فعل جيسيكا غاردنر، أمينة مكتبة الجامعة التي أطلقت في 2020 حملة دولية لاستعادة المفكرتين. وتذكيراً، يعود الدفتران إلى عام 1837. وفيهما، دوَّن العالم البريطاني بخط يده كتاباته ورسوماته، من بينها رسم لـ"شجرة الحياة" الشهيرة، قد وثقا عملية تفكيره حينما بدأ يخط أفكاره التي تطورت لاحقاً إلى نظريات معروفة عالمياً، ما برحت تحظى بالاحترام والدراسة حتى يومنا هذا، وأبرزها نظرية "الاصطفاء الطبيعي".

من بين تفاصيل عدة كشفت عنها "نيويورك تايمز"، يرد أنه في 9 مارس (آذار) 2022، ترك شخص لم تعرف هويته حتى الآن كيساً زهري اللون مخصصاً للهدايا أمام غرفة مكتب غاردنر، وقد حرص على اختيار جانب من المكتبة غير مجهز بكاميرات مراقبة. منذ البداية، أدركت الدكتورة غاردنر وزملاؤها أنهم أمام ضالتهم المنشودة، إذ كان الصندوق الأزرق الأصلي الذي أُخذ من الأرشيف ذات يوم، ماثلاً أمام أعينهم. ثم، داخل مظروف بني، وجدوا المفكرتين اللتين أضناهم البحث عنهما منذ سنوات طويلة، وكانتا مغلفتين بإحكام بورق نايلون، وقد أرفقت معهما رسالة صغيرة مطبوعة إلكترونياً تتمنى لأمينة المكتبة "فصحاً سعيداً".

"ما زلت أرتجف"، ذكرت غاردنر في مقابلة أجرتها الثلاثاء الماضي، حينما أعلنت جامعة "كامبريدج" استرداد الدفترين، مضيفة أنها تجد نفسها "عاجزة حقاً عن التعبير عن السعادة الكبيرة" التي تغمرها.

بعد مرور بضعة أيام، أوعزت الشرطة التي تواصل تحقيقاتها في الحادثة، إلى "جامعة كامبريدج" أن تتمهل قبل إخراج المفكرتين من الغلاف البلاستيكي. وقد تولى خبراء في الجامعة متخصصون بالحفاظ على مواد المكتبة نزع الغلاف بتأنٍّ شديد. وفي مرحلة تالية، تفحصوا بمساعدة فريق من الخبراء كل صفحة من الكراسين بحثاً عن أي تلف محتمل أصابهما، أو حتى صفحات مفقودة منهما.

جيم سيكورد، مدير "مشروع مراسلات داروين" في "جامعة كامبريدج"، الذي جمع كتابات العلماء، كان أحد الخبراء الذين اشتغلوا على دفتري داروين. إذ أجرى بحوثاً تتعلق بهما أيضاً في تسعينيات القرن العشرين، قبل أن يختفيا. في تعقيبه على استعادتهما الغامضة، ذكر أنه بدا واضحاً من الوهلة الأولى أن الدفترين أصليان، ومن احتفظ بهما كل تلك السنوات قد حرص على أن يبقيا في حالة جيدة من دون انتزاع أي من صفحاتهما.

بالنسبة إلى التزوير، لم يكن ثمة ما يدعو إلى القلق، بحسب سيكورد، ذلك أنه من الصعب جداً تزوير الأنواع المتعددة من الحبر، أو الورق القديم، أو المشابك على الغلافين الجلديين، ناهيك بالصندوق الذي احتواهما في الأرشيف.

وأضاف سيكورد قاطعاً الشك باليقين، "في اعتقادي يبدو جلياً أنهما دفترا الملاحظات الحقيقيان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تذكيراً، قبل أن يختفيا وتنطلق رحلة البحث عنهما، وضع الدفتران في إحدى "الغرف الآمنة لحفظ المجموعات الخاصة" في مكتبة "جامعة كامبريدج"، التي تضم بين جدرانها القطع النادرة والأكثر قيمة في مجموعة المكتبة. ولكن في سبتمبر (أيلول) 2000، أخرج الدفتران من مكانهما لتصويرهما. وبعد مضي شهر، خلال عملية تفقد روتينية لموجودات المكتبة، تبين أن الصندوق الصغير الذي كان يحتوي عليهما ليس موجوداً، بحسب المكتبة. ومرت سنوات من البحث العقيم. واستنتج قيمون على المكتبة وخبراء وطنيون في مجال سرقة التراث الثقافي أن المفكرتين قد سُرقتا على الأرجح.

يصح القول إن إعادة الدفترين تضع نهاية لتوق الأكاديميين إلى استعادتهما ووضعهما مجدداً بين مجموعة المكتبة الثمينة من "مراسلات داروين". وفي المقابل، لم يقدم ذلك أي إجابة شافية عن ألغاز كثيرة في هذا الشأن من نوع "كيف اختفى الدفتران، ومن أخذهما"؟ و"ماذا حدث خلال تلك السنوات الـ22، ولماذا أعيدا الآن؟"، تسأل ""نيويورك تايمز".

في بيان أدلت به في هذا الصدد، ذكرت الشرطة في "كامبريدج شاير" أن التحقيق ما زال مفتوحاً، مضيفة "إننا نشارك الجامعة فرحتها بأن هذين الدفترين النفيسين اللذين لا يقدران بثمن قد أصبحا الآن في مكانهما الصحيح".

يبدو من المحال اكتشاف الدافع الذي حمل شخصاً ما إلى تسليم دفتري داروين. ووفق الدكتورة غاردنر، ربما يتمثّل أحد الدوافع المحتملة في النداء العام الذي أطلقته وزملاؤها في 2020 لتقديم أي معلومات بشأنهما، والتغطية الإعلامية العالمية التي واكبته، من بينها مقال نشرته "نيويورك تايمز". لعل شخصاً ما أراد أن يزيح عن قلبه تأنيب الضمير.

وكان لافتاً أن الدفترين قد عادا إلى رفوف المكتبة في هذا الوقت تحديداً، وذلك لإمكانية تقديمهما ضمن معرض يبدأ في يوليو (تموز) المقبل بعنوان "داروين إن كونفرزيشن" Darwin in Conversation، ويزور مكتبة نيويورك العامة في ربيع 2023.

في هذا المجال، ذكرت الدكتورة غاردنر أن "تشارلز داروين يعني الكثير بالنسبة إلى الناس في مختلف أنحاء العالم". صحيح أن أرشيف الجامعة يضم الآلاف من رسائله، لكن "هذين الدفترين يكتسيان أهمية كبيرة".

ولحسن الحظ، تتوفر محتويات الدفترين بصياغة إلكترونية رقمية منذ فترة طويلة، لذا لا يشكل اختفاؤهما حاجزاً أمام دراسة كلماته ورسوماته من جانب العلماء.

واستطراداً، وفق رأي سيكورد، تشتمل المفكرتان على "نظرة ثاقبة لا مثيل لها حول الكيفية التي تقود الفرد إلى الاكتشاف"، ورؤيتهما بشكلهما المادي الملموس لا تقدر بأي ثمن. أن يترك داروين خربشاته على دفتر رث، كان متوافراً في أي متجر للقرطاسية في مختلف أنحاء لندن آنذاك، يعكس كيف تظهر أفكار عظيمة في ظل ظروف عادية.

من خلال الدفترين، تبدو لنا اكتشافات داروين "حقيقية وملموسة"، وفق كلمات سيكورد، و"في ظني، من المهم حقاً بالنسبة إلينا أن نرى ذلك".

المزيد من منوعات